بقلم : سيدى ولد الأمجاد
عزيزي وصديقي الغالي معالي الأخ الوزير عز الدين ميهوبي
تحية مودة وحب وتقدير واحترام ابعثها لكم من اعماق اعماق القلب
لقد غادرتم ( كرسي ) وزارة الثقافة ولكنكم لم تغادروا الثقافة نفسها والإبداع عينه والطموح الإبداعي في ازهي صوره وتجلياته
ليست الثقافة بالنسبة للكبار امثالكم مجرد كراسي متحركة او مناصب آنية لأن من تستهويهم فقط هذه الألقاب والوظائف إنما دخلوا إليها بلا رصيد سابق ولا مكانة في المجتمع والرأي العام فازدادوا بها كما يظنون ولم تزدد بهم لا شكلا ولا مضمونا
اما انتم عزيزي عز الدين فقد جاءت إليكم الوزارة تجرجر أذيالها فلم تك تصلح إلا لكم ولم تك تصلح إلا لها
نعم جاءت إليكم لأنكم كنتم مبدعا كبيرا وقامة ثقافية كبيرة ليس في الجزائر الحبيبة وحدها وإنما في كل أنحاء الوطن العربي والعالم كيف لا وقد عرفتكم شخصيا قبل الوزارة بعشرين عاما صوت الجزائر الثقافي المتميز وكبرياءها الجميل في العديد من المحافل والمنابر في الشرق والغرب داخل وخارج الوطن العربي
نعم كنتم إضافة ثمينة لوزارة الثقافة وصورتها بصفة عامة في كل العالم العربي برؤية مستنيرة ولم تضف اليكم وزارة الثقافة غير الكثير من التعب والبعد عن الأصدقاء الخلص في كل مكان وحفنة من الحساد والأعداء التقليديين لا تصنعهم فقط في طريق العباقرة سوى محطات عابرة مثل هذه الوظائف والكراسي التي لا يدركون للأسف انكم كنتم في كل مرة تتمنون الابتعاد عنها وتركها للأبد في زحمة النجاح والأضواء وانا على ذلك من الشاهدين
ولعلكم لا تذكرون صديقي عز الدين تلك الممازحة التي جرت بيننا قبل ثلاث سنوات عندما قلت لكم ذات يوم : زرتنا في موريتانيا سفيرا لاحتفالية قسطنطينة عاصمة للثقافة العربية وبعدها بفترة وجيزة اصبحتم وزيرا للثقافة في الجزائر موريتانيا أرض مباركة عليكم فقلتم لي بلا تكلف بين الأصدقاء سازوركم مرة أخرى ولكن هذه المرة اريد بركة من نوع آخر هي الخروج من الوزارة!!
نعم كانت الوزارة سجنا كبيرا بالنسبة لكم خاصة وانها لم تكن الوزارة الاولى لكم فقد كنتم قبلها وزيرا للإعلام ورئيسا لمجلس اللغة العربية الأعلى في رئاسة الجمهورية بدرجة وزير بل اهم
نعم من غيرته الوظيفة فهي أكبر منه ومن لم تغيره فهو أكبر منها وانتم كنتم أكبر من الوزارة ومن جميع الوظائف التي عرفتكم فيها في وزارة الإعلام وفي الإذاعة وفي المكتبة الوطنية الجزائرية وفي المجلس الأعلى للغة العربية وغير ذلك
كنتم تحبون الجزائر فقط وتؤمنون بعزة شعبها فقط ومكانتها التاريخية والثقافية والجهادية في ذاكرة كل العرب والمسلمين عرفنا فيكم ذلك قبل كل هذه المناصب الرسمية العليا رئيسا لاتحاد الكتاب الجزائريين ورئيسا لاتحاد الكتاب والأدباء العرب ومثقفاحرا وصاحب قلم مبدع يحترمه الجميع ويؤمن بالديموقراطية والتداول السلمي على السلطة وإرادة الجماهير في الحرية والانعتاق واختيار من تشاء
وحدكم من بين وزراء الثقافة العرب وما أكثر من عرفت منهم عن قرب وعن بعد من كان مختلفا في كل شيء حتى في تلك الخطب والنشاطات الرسمية والبروتوكولات البيروقراطية
عندما كنت استمع اليكم في افتتاح حدث هام في الجزائر مثلا او في لقاء خاص بوسائل الإعلام كانت تغيب عني تماما صورة ذلك المسؤول الرسمي الذي يحرص فقط على التقرب من الحاكم ومدحه بين كلمة وسطر كنتم تتحدثون عن رؤيتكم ومشروعكم الثقافي وكنتم رجلا شجاعا في الحوار والانفتاح على كل الأوساط الأدبية والثقافية وشجاعا أيضا في المواجهة والمعارك إذا فرضت عليكم لأنكم كنتم بطلا ولم تكونوا مجرد موظف عابر في وزارة الثقافة بعالمنا العربي لذلك شهدت الجزائر في عهد ماموريتكم الثقافية زهوا وتالقا واحتراما وتقديرا رائعا قل نظيره لانكم كنتم تعملون للثقافة والإبداع وليس للتقرب من نظام او حاكم معين كنتم من الجزائر وللجزائر فقط لذلك سيبقى عز الدين ميهوبي الشاعر والروائي والكاتب في ذاكرة الثقافة بالجزائر وخارج الجزائر
لا يعرف الكثيرون انكم وانتم وزير الثقافة اللامع في الجزائر كنتم تتعاطون مع المثقفين والمبدعين العرب وهيئاتهم غير الرسمية أكثر من الوزراء والمسؤولين العرب أنفسهم فكم مرة اعتذرتم عن دعوة وزير وتكريم جهة رسمية هنا وهناك وتواصلتم أكثر فأكثر وبكرم ومحبة مع أصدقاء الحرف ودرب الأصدقاء من خارج دهاليز السلطة
ولابد في هذا السياق ان اجدد لكم جزيل الشكر عندما اخبرتكم في شهر ديسمبر الماضي ان وفدا جزائريا معتبرا رجالا ونساء سيشارك في الدورة الثانية عشر من مهرجان الأدب الموريتاني دورة الشاعر كابر هاشم فكتبتم لي بدون رسميات بانكم تتكفلون بجميع تذاكر الوفد الجزائري إلى موريتانيا لتمثيل الجزائر في مهرجان بلاد المليون شاعر
وقبل ذلك عندما علمتم بوفاة صديقكم الشاعر الكبير كابر هاشم الذي تحمل دورة المهرجان إسمه كنتم وزير الثقافة الوحيد في الوطن العربي الذي بعث تعزية لذويه ومحبيه في موريتانيا ونشرت في كل وسائل الإعلام بصفتكم وزيرا للثقافة لأنكم تعرفون قيمة وقامة شاعر النخيل محمد كابر هاشم الذي كان رحمه الله رئيسا لاتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين فترة طويلة
حفظ الله الجزائر العظيمة وشعبها الأبي الكريم ومتعكم اخي وصديقي عز الدين بموفور الصحة والسعادة والهناء لأن الجزائر والوطن العربي ككل سيبقى دائما بحاجة أكبر لأمثالكم من الرجال الأفذاذ رواد الفكر والثقافة والإبداع لا طلاب المناصب والكراسي الزائلة الذين كانوا أسرى فيها ويتمنون الخروج منها كل حين إلى فضاءاتهم وعوالمهم الواسعة بلا ضوء ولا ضوضاء
مرة قال لي احد الظرفاء في موريتانيا عندما قلت له يجب أن تكون وزيرا للثقافة : الثقافة أحسن ان تكون فيك لا ان تكون فيها وقد شرح ذلك أكثر بقوله وهو يتحدث عن العالم العربي عموما مع الاستثناء الذي لا يفسد القاعدة مثلكم عز الدين :
إن مشكلة الحكومات عندنا ان الوزير لا يكون مثقفا والمثقف لا يكون وزيرا
بمعنى أن غالبية من يصبح وزيرا ليس مثقفا على الإطلاق اما المثقف نفسه فلا يمكن ان يكون وزيرا
وفي الجزائر جئتم انتم صديقي عز الدين ميهوبي لتصنعوا الفرق وتشذوا عن القاعدة : وزيرا مثقفا ومثقفا وزيرا في نفس الوقت
هذه مشاعر صديق مخلص لكم وهذا غيض من فيض ما يكنه لكم الكثير من الموريتانيين من المحبة والتقدير والوفاء
دمتم ودامت الجزائر نشيد الأرض والتحرر والإباء
وإلى اللقاء يا اعز الأصدقاء
سيدي ولد الأمجاد
نواكشوط 12 إبريل 2019