لا أعتقد أن مرشحاً موريتانيا إذا أكد في برنامجه الانتخابي أو في خطاباته الجماهيرية على ضرورة عقلنة الهوية والانتماء لشعبه وبلده،،لا أعتقد أنه أخطأ أو جاء أمراً إِدًّا..
موريتانيا بلد مستقل وتربطه علاقات جوار ببلدان عديدة، هذه العلاقة تتجاوز أحيانا الحدود الطبيعية إلى علاقة اجتماعية وقيَّميَّة تتحد أو تتشابه فيها العادات والتقاليد والأصل النسبي.. لكن هذا النمط من العلاقات يبقى ثانويا مقارنة مع العلاقات التي حددتها القوانين والعلاقات الدولية بين الدول والشعوب ...
فالصحراء بالنسبة لموريتانيا دولة قائمة، وتعترف بها وتستقبل قياداتها استقبال الرؤساء والمسؤولين الكبار .. لذا فهي مستقلة عن موريتانيا جغرافيا وسياسيا، والحال نفسه مع مالي والنيجر والسنغال الذين نتقاسم معهم أيضا أعراقا متعددة نشكل بالنسبة لبعضها عمقا اجتماعيا أكبر ..
هل يرضى الاخوة الصحراويون لو أن أحدنا اعتبرهم جزء من المغرب أو الجزائر أو موريتانيا؟
وهل يرضى الماليون لو قلنا إن منطقة أزواد والشمال كله هو جزء من موريتانيا ؟
طبعاً لا.. فالصحراويون والماليون اختاروا لنفسهم - مثلما اختار الموريتانيون - إقامة دولهم المستقلة .. والاستقلال لا يتجزأ..
لذا لا يستحق حديث غزواني عن التجنيس والانتماء كل هذه الضجة وهذه التفسيرات السلبية.
نعم عانت موريتانيا كثيرا في سنوات مضت من تسيّب التجنيس، وبيع المواطَنة .. ولها الحق في تصحيح هذه الاختلالات .
أما تحسس الأشقاء في الصحراء فمرده هو الشعور بالانتماء لدى الشعبين من أنهما شعب واحد في رقعتين مختلفتين، وهذه حقيقة نعتز جميعا بها .. لكننا قررنا الاستقلال عن بعضنا سياسيا وجغرافيا مع الحفاظ على خيط الاخوة والنسب الذي لا ولن ينقطع .. وهو خيط لم يرفضه أي رئيس أو مرشح طيلة التاريخ الموريتاني .. لكننا بحاجة لتفعيل القوانين المسيّرة للعلاقات الدولية، وهي قوانين لا تمنع من التوقيع على بروتوكولات مكمّلة، تجعل للعلاقة الاجتماعية بين الشعبين ثقلا له قوة القانون نفسه.
لابد للدول من حماية انتمائها وبنيتها الاجتماعية ومن ثم التمكن من التخطيط المحكم لثرواتها .. ثم إن الاستقلال لا يتجزأ...
ليس هذا دفاعا عن أحد ولكنها وجهة نظري التي لا تتأثر بالاتفاق أو الاختلاف.
وقد علق كذلك على الموضوع الأستاذ النابه والشاعر الفذ عبد الله ولد بونا فكتب :
من أسباب تمييع القضية الفلسطينية قبول نسبة كبيرة من الفلسطينيين حمل جنسيات أخرى خاصة الجنسية الاردنية ؛ حتى صار نصف الشعب الاردني من أصل فلسطيني ؛ وولدت من ذلك فكرة الوطن البديل في الاردن للفلسطينيين ؛ وطرح فكرة تهجيرهم من الضفة الغربية وغزة بل ومن اراضي 48 إلى الاردن .
في المغرب العربي شعب صحراوي اصيل ؛ قضيته مسجلة في الأمم المتحدة كقضية تصفية استعمار ؛ وآخر احتلال في إفريقيا ؛ قضية تشعبت ومرت بمراحل صراع دموي ثم صراع سياسي ودبلوماسي مزمن
موريتانيا تعترف رسميا بالجمهورية العربية الصحراوية ؛ ورغم سعيها للحياد الإيجابي إلا أنها ظلت تمنح حملة الوثائق الصحراوية خصوصية تساعدهم على تحقيق مصالح إنسانية ضرورية ؛ فحركة تنقل الصحراويين من مخيمات تيندوف إلى موريتانيا لا يعكرها اي اجراء رسمي ؛ والروابط بين الشعبين تاريخية وباقية كما هي لله الحمد.
ويتحامل بعض الصحراويين المقيمين تحت السلطة المغربية في كل فرصة على الموريتانيين ؛ وقد يسيئ بعضهم في المخيمات الظن ؛ وكذلك الجالية الصحراوية المقيمة بإسبانيا ؛ لكن كل ذلك لا يؤثر على وشائج الرحم وروابط شعبينا الراسخة.
ليس من مصلحة الصحراويين تجنيسهم في موريتانيا ولا في اي دولة أخرى ؛ ولامعنى لتعليق بعضهم على قرار موريتانيا السيادي في التدقيق في كل طلبات الإحصاء للحصول على وثائق موريتانيا الوطنية حتى لا تمنح لمن لا يستحقها قانونيا ولو كان منتسبا عرقيا او ثقافيا لمكون من مكونات الشعب الموريتاني التي لها امتداد في كل الجهات.
وليس ذلك موجها لأحد .
إن قضية الصحراء الغربية قضية ذات عمق غائر في اتحادنا المغاربي ؛ وتحتاج حلا يرضي كل أطرافها ؛ فلا الشعب الصحراوي ممكن شطبه بالقوة؛ ولا المغرب يمكن شطب وجوده بالقوة ؛ ونحن في موريتانيا نمثل هوية حضارية للاقليم تحتضن كل مكوناته دون شطط ؛ وكان على الصحراويين أن يثمنوا لموريتانيا الرسمية ثباتها على موقفها الإيجابي المعترف بالدولة الصحراوية ؛ والثابت على ذلك رغم كل المتغيرات بالإقليم والعالم.
حديث المرشح الرئاسي محمد ولد الغزواني حديث عميق المعنى السياسي بعيد الرؤية ؛ لا طعن فيه ولا لمز في عرق ولا شعب.
إن محاولة توظيف مقاصده توظيفا سلبيا من بعض الإخوة الصحراويين او السنغاليين أو الماليين ليس في محله ولايعدو أن يكون سذاجة سياسية او بدوافع لا تكن لموريتانيا وشعبها ما يلزم من احترام وتقدير .
بقلم