مثل بليغ وعميق وضعه موروثنا الشعبي كنبراس لكل من سيُقدم على أمر ما، ويبدو أن صائغ هذا المثل كان على حافة نهر أو بحيرة يريد دخولها أو عبورها، فيضع أحد قدميه أولا ليقيس عمقها أو لزوجة الوحل بها لكي لا يغرق في الماء أو تغوص قدماه في الوحل..
البارحة وضعت حملتنا لرئاسيات 2019 أوزارها وطوت خيَّمها، وغدا سيتوجه الموريتانيون لاختيار ربان جديد لسفينة بلدهم في انتخابات وضعت لها كل الآليات والإجراءات لتكون انتخابات ذات مصداقية يحصد فيها كل مترشح قدر مكانته وتجربته وخلفيته وطبيعة برنامجه..
بالنسبة لنا ـ وكان مالك يتحدث عن نفسه ـ لا نستحي ولا نخجل من قولها بصوت عال وفم ملآن ومعنا الكثيرون، إن هذه الانتخابات ينبغي أن تكون فقط فاصلة لا نقطة نهاية سطر في " نص " عشرية حافلة بالعمل والإنجاز نسبة لما كان عليه البلد غداة أول سنة منها مما حتى المنافسون، والمتطلعون اليوم لما يسمونه التغيير لا يستطيعون إنكاره، مسيرة زاخرة بالإيجابيات وإذا كان هناك تقصير أو أخطاء فلم تكن الأخطاء يوما إلا حافزا على العمل ومواصلة المحاولات المدفوعة والمُلهَمة بقوة ما تحقق في سبيل الوصول إلى الأهداف والطموحات.
يتحدث بعضهم عن حتمية شوط ثان في هذه الانتخابات وذلك أقصى ما يتوقعونه، جيد، دعهم يتوقعون ذلك .. ولكن ليست المشكلة الكبيرة في هزيمة المرشح محمد ولد الغزواني في شوط ثان مفترض، وليست المشكلة في فوز أحد المترشحين المنافسين في ذلك الشوط، المشكلة يا أحبابنا أعمق من ذلك بكثير، وهذا العمق هو مناط " الكيْس " الذي أوصى به المثل بالتفكير ووضع مصلحة البلد ومستقبله بين نواصي أي منا سيمسك قلما غدا ويؤشر به أمام خانة أحد المترشحين لقيادته بعيدا عن أي نزوات أخرى قريبة وضيقة، أو مستوى نقمة أو حنق على نظام كان له منه موقف حدي لسبب أو لآخر.
إذا فاز أي من المترشحين المنافسين للمترشح محمد ولد الغزواني، وكان سيفوز بشعبيته وتحالفاته المنسجمة والمتجانسة فكريا وسياسيا، أو القريبة من ذلك على الأقل، فلا خوف من هذا الفوز في بلد يمارس الديمقراطية ويتداول أهله على السلطة، ولكن ليت الأمر كذلك أو ليته قريبا منه، إن من يقدمه اليوم " منشدو التغيير " للفوز سواء في شوط أول بعيد المنال، أو بعد شوط ثان هو ما يروجون له، هو المترشح الذي لن يتمكن من الفوز بشعبيته المنسجمة والمتجانسة فكريا وسياسيا كما أسلفنا، وإنما سيفوز وهو يجر خلفه قاطرة ثقيلة من التناقضات والتوجهات الفكرية والسياسية هي من أكملت له ما عجز عن الفوز به منفردا من الأصوات وسيصبح رهينة لها وهنا تكمن الكارثة، فلنا أن نتصور كيف سيكون مجرد التوافق على تشكيل حكومة ودعك من الانسجام الضروري للتوافق على تسيير ملفات بلد لا يزال أمامه الكثير من الملفات التي تتطلب قيادة ذات أيدي طليقة ومتحررة من الارتهان للمتناقضات والمحاصصات الفكرية والسياسية، التي لا وقت لبلد كبلدنا يضيعه في تنافر وتناقض وتجاذب فرقائها الذين لكل منهم أجندته النقيضة لأجندة الآخر!
ليس معنى هذا طبعا أن المترشح محمد ولد الغزواني إذا فاز سيفوز بشعبيته الصرفة، بل سيفوز بالتحالف الواسع الداعمة له من أحزاب وقوى وطنية وفعاليات.. لكن كل هذه الأحزاب والقوى والفعاليات أدمجت برامجها ورؤاها في برنامجه الانتخابي خلال حملته وقبل فوزه، بينما سيضطر غيره من المترشحين بعد فوزه لصياغة برنامج انتخابي جديد خليط من برامج داعميه مختلفي الرؤى والخلفيات الفكرية والتوجهات السياسية الذين ضمهم إلى جانبه على مضض ومكرها لا بطلا لكي يوصلوه للكرسي، والله وحده يعلم ما سيأخذه ذلك من الوقت، هذا إذا كفت سنوات للتوافق على طريقة لتسيير البلد، فهل في ملفات بلدنا وحاجاته التنموية الملحة متسع إلى أن " تتوحد " المتناقضات، وهل من الحكمة والبصيره تعريضه لتناقض الإرادات والأجندات؟ وهل تعلمون، كمثال، أن لبنان منذ سنوات وهو يجري الانتخابات تلو الانتخابات وظل لسنوات عاجزا عن مجرد تشكيل حكومة، وعندما شكلها لم يستطع ذلك إلا بالرضوخ للمحاصصة والأجندات المتناقضة، وأنه لا شيء يتحرك من مكانه في ذلك البلد اليوم؟! إنها عوامل ومخاطر صراع الإرادات!
" كيس كّبل اتغيس ".
محمدو ولد البخاري عابدين 36224642