من صفحة النائب محمد الأمين ولد سيدى مولود
أقتطع دقائق قليلة لأسجل هذه الحروف رغم الظروف التي أوجد فيها مع أخي أحمدُ _ شفاه الله وجزاكم خيرا على الدعوات له والاهتمام به _ لأشاطركم أحبتي هذا الحدث الهام اليوم بملاحظات خفيفة تاتي في سياق ظروف كاتبها، انشغالا بالمعالجة، ونقصا في المعلومات والمتابعة لحدث التنصيب اليوم، بل ولكل الأحداث الوطنية منذ حادث الأخ قبل أسبوعين:
_ أسجل استغرابي وأتعجب كثيرا من كثرة الثناء على احترام عزيز للدستور من طرفِ الذين سعوا لجره للقفز على الدستور، وكانوا شرّ فتنة، ولا أعرف هل ثناؤهم اليوم واطراؤهم هو تكفير عن جرم التحريض واحتقار الدستور أم فرح بمغادرة الرجل، أم قدرة فائقة على التزحلق وركوب الأمواج؟!
_ أظن أن من يتكلم عن هذا الانجاز الكبير (التناوب السلمي على السلطة) عليه أن يمرّ بذكر جهات عدة: المعارضين التاريخيين الذين ضحوا سنوات طوال بل عقودا طويلة وتعرضوا للسجن والمضايقة والهجرة، ثم للحركات الشبابية والكتاب والمدونين وصناع الوعي الذي وقفوا طيلة ''العشرية اليابسة" موقفا مدافعا عن الدستور وخاصة عن مبدأ التناوب، وبالنواب الذين رفضوا التوقيع للانقلاب على الدستور وخاصة الموالين منهم الذين خرجوا على المالوف أما المعارضون فكانوا في المؤمل منهم. وطبعا بالرئيس الراحل اعل ولد محمد فال رحمه الله وحكومته وأعضاء المجلس العسكري للعدالة والديموقراطية، ثم يختم بقبول عزيز الانصياع للدستور وتصريحاته المتكررة بذلك رغم سلبية انقلابه الذي أخرنا سنوات، حيث كان يفترض ان نعيش لحظة التناوب بين رئيسين منتخبين سنة 2012 بعد انتهاء مأمورية سيدي الأولى، أو 2017 بعد مأموريته الثانية على أبعد تقدير، ونكون تجنبنا ويلات الانقلاب وما جره من أزمات ومشاكل، وما بدده من امكانات وما ضيعه من فرص، وما فعله من طمس معالم التحول الجيد الذي حصل 2005/2007 والإجماع الوطني حينها.
_ القول إن هذا اول تناوب سلمي في البلد تنقصه الدقة ما لم يشترط صفة الانتخاب في المتناوبيْن، فمازالت الذاكرة الوطنية تحتفظ بتلك الصورة الرائعة للتناوب بين الرئيس الراحل اعل رحمه الله وأول رئيس مدني منتخب _ حتى وإن أصبحت هذه الصفة تزعج لاحقا من كانوا يسمونه 'الرئيس المؤتمن' _ أي سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، في تجربة رائدة كانت ستحلق بنا بعيدا خاصة في مجال بناء المؤسسات والتناوب لولا وأدها من طرف عزيز في "بيان لاغٍ" السخيف!
_ خطاب الرئيس المنتخب غزواني اليوم كأغلب خطاباته يحمل على بعض التفاؤل ويتسم ببعض الواقعية، نتمنى له التوفيق، وندرك صعوبة ميراث سلفه وشريكه عزيز. وستبقى "تعهداته" فيصلا بيننا وإياه في مساطر التقييم والمتابعة.
_ لم يجب السكوت عن عزيز ولن يجب، ولا عصمة لمن حكم هذا البلد وساس هذا الشعب خاصة إن خلف حكمه بعض الاضرار البينة على المؤسسات وآلاف العمال، وشابته تهم الفساد الكبير والخطير، فإفلاس الشركات وتسريح العمال، والصفقات الضخمة الظلامية ومخالفات القوانين وتعطيل النصوص الدستورية لا ينبغي السكوت عليها بمجرد خروج القصر، فتلك مقاربة غير عادلة.
_ تقييم فترة عزيز بعد خروجه من الحكم قد تختلف بكل تاكيد عن منازلته سياسيا وإعلاميا وهو في القصر، ولا شك أنها فترة رغم رجاحة الطابع السلبي فيها فإنها حققت نتائج مهمة في بعض الجوانب، وانجازات معتبرة في بعض المجالات، ويحتاج ذلك التقييم وقتا وظروفا، غير التي يوجد فيها الآن كاتب الحروف.
_ الحضور الافريقي الجيد مقارنة بالعربي هو أمر طبيعي، فبعدنا الافريقي هو الذي ميزنا نسبيا في مجال الحريات والديموقراطية عن الدول العربية، التي لو كانت مثلنا أو افضل منا لسمحت ظروفها بحضور قادتها لحدث مهم كهذا في بلد شقيق لها كبلدنا. إن بعدنا الافريقي نعمة كبيرة يجب حمدها وتعميقها!
_ غياب المعارضة والمعارضين عن حفل التنصيب خطا، إن كان بسبب عدم استدعائهم فهو اقصاء سلطوي مدان، وإن كان رفضا للحضور من طرف المعارضين فقط مع وجود الدعوة فهو جمود سياسي لم يستوعب اللحظة، فالحضور لا يعني الولاء والغياب لا يغير النتيجة، والقطيعة والجفاء لا تخدم أي طرف ولا تخدم البلد ولا الشعب.
_ الموقف من غزواني تتضح معالمه أكثر بعد تسمية طاقمه، ثم نمط الحكم والتصرف تجاه الملفات خاصة الكبرى كالمشكل الاجتماعي، والتعليم، والصحة، والبطالة والتشغيل، والأمن وخاصة أمن المدن ومشكل المخدرات، وطبعا ملف الفساد، الفساد، الفساد، وقبل ذلك واثناءه وبعده سيبقى دور المعارضين هو النقد وتتبع الثغرات والرقابة والتقييم وليس السكوت او التفرج أو الاطراء والثناء.
وفق الله الجميع لكل خير ودامت موريتانيا بامن وأمان، ونسال الله تمام العافية وظروفا تسمح بمتابعة الشأن العام والقيام بالواجب تجاهه.