اسباب ركود المشهد الثقافي في البلاد و السبيل الى النهوض به

رسالة الخطأ

Deprecated function: preg_match(): Passing null to parameter #2 ($subject) of type string is deprecated in rename_admin_paths_url_outbound_alter() (line 82 of /home/amicinf1/public_html/sites/all/modules/rename_admin_paths/rename_admin_paths.module).
أحد, 2019-10-20 21:48

بقلم: الدكتور محمد الامين ولد الكتاب

 

 

 

 لقد ساد لفترة من الزمن  لدى بعض الساسة و صناع القرار  في بلادنا  نزوع إلى ازدراء الثقافة  في معظم تجلياتها  و إلى الاستهانة  بالمثقفين  و عدم القناعة  بجدوائية و وجاهة  إشراكهم  في دوائر صنع القرار ات المتصلة  بتطوير  المشهد الثقافي و التعاطي معه والسعي إلى النهوض به ،اذ لم يكن يتوفر لدى هؤلاء الساسة  الوعي الكامل  بأهمية الثقافة  كعامل فعال في نشر الوعي الاجتماعي  وتعميق الحس الفني والارتقاء بالذائقة  الجمالية  و ارساء اسس التمدن و الحضارة . ولم يكونوا يدركون  أن الثقافة بكل أبعادها  تشكل رافعة اقتصادية  تساهم بحظ وافر  في النماء الاقتصادي  والتطور الاجتماعي  والازدهار الثقافي للبلاد ، ولم يكونوا يعون  أن رأس المال البشري  الذي تساهم الثقافة  في تكوينه  و تطويره  هو أهم عوامل التنمية  و التمدن و التحضر . كما  لم  يكن بمقدورهم  تمثل العلاقة الوطيدة بين توفر الساحة الثقافية  في البلاد على  دور النشر و المتاحف  و المسارح ودور السينماء  و معاهد الفنون الجميلة  و اروقات عرض  الفنون التشكيلية  و المكتبات  و الفضاءات المخصصة لمعارض الكتب  ، و مشاغل  للرسم و النحت  و الخط و الزخرفة  و الصناعات التقليدية  في مجالات الخزف  و الخشب و النحاس ...  لم يكن بمقدور هؤلاء الساسة  تمثل التعالق بين   تلكم المنشآت  و النماء الاقتصادي  والرقي الاجتماعي  والحضاري. ولعل هذه الذهنية  و ما يترتب عليها  من ضيق في الأفق  و محدودية في الرؤية  هي ما قد تسبب  في التمادي  لوقت طويل في  إسناد مسؤولية وزارة الثقافة  إلى أشخاص ليست لديهم  خلفيات ثقافية ، ولا يتوفرون  على رصيد معرفي  يمكن ان يحصل السكوت عليه .وليست لهم  تجارب ميدانية  في ممارسة  و ترقية  و تسيير  مختلف مكونات  الثقافة وتجلياتها . 

فترتب عن هذه الوضعية  المفارقة و لفترة  طويلة   من  الزمن التنافر و القطيعة  بين  معظم  المسؤولين الذين تعاقبوا على هذه الوزاة  و العديد من المثقفين  المقتدرين  و اصحاب الكفاءات و المواهب  و الخبرات و التجارب . ونجم عن ذلك  تراجع ملحوظ  في إنتاج الآداب  و الفنون  و  باقي المعارف الأخرى. و بالنتيجة  حصل   تقلص ملحوظ  في  عدد المنشآت  و المؤسسات  المنتجة لمختلف  ألوان الثقافة و أبعادها، مما قاد  الى ضمور  مشهود  للساحة الثقافية  في البلاد. 

وكان أن وصل الى سدة الحكم  في غرة أغسطس 2019 عن طريق صناديق الاقتراع  و بفضل مراعاة  مبدأ التناوب السلمي على السلطة ، فخامة الرئيس  محمد  ولد الشيخ الغزواني الذي جاء بأسلوب جديد  في ممارسة السلطة  يعتمد مقاربة  جديدة  للتعاطي مع الشأن العام تقوم على  الانفتاح و  و التشاور و الحوار  و إشراك كافة الفاعلين  و القوى الوطنية الحية  في تحديد ملامح  مصير البلاد  و في تكييف عملية  صنع القرار ات المتصلة  بصيرورة و سيرورة  الوطن وصولا الى وضع حد  نهائي  لتهميش  الفاعلين الوطنيين  و إقصاء الكفاءات  الوطنية  و تعطيلها  و اهدار طاقاتها  و الحيلولة  التعسفية دون  مساهمتها  في عملية البناء الوطني .

و من بين  الفعاليات  الوطنية التي جرى  التواصل والتشاور معها  حول سبل  النهوض  بجانب  الشأن العام الذي يعنيها ، اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيون. حيث  تفضل فخامته  بتوجيه دعوة كريمة  لهذا الاتحاد  و استقبل وفدا  منه قوامه 13 عضوا  بالقصر الرئاسي العامر  في  الرابع عشر من شهر أكتوبر 2019.

و على مدى ما يربو على ساعة  من الزمان  استمع فخامة الرئيس  بعناية  و اهتمام   لكل القضايا  المتعلقة بعمل الاتحاد وسبل تطويره  و تمكينه من  النهوض بالساحة  الثقافية الوطنية و إخراجها من المراوحة التي تعاني منها والارتقاء بكل أبعاد الثقافة  في البلاد.

و الجدير بالذكر  أن اهتمام الرئيس بالثقافة و أهلها  لم يكن طارئا  ولا آت من فراغ  بل كان قد تخلل  كل الخطابات  التي ألقاها  أثناء حملته الانتخابية  بدءا  من خطابه الافتتاحي ؛ وقد احتلت  الثقافة  و المعرفة  و الفكر و التعليم   مكان الصدارة  في برنامجه  و التزاماته وتعهداته   " ولا غرو فماء العود من حيث يعصر"  كما ورد في شعر الشيخ سيديا بابا.

و بودي في  هذا المضمار أن  أتقدم لمن يعنيهم الأمر بجملة من الاقتراحات  و التوصيات  ، أرى أنها خليقة   اذا ما أخذ بها أن  تساعد في النهوض  بالمشهد الثقافي في وطننا  و تسهم في وضع  البلاد على  سكة  التقدم الاقتصادي  والرقي الاجتماعي و الارتقاء  المدني والحضاري.

 

أعتقد أنه لبلوغ هذه الأهداف  فإن  من اللازم  ،

على المدى القصير :

• إقامة  وتوظيف  المنشآت و المؤسسات التالية :

- دار للطباعة والنشر والتوزيع  تضطلع بنشر وتوزيع  ما ينتجه  كتابنا من أعمال  ادبية وفكرية  و ما يصدره شعراؤنا من  دواوين  شعرية  و ما تجود به  قرائح  مسرحيينا و سينمائيين  من سيناريوهات درامية وسينمائية.

-  شبكة من المكتبات   المتنوعة  : 'bibliothèque, vidéothèque , filmothèque) 

توفر للقراء  المتعطشين للارتواء من المعارف  فضاءات ملائمة  للاطلاع والاستقراء.

ـ أروقات لاحتضان  الأعمال التشكيلية   و المنجزات الفنية .

ـ  متحف وطني و متاحف جهوية  على مستوى ولايات الوطن. وذلك لاحتضان  و صيانة  و عرض القطع  الأثرية  و التحف التراثية  لتمكين الجمهور من الاطلاع عليها و الاستمتاع  برؤيتها.

ـ مسرح وطني  و مسارح جهوية  أذ لا يعقل  أن تكون البلاد خالية  تماما  من منشأ  ة تعتبر  أم الفنون  و أرقى  تعابيرها . حيث قال بعضهم: اعطيني مسرحا  متطورا أعطيك  أمة متحضرة.

ـ أوركيسترا وطنية  و هي منشأة  فنية وموسيقية  لا غنى عنها  لشعب ينشد المدنية  والارتقاء الحضاري.

ـ  معهد وطني  للفنون الجميلة لتكوين الفنانين  في مختلف ألوان الفنون.

ـ  وكالة وطنية  لترقية السينماء   تستغل ثراء تراثنا و عراقة  وغنى تاريخنا و تنوع فلكلورنا  من أجل تطوير  صناعة سينمائية   وطنية لا فتة  من شأنها ان تنافس الصناعات المماثلة  في دول الجوار، نتيجة لغزارة المادة التاريخية و الثقافية و الفنية  المتوفرة لدينا  ، والتي بإمكاننا ان نمتح منها   لخلق منتج سينماتوغرافي  متميز.

ـ فضاءات  ملائمة  لاقامة معارض للكتب   تسمح بجعل  ما ينتجه كتابنا و ما يبدعه شعراؤنا  في متناول القراء و الباحثين الوطنيين و الأجانب .

 وفي المدى المتوسط  فأنه يلزم في اعتقادي :

- اقامة مشاغل  وورشات   des ateliers في مجالات : 

- الخط  العربي les arabesques

- الرسم و التصوير  و المنمنمات و النقوش و الزخارف .

 

- اقامة  منشآت  للصناعات الثقافية  و الترفيهية  المنعدمة تماما  في  بلادنا  . 

 

- إقامة معالم معمارية  في الشوارع  و ملتقى الطرقات  والساحات العامة . بالمعالم و الرموز الثقافية والفنية المميزة لتراثنا  و خصائصها الحضارية معدومة .

 

- إنشاء مساحات خضراء  تحوي مروجا  من الأزهار و  رياضا من الورود  تضفي جمالا وبهجة على   شوارعنا و تخلع مسحة  مدنية على حواضر بلادنا المقفرة  من كل مظاهر  الجمال والألق. مما يقتضي  تطوير  فنون التشجير والبستنة  . فلا يعقل ولا يستساغ ان يكون من المستحيل  الحصول على باقة ورد  في  اية مدينة من مدننا الا بشق الانفس.

 

- تطوير مختلف أنواع الصناعات التقليدية  في مجالات  :

 

الخزف  و الخشب و النحاس و الجلود  وفي مجالات  الصياغة و  و التطريز  و الخياطة العليا la haute couture  

و ينبغي كذلك   العمل على مد الجسور jeter des passerelles   بين  المنظومة التعليمية الوطنية  ومختلف المؤسسات الثقافية  كالمتاحف و المسارح و وكالات  الصناعات السينمائية  و ورشات الفنون التشكيلية  ، و ذلك لكي ترفد المنظومة التعليمية الساحة الثقافية و العكس بالعكس.

  

ـ  انشاء آلية وطنية  للسهر على  ترقية وتطوير  كل أبعاد الثقافة  و العمل على توظيفها  من أجل إنماء البلاد الأقتصادي  و رقيها الاجتماعي  و ازدهارها  الفكري و العلمي  .  

و قد تتخذ هذه الآلية  شكل وكالة وطنية  أو   مجلس قومي اعلى للثقافة  و الفنون يعهد اليه من بين امور اخرى بالسهر على  دفع ومواكبة   كافة الأعمال الثقافية و الفكرية و الفنية و العلمية  و الإشراف على تنظيم  الفعاليات الثقافية و الفنية  كالمواسم و المهرجانات  الثقافية والفنية  والشعرية   وجمع ونشر  و توظيف مخرجاتها  سعيا  الى  توسيع  دائرة الإشعاع الفكري و الفني و العلمي  للبلاد على الصعيدين المحلي و الدولي.