إسلمو ولد سيدي أحمد
كاتب وخبير لغوي وباحث في مجال الدراسات المعجمية والمصطلحية
التوابع هي الأسماء التي لا يمسها الإعراب إلّا على أساس أنها تابعة لغيرها، وهي خمسة أنواع:
النَّعْتُ، التَّوْكِيدُ، البَدَلُ، عَطْفُ النَّسَقِ، عَطْفُ البَيَانِ.
النَّعْتُ:
هو تابع يُكَمِّلُ متبوعَه ببيان صفة من صفاته، مثل: شَاهَدْتُ رَجُلًا كَرِيمًا، ويُسمَّى حينئذ نَعْتًا حَقِيقِيًّا لِأَنَّ (كَرِيمًا) بَيَّنَ صفةَ الموصوف نفسه. أو من صفات ما تعلق به، مثل: شَاهَدْتُ رَجُلًا كَرِيمًا أَبُوهُ، ويُسمَّى نعتًا سببيًّا لأنه بيَّنَ حال ما يتعلق بالموصوف.
والنعت يكون للتوضيح إن كان المنعوت معرفة، مثل: مَرَرْتُ بِخَالِدٍ الخَيَّاطِ، وللتخصيص إن كان المنعوت نكرة، مثل: صَاحَبَ رَجُلًا عَاقِلًا، والمدح نحو: أَشْكُرُ اللهَ العَظِيمَ، أو الذم نحو: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أو للتأكيد نحو: "فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ".
يكون النعت مفردًا كما مُثِّلَ، كما يكون جملة اسمية أو فعلية، أو شبه جملة: ظرفًا أو جارًّا ومجرورًا، وسيأتي بيان ذلك كله.
شروط النعت:
ينبغي أن يكون النعتُ اسمًا مشتقًّا، كاسم الفاعل مثل: جَاءَ رَجُلٌ فَاضِلٌ، أو اسم المفعول نحو: هو طالبٌ مَحْبُوبٌ، أو الصفة المشبهة نحو: هَذَا طَالِبٌ حَسَنٌ خُلُقُهُ، أو اسم التفضيل نحو: يَسُرُّنِي العَمَلُ الأَكْمَلُ.
فإذا كان النعتُ اسمًا جامدًا وجب أن يقوم مقامَ المشتق، وذلك في المواضع التالية:
1-المَصْدَر، مثل: هَذَا رَجُلٌ ثِقَةٌ، أَيْ مَوْثُوقٌ بِهِ، وَهَذَا امْرُؤٌ عَدْلٌ، أَيْ عَادِلٌ.
2-اسْم الإشارة، مثل: عَرَفْتُ خَالِدًا هَذَا، أَيْ المُشَارَ إِلَيْهِ.
3-(ذُو) التي بمعنى صاحب و(ذات) بمعنى صاحبة، مثل: هَذَا رَجُلٌ ذُو فَضْلٍ، وَتِلْكَ امْرَأَةٌ ذَاتُ أَدَبٍ، أَيْ صَاحِبُ فَضْلٍ وَصَاحِبَةُ أَدَبٍ.
4-الاسم الموصول المقترن بأل، مثل: أَعْجَبَنِي الطَّالِبُ الَّذِي اجْتَهَدَ، أَيْ المُجْتَهِدُ.
5-ما يدل على عدد المنعوت، مثل: كَافِئْ طُلَّابًا خَمْسَةً، أَيْ مَعْدُودِينَ بِهَذَا العَدَدِ.
6-الاسم الذي لحقته ياء النسبة، مثل: هَذَا بَطَلٌ حَلَبِيٌّ، أَيْ مَنْسُوبٌ إِلَى حَلَب.
7-ما دلّ على تشبيه، مثل: أَقْبَلَ رَجُلٌ أَسَدٌ، أَيْ شُجَاعٌ.
8-(ما) النَّكِرة التي يُراد بها الإبهام، مثل: هَاتِ مَثَلًا مَّا، أَيْ مَثَلًا مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِصِفَةٍ مَّا. وقد يُراد بما هذه التهويل مع الإبهام، مثل: "لأمر ما جدع قصير أنفه"، وهذا المثَل مشهور.
9-كَلِمَتَا (كُلّ وأَيّ) الدالتين على استكمال الموصوف للصفة، مثل: أَنْتَ المُهَذَّبُ كُلُّ المُهَذَّبِ، أَيْ الكَامِلُ فِي التَّهْذِيبِ، ورأيتُ رجلًا أَيَّ رَجُلٍ، أَيْ كَامِلًا فِي الرُّجُولَةِ، فإذا قلنا أنتَ رَجُلٌ أَيُّمَا رَجُلٍ كانت (مَا) زائدةً.
النَّعْتُ الحَقِيقِيُّ وَالنَّعْتُ السَّبَبِيٌّ:
النعت نوعان، حقيقيّ وسببيّ:
أ-النعت الحقيقيّ: هو ما يدل على صفة في نفس المتبوع ويتبع ما قبله في أحوال الإعراب ويطابقه في الإفراد والتثنية والجمع، والتذكير والتأنيث، والتعريف والتنكير. جَاءَ رَجُلٌ عَاقِلٌ، وَامْرَأَةٌ عَاقِلَةٌ، وَرَجُلَانِ عَاقِلَانِ، إلى آخِره.
كما أنّ مطابقة النعت للمنعوت مشروطة بألّا يمنع من ذلك مانع.
ب-النعت السببيّ: هو التابع الدّالّ على صفة من صفات ما له ارتباط أو عَلاقة بمتبوعه، مثل: هَذَا كِتَابٌ جَدِيدٌ غِلَافُهُ، فجديد لم يُبَيِّنْ صفة الكتاب وإنما بَيَّنَ صفة غلافه الذي له ارتباط بالكتاب لأنه جزء منه.
والنعت السببيّ يتبع منعوته في إعرابه وتعريفه وتنكيره فقط، ويراعى في تذكيره وتأنيثه ما بعده ويكون النعتُ مفردًا دائمًا.
وإليك مثالًا يوضح ذلك: جَاءَ الطَّالِبُ الحَسَنُ خُلُقُهُ، وَالطَّالِبَانِ الحَسَنُ خُلُقُهُمَا، وَالطُّلَّابُ الحَسَنُ خُلُقُهُمْ، وَالطَّالِبُ الحَسَنَةُ دَارُهُ، وَالطَّالِبَانِ الحَسَنَةُ دَارُهُمَا، وَالطُّلَّابُ الحَسَنَةُ دَارُهُمْ، وَجَاءَتِ الطَّالِبَةُ الحَسَنُ خُلُقُهَا، وَالطَّالِبَانِ الحَسَنُ خُلُقُهُمَا، وَالطَّالِبَاتُ الحَسَنُ خُلُقُهُنَّ، وَالطَالِبَةُ الحَسَنَةُ دَارُهَا، وَالطَّالِبَتَانِ الحَسَنَةُ دَارُهُمَا، وَالطَّالِبَاتُ الحَسَنَةُ دَارُهُنَّ.
ملاحظتان:
1-إذا كان ما بعد النعت السببيّ جمعًا مكسَّرًا، جاز جمع النعت أيضًا، مثل: جَاءَنِي الرَّجُلُ الفُضَلَاءُ آبَاؤُهُ.
2-إذا قرن النعت السببيّ بضمير المنعوت، يجري حينئذ مجرى النعت الحقيقيّ، مثل: رَأْيْتُ الفَتَاةَ الكَرِيمَةَ النَّسَبِ.
النعت المفرد والجملة وشبه الجملة:
ينقسم النعت إلى ثلاثة أقسام، وهي: نعت مفرد وقد سبق الكلام عنه.
أمّا النعت الجملة، فهو أن تكون الجملة الفعلية أو الاسمية منعوتًا بها، مثل: جَاءَ وَلَدٌ يَبْكِي (فعلية)، وَجَاءَ رَجُلٌ كِتَابُهُ جَدِيدٌ (اسمية).
ولا تكون الجملة نعتًا للمعرفة، وإنما تكون للنكرة، فإذا وقعت بعد المعرفة كانت في موضع الحال، مثل: جَاءَ الوَلَدُ يَبْكِي.
ملاحظة:
يصح أن تعتبر الجملة الواقعة بعد المعرَّف بأل الجنسية نعتًا أيضًا عدا اعتبارها حالًا، ومنه قول الشاعر:
وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسًبُّنِي * فمضيتُ ثُمَّتَ قُلْتُ: لَا يَعْنِينِي.
فجملة "يسبني" في محل جر صفة للئيم. وقول الآخَر:
وإنّي لتعروني لذِكراكِ هَزَّةٌ * كَمَا انْتَفَضَ العُصْفُورُ بَلَّلَهُ القَطْرُ.
فليس القصد لئيمًا معيَّنًا ولا عصفورًا معيَّنًا، بل أيّ لئيم وأيّ عصفور.
ويشترط في الجملة النعتية أن تكون جملة خبرية (أي غير طلبية)، وأن تشتمل على ضمير يربطها بالمنعوت ضميرًا ظاهرًا أو مستترًا أو مقدَّرًا، كما جاء في قوله تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا)، والتقدير: لا تجزي فيه، ومثل: اشْتَرَيْتُ تَمْرًا الرِّطْلُ بليرة، والتقدير: الرطل منه بليرة.
والنعت الشبيه بالجملة أن يقع الظرف أو الجار والمجرور في موضع النعت كما يقعان بموضع الخبر والحال، مثل: شَاهَدْتُ رَجُلًا أَمَامَ المَكْتَبَةِ، وَرَأْيْتُ عُصْفُورًا عَلَى غُصْنِهِ، والنعت في الحقيقة إنما هو المتعلق المحذوف للظرف أو الجار والمجرور إذ التقدير: شاهدت رجلا كَائِنًا أمام المكتبة، ورأيت عصفورًا مَوْجُودًا على غصنه.
ملاحظة:
إذا نعت بجملة، فالغالب تأخيرها كقوله تعالى: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ).
النعت المقطوع:
إذا كان المنعوت معلوما بدون النعت، مثل: اعجبت بالبُحْتَرِي الشاعرِ، جاز فيه الإتباع للمنعوت أو الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أو مفعولا به لفعل محذوف يقدر بأعني في صفة التوضيح، وأمدح في صفة المدح، وأذمّ في صفة الذمِّ، وأرحم في معرض الترحُّم، مثل: الحمد لله العَظِيمِ/ العظيمَ/ العظيمُ، فالجر على التبعية باعتباره نعتًا لله، والنصب على أنه مفعول به لفعل محذوف تقديره أمدح، والرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف وجوبًا تقديره هو العظيمُ.
هذا وحذف المبتدأ والفعل في المقطوع لغرض المدح أو الذمِّ أو الترحُّم واجبٌ، ولا يجوز إظهارُهما.
ولا يجوز قطع النعت عن المنعوت إذا كان متمما لمعناه، فإن كانت الصفة متممة للموصوف بحيث لا يتضح إلّا بها لم يجز قطعها، مثل: مررتُ بعادِلٍ الطبيبِ، إن كان عادل هذا لا يعرَف إلّا بذكر صيفته.
وإذا تكررت الصفات بحيث لا يتضح الموصوف إلّا بها جميعًا، وجب إتباعها كلها له، مثل: مررت بفاضل الكاتبِ الشاعرِ الخطيبِ إذا كان هذا الموصوف (فاضل) يشاركه في اسمه ثلاثة يتصفون بصفتين من هذه الصفات الثلاث.
وإن تكرر النعت الذي لمجرد المدح أو الذم أو الترحم، فالأولى إمّا قطع الصفات كلها أو إتباعها كلها.
والقطع بحد ذاته لم يجز إلّا تسهيلا خاصةً للشعراء، وعلى كل حال فعليك أن تعتمد في ذلك على سهولة الفهم، فإن كان المعنى مع القطع أو ضح وأبين، فالقطع فصيح وواقع موقعه، وإلّا فهو ضعيف فتجنبه ما استطعت، فإن منطق الفصاحة لا يأذن به، وإن أذنت قواعد النحو.
فوائدُ:
1-في الصفات التي على وزن مَفْعُول-بمعنى فاعِل-مثل: صَبُور وغَيُور وشَكُور، أو على وزن فَعِيل-بمعنى مَفْعُول-مثل: جَرِيح وقَتِيل، أو على وزن مِفْعَال، مثل: مِهْذَار، أو مِفْعِيل، مثل: مِسْكِين ومِعْطِير، أو على وزن مِفْعَل، مثل: مِغْشَم (الشُّجَاع)، فهذه الأوزان الخمسة يستوي في الوصف بها المذكر والمؤنث.
فتقول: رَجُلٌ غَيُورٌ وامْرَأَةٌ غَيُورٌ، وَهَكَذَا...
2-المَصْدَر الموصُوف به يبقى بصورة واحدة للمفرد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث، فتقول: رَجُلٌ عَدْلٌ، وَامْرَأَةٌ عَدْلٌ، وَرَجُلَانِ عَدْلٌ، وَنِسَاءٌ عَدْلٌ.
3-ما كان نعتًا لِجَمْع ما لا يَعقِل، فإنه يجوز فيه وجهان: أ-أن يعامَل معاملة الجمع. ب-أن يُعامَل معاملة المفرد المؤنث، مثل: عِنْدِي كُتُبٌ كَثِيرَةٌ، وَكُتُبٌ كَثِيرَاتٌ، وقد يُوصَف الجمعُ العاقلُ-إن لم يكن جمعَ مذكر سالمًا-بصفة المفردة المؤنثة، نحو: الأُمَمُ الغَابِرَةُ.
4-ما كان نعتًا لاسم الجمع، فيجوز فيه الإفراد باعتبار لفظ المنعوت، والجمع باعتبار معناه، مثل: عَاشَرْنَا قَوْمًا صَالِحًا أو قومًا صَالِحِينَ.
5-قد ينزل ما لا يعقل منزلة العاقل فيستعمل له ما يستعمل للعاقل، مثل: أَقْبَلَ الجِيَادُ السَّابِقُونَ، وهذا نادر جدًّا.
6-إذا كان المنعوت مؤلفا من مذكر ومؤنث، يغلبُ المذكرُ، مثل: جَاءَ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ المُهَذَّبَانِ، وإذا كان مؤلفا من عاقل وغير عاقل، يغلبُ العاقلُ، مثل: هَلَكَ الفُرْسَانُ وَالخُيُولُ النَّافِعُونَ.
7-العَلَم لا يكون نعتًا، وإنما يكون منعوتًا. يُوصَف بالمعرف بأل، مثل: جَاءَ عُمَرُ المُخْلِصُ، وبالمضاف إلى المعرفة، نحو: أثنيتُ على سالمٍ رفيقِ وَحِيدٍ، وباسم الإشارة، مثل: أَشْكُرُ سَلِيمًا هَذَا، وبالاسم الموصول المصدر بأل، مثل: جَاءَ خَالِدٌ الَّذِي نَجَحَ.
8-اسم الإشارة وأيُّ ينعتان بما فيه أل، مثل: جَاءَ هَذَا الرَّجُلُ، يَا أَيُّهَا الإنسانُ، وتُوصَف أَيُّ أيضًا باسم الإشارة، مثل: يَا أَيُّهَذَا الرَّجُل (من النحويين من يجعل المعرف بأل بعد اسم الإشارة وأيّ صفة لهما في جميع الحالات، وهو رأي الجمهور، ومنهم من يجعله عطف بيان).
ملاحظة:
من حق الموصوف أن يكون أخصَّ من الصفة وأعرفَ منها أو مساويًا لها، لذلك امتنع وصف المعرف بأل باسم الإشارة وبالمضاف إلى ما كان معرفا بغير أل فإذا وقع ذلك أعرب اسم الإشارة أو الاسم المضاف إلى المعرف بغير أل بدلا منه أو عطف بيان، مثل: جَاءَ الطَّالِبُ هَذَا، جَاءَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ عِنْدَنَا. جَاءَ الرَّجُلُ صَدِيقُ عَلِيٍّ، جَاءَ الرَّجُلُ صَدِيقُنَا.
ولا نجد ما يمنع أن ينعت الأعم بالأخص كما يجوز العكس، فتوصف كل معرفة بكل معرفة، وكل نكرة بكل نكرة.
9-قد يحذف الموصوف إذا أمكن الاستغناء عن ذكره فحينئذ تقوم الصفة مقامه، كقوله تعالى: (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ)، أي دروعا سابغات.
كما يجوز حذف النعت، مثل: لَمْ أُعْطَ شَيْئًا وَلَمْ اُمْنَعْ، أي شيئا طائلًا.
إذا اختلفت الصفات في موصوفين متعددين وجب التفريق فيها بالعطف بالواو، مثل: جَاءَنِي رَجُلَانِ، كَاتِبٌ وَشَاعِرٌ.
لا يجوز تقديم الصفة على موصوفها، ولكنهم يستسهلون الفصل بينهما، مثل:
لَا تَنْهَ عَنْ خُلُق وتأتي مثله * عارٌ عليك إذا فعلت عظيم.
فعظيم، صفة لعار وقد فصل بينهما.
ويفصلون أيضًا بين النعت والمنعوت، بِلا وإمّا، فيجب حينئذ تَكرارُهما بين النعوت التالية معطوفين بالواو، مثل: هَذَا يَوْمٌ لَا حَارٌّ وَلَا بَارِدٌ، وَلِكُلٍّ أَجَلٌ إمّا قَرِيبٌ وَإمّا بَعِيدٌ.
التَّوْكِيدُ:
يُقال: تَأْكِيد، وتَوْكِيد، وهما لغتان وليس أحد الحرفين بدلا من الآخَر، وفائدته تمكين المعنى في نفْس المخاطَب، وإزالة الغلط في التأويل وإماطة الشبهة أو توهم النسيان والسهو، فأنت إذا قلت: جَاءَ القَائِدُ، فإنّ لظان أن يظن أنك غير جاد أو أنك توهمت ذلك فإذا أكدت قولك بإعادته مثلا فقلت: جَاءَ القَائِدُ، جَاءَ القَائِدُ، أزلت ما قد يعلق في نفْس السامِع من الشك في قولك.
التوكيد، قسمان: لَفْظِيٌّ وَمَعْنَوِيٌّ:
التَّوْكِيدُ اللَّفْظِيُّ:
يكون بتكرير لفظ المؤكَّد، كقول الشاعر:
أخاكَ أخاكَ إنّ مَن لا أخا له * كَساعٍ إلى الهَيجا بِغَيْر سلاحِ.
أو مرادفه، تقول مَثَلَا: أَقْبَلَ جَاءَ خَالِدٌ، فجملة جاء توكيد لجملة أقبل الابتدائية التي لا محل لها من الإعراب.
ويكون في الأسماء والأفعال والحروف والجُمَل والضمائر وكل كلام نريد تأكيدَه. مَثَلُ الاسم: رأيت خالدًا خالدًا، ومثل الفِعْل: قامَ قامَ الطالِبُ، ومثل الجُملَة: عَلَّمْت سالِمًا، علَّمت سالمًا، ومثل الحَرف:
لَا لَا أَبُوحُ بِحُبِّ بَثْنَةَ إِنَّهَا * أَخَذَتْ عَلَيَّ مَوَاثِقًا وَعُهُودَا.
وَمَثَلُ الضمائر: نَجَحْتَ أَنْتَ، هذا والتأكيد بالتكرير يرجع إلى لفظ المؤكَّد كائنًا ما كان.
التَّوْكِيدُ المَعْنَوِيُّ:
يكون بألفاظ معيَّنة، وهي:
أولًا-نفْس وعَيْن، إذا كان يراد به رفع توهم المجاز (غير الحقيقة) أو السهو والنسيان، مثل: جَاءَ المُعَلِّمُ نَفْسُهُ. فأنت بهذا رفعت توهم مجيء ما له عَلاقة بالمعلم كوكيله مثلا، وثبت لدى السامع أن الجائي هو المعلم بالذات.
ثانيًا-كُلّ وأجمع وجميع، وعامة، وكلا وكلنا، ويراد بها إقرار الشمول والعموم، تقول: جَاءَ القَوْمُ كُلُّهُمْ، أيْ أنّ المجيء شمل الجميع دون تخلف أحد.
التوكيد بنفس وعين: نفس وعين تتبعان المؤكَّد في الإعراب، فتقول: مَرَّ القَائِدُ نَفْسُهُ، رَأَيْتُ رَفِيقِي عَيْنَهُ، مَرَرْتُ بِالمُعَلِّمِ نَفْسِهِ.
ويجب أن تضافَ هذه الألفاظُ إلى ضمير عائد على المؤكَّد مطابق له كما مَرَّ، ويجوز في نفس وعين أن تدخل عليهما الباء الزائدة، مثل: جَاءَ الطَّالِبُ بِنَفْسِهِ، ونعرب نفسه اسمًا مجرورًا لفظًا مرفوعًا محلًّا على أنه توكيد للطالب.
إذا كان المؤكَّد مثنى أو مجموعا على وزن أفعُل وأضيفا إلى ضمير المؤكد، مثل: جَاءَ الوَلَدَانِ أَنْفُسُهُمَا، وَالأَوْلَادُ أَعْيُنُهُمْ حَضَرُوا.
وقد أجازوا تثنية نفس وعين تبعا للمؤكد، فتقول مَثَلًا: جَاءَ المُعَلِّمَانِ نَفْسَاهُمَا، وهذا قليل الاستعمال جدًّا.
تَوْكِيدُ الضَّمِيرِ تَوْكِيدًا مَعْنَوِيًّا بِالنَّفْسِ وَالعَيْنِ:
الضمير المستتر والبارز المرفوع، لا يؤكَّد بالنفس والعين إلّا بعد توكيده بالضمير المنفصل خشية الالتباس، فتقول: وَقَفْتُ أَنَا نَفْسِي، فلو قلت: وَقَفْتُ نَفْسِي، لَظُنَّ أنك تريد بذلك إيقاف نفسك عن أمر ما.
أمّا إذا كان الضمير منصوبًا أو مجرورًا، فلا يجب فيه ذلك، مثل: شَاهَدْتُهُ نَفْسَهُ، مَرَرْتُ بِهِ عَيْنِهِ.
التوكيد بكل وجميع وعامة:
يُؤكَّد بها الجمع مطلقًا، وهي كذلك تتبع المؤكَّد في الإعراب، ويجب أن تُضافَ إلى ضمير يعود على المؤكَّد.
ويمكن تقوية التوكيد (كل) بكلمة أخرى هي: أَجْمَع للمذكَّر، وجَمْعَاء للمؤنَّث، وأَجْمَعِين لجمع الذكور، وَجُمَعُ لجمع الإناث، تقول: نَجَحَ الصَّفُّ كُلُّهُ أَجْمَعُ، خَرَجَتِ المَدِينَةُ كُلُّهَا جَمْعَاءُ، أَقْبَلَ المُعَلِّمُونَ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، وَرَأَيْتُ النِّسَاءَ كُلُّهُنَّ جُمَعُ. وقد يؤكَّد بهذه الألفاظ دون ذكر (كل). قال تعالى: (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ).
أَجْمَعُ وَجَمْعَاءُ وجُمَعُ، ممنوعات من الصرف ولذا فإنها لم تُنَوَّنْ.
فوائدُ:
1-عامة وجميع، إن لم تضافا إلى الضمير، نصبتا على الحالية.
2-لفظ كافة، يرى بعضهم أنها من ألفاظ التوكيد، وهي في الواقع لا تستعمل إلّا بعد تمام الكلام منصوبة على الحال، فتقول: جَاءَ القَوْمُ كَافَّةً، وليست للتوكيد. و(قاطبة) مثل (كافة).
3-ضمير الرفع المنفصل، يؤكد كل ضمير متصل سواء كان في محل رفع أو نصب أو جر، فتقول مَثَلًا: أَحْسَنْتُ أَنَا، وَشَكَرْتُكَ أَنْتَ، وَاسْتَعَنْتُ بِهِ هُوَ، وفي كل هذه الأمثلة يعرب الضمير المنفصل تابعا لما قبله ويأخذ محله من الإعراب، مثل: شَكَرْتُكَ أَنْتَ، فأنت: ضمير منفصل مبني على الفتح في محل نصب توكيد للكاف في شكرتك.
4-(كلا) تؤكد المثنى المذكر، و(كلتا) تؤكد المثنى المؤنث، مثل: جَاءَ الرَّجُلَانِ كِلَاهُمَا، وَشَاهَدْتُ الرِّوَايَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا، وتعربان إعراب المثنى ملحقتين به لأنهما أضيفتا إلى الضمير.
5-لا يؤكد إلّا المعرفة، ويمكن توكيد النكرة إذا كانت محدودة وكان لفظ التوكيد غير نفس وعين، مثل:
نَلْبَث حَوْلًا كاملًا كُلَّه * لا نلتقي إلّا على منهج.
6-قد يتكرر الضمير بدلا من الاسم الظاهر، مثل: مَرَرْتُ بِخَالِدٍ بِهِ وَحْدَهَ.
7-إذا أكدت الحروف المشبهة بالفعل، كررتها مع اسمها بلفظه أو بضميره، مثل قول الشاعر:
وإنَّ امرأً دامت مَواثيقُ عهده * على مثل هذا إنه لكريم.
وقد تتكرر هذه الحروف بنفسها، ومنه قول الشاعر:
إِنَّ إِنَّ الكريمَ يحلم ما لم * يَرَ مَن قد أجاره أضيما.
ويعده بعض النحويين شاذًّا، لأنه إذا أريد توكيد الحرف الذي ليس للجواب فيجب إعادته مع ما اتصل به.
8-أكد العرب بعض الألفاظ بمرادفات لها معينة، كقولهم: هَاعٌ لَاعٌ، أي جَبَانٌ جِدًّا، وَحَسَنٌ بَسَنٌ، وَخَبِيثٌ نَبِيثٌ، وكله من قبيل السماع.
9-إذا تكررت ألفاظ التوكيد، فهي للمتبوع وليس الثاني تأكيدا للتأكيد، مثل: جَاءَ القَوْمُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، فأجمعون توكيد ثانٍ للقوم.
10- إذا أضيفت (كل) إلى مثل متبوعها، أعربت نعتًا للمتبوع لا توكيدًا، مثل: رَأَيْتُ الرَّجُلَ كُلَّ الرَّجُلِ.
11-اختلف العلماء في أمر توكيد النكرة، فقال البصريون: لا تؤكد. وقال الكوفيون: تؤكد إذا أفادت، والإفادة هنا هي أن تكون النكرة المؤكدة محدودة، مثل: غِبْتُ شَهْرًا كُلَّهُ، فشهر مدة محدودة، أو أن يكون المؤكد من ألفاظ الشمول، وهي: كل وجميع وعامة، والرأي الأخير أصح إذ إن العرب قبلته. قالت عائشة رضي الله عنها: ما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شَهْرًا كُلَّهُ إلّا رمضانَ، وقول الشاعر:
لكنه شاقه أن قيل ذا رجب * ياليت عِدَّةَ حَوْلٍ كُلِّهِ رَجَبُ.
12-كثيرًا ما تقترن الجملة المؤكِّدة بعاطف زائد، مثل: "أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى"، فالفاء حرف عطف زائد وجملة أَوْلَى الثانية توكيد للأولى تابعة لها في الإعراب.
13-جمعاء مؤنث أجمع، تجمع على جُمَع، إذا نوي تنكيرهما ينصبان حينئذ على الحالية، مثل: أَعْجَبَنِي القَصْرُ أَجْمَعَ، والدَّارُ جَمْعَاءَ.
14-لو قلت: خالدة ذهبت نفسُها، ظن السامع أنها ماتت، والصحيح أن نقول: خالدة ذهبت هي نفسها.
15-نفس وعين، عندما تؤكد بهما اسما مجموعًا، تقول: أَنْفُس وأَعْيُن، أي على وزن أَفْعُل، ولا تقول: نفوس وعيون لأنهما جمعا قلة.
16-لا يجوز في ألفاظ التوكيد القطع إلى الرفع ولا إلى النصب.
17-لا يجوز عطف بعض ألفاظ التوكيد على بعض، فلا يقال مَثَلًا: جَاءَ المُعَلِّمُ نَفْسُهُ وَعَيْنُهُ.
18-ألفاظ التوكيد مَعارفُ، ومنها ما يعرف بالإضافة إلى الضمير، أما أجمع وتوابعها فيقال في نسبة التعريف لها إنها بنية الإضافة أو بالعلمية باعتبار أنها تؤدي معنى الشمول.
19-إن وقوع (كل) فاعلا قليل في الاستعمال العربي، أمّا وقوعها مبتدأ فكثير في جميع الأحوال، مثل: "كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ"، كُلُّ ذَاتِ ذَيْلٍ تَخْتَالُ، إلخ.
عطف النّسَق:
النَّسَق، مصدَر معناه: الطريقة. وَيُقال، نسقت الكلامَ: عطفت بعضَه على بعضٍ.
عَطْفُ النَّسَقِ: هو تابع يتوسط بينه وبين متبوعه أحد حروف العطف، مثل: قَدِمَ المُعَلِّمُ وَالطَّالِبُ.
وأحرف العطف، هي: الواو، الفاء، ثُمّ، حتى، أم، أو، لا، بل، إمّا. الأحرف الأربعة الأولى، تُشرِك المعطوف مع المعطوف عليه في الحكم واللفظ. ففي المثال السابق، يشترك المعلم والطالب في القدوم. والأحرف الباقية، تُشرِك المعطوف مع المعطوف عليه لفظًا فقطْ، فتقول: أريدُ خُبْزًا لَا جُبْنًا، فإنّ الرغبة هنا ثابتة للأول منفية عن الثاني.
يُشترَط في صِحَّة العطف، أنْ يصلح المعطوف وما هو بمعناه لتسلط العامل عليه. ففي قولنا: اشْتَرَيْتُ قَلَمًا وَكِتَابًا، نستطيع أن نقول: وَاشْتَرَيْتُ كِتَابًا. وَفي قولنا: قَامَ خَالِدٌ وَأَنْتَ، لا يمكن أن يتوجهَ العامِلُ إلى لفظ "أَنْتَ"، ولكن يمكن أن يتوجه إلى ما بمعناه وهو التاء هنا. فتقول، مَثَلًا: قَامَ خَالِدٌ وَقُمْتَ.
يتبع المعطوفُ المعطوفَ عليه في الإعراب فقط.
ويجوز عطف الظاهر على الظاهر، كما جاء في الأمثلة التي سبقت. ويجوز عطف المضمَر على المضمَر، مثل: نَجَحْتُ أَنَا وَأَنْتَ. أو المضمَر على الظاهر، مثل: سَلِيمٌ وَأَنَا نَجَحْنَا. والظاهر على المضمَر، مثل: مَا جَاءَنِي إِلَّا أَنْتَ وَخَالِد. والنَّكِرَة على النكرة، مثل: رَأَيْتُ طَالِبًا وَطَالِبَةً، وبالعَكْس، مثل: جَاءَ رَجُلٌ وَخَالِدٌ، وَأَقْبَلَ يُوسُفُ وَبَائِعٌ.
يجوز عطف الفعل على الفعل، إذا كانا مُتَّحِدَيْنِ في الصيغة النوعية والزمنية، مثل: حَضَرَ وَجَلَسَ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، اعْمَلْ وَاقْتَصِدْ. كما يجوز عطف الجملة على الجملة، بشرط اتفاقهما بالخبرية أو الإنشائية، ويُستحسَن اتفاقهما في الفعلية والاسمية، نحو: العاقل مُحْسِنٌ، والجاهِل مُسِيءٌ، افْعَل الخَيْرَ، وَأرِدْهُ للناس، ويجوز اختلافهما، مثل: "يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ".
فوائدُ:
1-لا يَحْسُنُ العطف على الضمير المرفوع المتصل-بَارِزًا كَانَ أَمْ مُسْتَتِرًا-إلّا بعد توكيده بالضمير المرفوع المنفصل، مثل: قمتُ أنا وخالدٌ، أو بعد أن يَفْصِل بين المعطوف والمعطوف عليه فاصلٌ أيًّا كان، مثل: سافرتُ البارحةَ وخالدٌ، وَمَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا. أمّا الضمير المتصل المنصوب والضمير المنفصل مُطْلَقًا، فيعطف عليهما بدون هذا الشرط، مثل: رأيتُكَ وخالدًا، ما قامَ إلّا أنا وخالدٌ.
2-إذا عطف على الضمير المجرور، وجبت إعادة العامل سواء أكان حرفًا أم اسمًا ولو فصل بينهما، مثل: هَرَبْتُ مِنْهُ وَمِنْ لُؤْمِهِ. وكذلك "حَتَّى" إذا عطف بها على مجرور، مثل: أَحْسِنْ إِلَى النَّاسِ حَتَّى أَعْدَائِكَ.
3-بعض النحويين، ومنهم الفارسي، لا يعدُّون "إِمَّا" في حروف العطف. وقال الجرجاني: عَدُّهَا، أَيْ (إِمَّا) في حروف العطف، سَهْوٌ ظاهِرٌ.
4-زَعَمَ الأخفش والكوفيون، أنّ "ثُمَّ" تقع زائدةً، فلا تكون عاطفة البتة، وحملوا على ذلك قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا). جعلوا "تَابَ عَلَيْهِمْ"، هو الجواب، و"ثم" زائدة.
5-قد تأتي "أَمْ" زائدة، كقول أحد الشعراء:
ياليتَ شِعري ولا مَنْجًى من الهَرَمِ * أم هل على العيْش بعد الشيْب مِن نَدَمِ.
6- يجوز حذف الواو والفاء مع معطوفهما، إذا دَلَّ عليهما دليلٌ، كقوله تعالى: (أَن اضْرِبْ بِعَصَاكَ الحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ). أَيْ: فضربَ فانبجستْ.
7-يجوز للواو فقط أن تعطف اسْمًا على اسْمٍ لا ينفرد وحده بالعمل، مثل: اخْتَصَمَ خالد وسالِم، فإن الاختصام لا يقوم إلّا باثنيْن أو أكثرَ ولا يجوز أن يقع سواه في مثل هذا الموقع. امّا قول امرئ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل * بسقط اللوى بين الدَّخولِ فحومل، فقد أنزلت الفاء منزلة الواو.
البَدَلُ:
هو التابِع المقصود بالنسبة دون واسِطة، مثل: قَدِمَ مُعَلِّمُكَ سَالِمٌ، فسالم بدل من المعلم. وهو الذي نُسِب إليه المجيءُ، فهو إذًا يخالف النعتَ والتوكيدَ وعطفَ البيان لأنها ليست مقصودةً لذاتها، ويخالفُ العطفَ بالحرف لأنه (أي العطف) تابع بواسطة حرف العطف، فكلمة المعلم ليست هي المقصودة بالذات إنما هي توطئة وتمهيد لسالم، وهو يتبع المبدَلَ منه في إعرابه فقط.
أَقْسَامُ البَدَلِ:
البَدَلُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ:
1-بَدَلُ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ.
2-بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ.
3-بَدَلُ اشْتِمَالٍ.
4-بَدَلٌ مُبَايِنٌ.
1-بَدَلُ الكُلِّ مِنَ الكُلِّ، هو أن يكون البدل نفس المبدَل منه أو طبق معناه، مثل: سَرَّنِي أَخُوكَ خَالِدٌ، فخالد هو أخوك عينه، وكقوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)، فالصراط المستقيم، وصراط المنعَم عليهم متطابقان معنًى، لأنهما يدلان على معنًى واحدٍ.
2-بَدَلُ البَعْضِ مِنْ كُلٍّ، هو أن يكون البدلُ جزءًا من المبدَل منه، مثل: أَكَلْتُ الرَّغِيفَ ثُلُثَهُ، أَعْرَبْتُ البَيْتَ نِصْفَهُ.
وهناك نوعٌ آخَرُ من البدل يدعوه بعضُهم بدلَ التفصيل، ويُلحِقه آخَرون ببدل البعض من الكل، وهو أن تذكر شيئًا ما مثنى أو مجموعًا ثم تفصِّل ما هو ذلك المثنى أو المجموع، مثل قول الشاعر:
ثَلَاثَةٌ تُشْرِقُ الدَّنْيَا بِبَهْجَتِهَا * شَمْسُ الضُّحَى وَأَبُو إِسْحَاقَ وَالقَمَرُ.
فشمسُ بدل من كلمة ثلاثة التي هي مبتدأ، ويلحق بذلك ما كان المبدَل منه اسمًا مبهَمًا يشتمل على أنواع متعددة، كقول أبي العلاء المعري:
أَلَا فِي سَبِيلِ المَجْدِ مَا أَنَا فَاعِلُ * عَفَافٌ وَإِقْدَامٌ وَحَزْمٌ وَنَائِلُ.
فعفاف بدل من الاسم المبهم (ما).
3-بَدَلُ الاشْتِمَالِ، هو الدّالّ على معنى من المعاني التي يشتمل عليها متبوعه شريطة أَلَّا يكون جزءًا منه، نحو: نَفَعَنِي الأُسْتَاذُ عِلْمُهُ، فعلمُ من الأمور أو المعاني التي يشتمل عليها الأستاذ. ولا بد لبدل البعض من الكل وبدل الاشتمال من ضمير يربطهما بالمبدَل منه، نحو: سَرَّنِي الخَطِيبُ كَلَامُهُ، وقد يكون الضمير مقدرًا، كما في قوله تعالى: (قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الوَقُودِ)، والتقدير: النار ذات الوقود فيه، أي في الأخدود، فالنار بدل من الأخدود، وهو بدل اشتمال، لأنّ الأخدود يشتمل على النار.
4-البَدَلُ المُبَايِنُ، هو بدل الشيء ممّا يُبايِنه، فلا هو نفسه بالذات، ولا هو جزء منه ولا ممّا يشتمل عليه، إنما هو شيء مغاير له، نحو: اشْتَرَى خَالِدٌ قَلَمًا كِتَابًا، فكتابا بدل مباين من (قلما)، والمقصود هو البدل فقط وإنما غلط المتكلم فذكر القلم.
وهو ثلاثة أنواع: بَدَلُ الغَلَطِ، وَبَدَلُ النِّسْيَانِ، وَبَدَلُ الإِضْرَابِ.
1-بَدَلُ الغَلَطِ، هو إذا لم يكن المبدَل منه هو المقصود، كالمثال السابق، وهو يتعلق بغلط اللسان.
2-بَدَلُ النِّسْيَانِ، هو كبدل الغلط تماما ولكن منشأه العقل، فإذا قلت مَثَلًا: عُمُرِي ثَلَاثُونَ عَامًا ثم بدا لك بعد تفكيرأنك سهوت فتقول أربعون عامًا، وهو يتعلق بالعقل.
3-بَدَلُ الإِضْرَابِ، هو كالنوعين السابقين ولكنك لم تغلطْ ولم تسهُ كما سبق، بل أردت شيئًا ثم عدل رأيك عنه إلى غيره، فإذا قلت للطالب احضر الساعة الرابعة ثم أضربت عن الأمر بحضوره في الرابعة إلى الخامسة فأردفت بكلمة الخامسة.
والبدل المباين بأقسامه الثلاثة لا يقع في كلام البُلغاء، وإنما تستعمل "بَل" العاطفة ولا يكون هناك بدل ولا مبدَل منه، فتقول: اشْتَرَيْتُ قَلَمًا بَلْ دَفْتَرًا.
فَوَائِدُ:
1-قد يأتي بدل البعض وليس معه ضمير مذكور ولا مقدر، مثل: مَا جَاءَنِي أَحَدٌ إِلَّا عَلِيٌّ، فعلي بدل بعض من أحد.
2-إذا أبدل اسم من اسم استفهام أو اسم شرط، وجب ذكر همزة الاستفهام أو إنْ الشرطية مع البدل، مَثَلُ الأول: كَمْ كُتُبُكَ؟ أَثَلَاثُونَ أَمْ أَرْبَعُونَ؟، مَنْ جَاءَك؟ أَعَلّيٌّ أَمْ سَالِمٌ؟، مَا صَنَعْتَ أَخَيْرًا أَمْ شَرًّا، والثاني، مثل: مَنْ يَجْتَهِدْ إِنْ عَلِيٌّ وَإِنْ خَالِدٌ فَأَكْرِمْهُ، مَا تَصْنَعُ إِنْ خَيْرًا وَإِنْ شَرًّا تُجْزَ بِهِ.
3-لا يشترط تطابق البدل والمبدَل منه في التعريف والتنكير، فلك أن تبدل أيَّهما شئت من الآخَر، فتبدل المعرفة من المعرفة، مثل: جَاءَ خَالِدٌ أَخُوكَ، أو المعرفة من النكرة، مثل: الفِعْلُ قِسْمَانِ: الجامد والمشتق، النكرة من المعرفة (بشرط أن تكون النكرة موصوفة، مثل: مَرَرْتُ بِخَالِدٍ رَجُلٍ عَالِمٍ).
4-يبدل الظاهر من الظاهر كما رأيت، ولا يبدل المضمر من المضمر (ويرى بعضُهم جوازَ ذلك إذا كان في محل نصب، مثل: رَأَيْتُهُ إِيَّاهُ)، ويراه آخَرون توكيدًا وهو الأصح، ولا يبدل المضمر من الظاهر، فلا يقال: رَأَيْتُ أَخَاكَ إِيَّاهُ، ويرى ابن هشام أن هذا من وضع النحويين والواقع أنه توكيد للاسم قبله.
5-يمكن أن يبدل الظاهر من المضمر مطلقًا، خاصة إذا تضمن معنى الإحاطة والشمول، مثل: خُذُوا هَذَا لَكُمْ ثَلَاثَتِكُمْ، وَقَدْ غَمَرْتَنَا بِفَضْلِكَ كَبِيرَنَا وَصَغِيرَنَا (كبيرَ، بدل من الضمير "نا")، ومنه قول حسان بن ثابت الأنصاري:
بَلَغْنَا السَّمَاءَ مَجْدُنَا وَجُدُودُنَا * وَإِنَّا لَنَرْجُو فَوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرَا.
فأبدل مجدنا من (نا) في بلغنا، وهو بدل اشتمال.
وبعضهم يبدل الظاهر من ضمير الغائب فقط، كقوله تعالى: (وَأَسِرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)، فأبدل الذين من الواو التي هي ضمير الفاعل.
6-يبدل كل من الاسم والفعل والجملة من مثله.
فقد مر إبدال الاسم، وإبدال الفعل من الفعل، مثل:
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا * تجد حطبًا جزالًا ونارًا تأججا.
فجملة تلمم بنا، بدل من جملة تأتنا.
وتبدل الجملة من الجملة إذا اتحدتا في الاسمية أو الفعلية، مثل: (أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ، أَمَدَّكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ)، فأبدل الثانية من الأولى. و: (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ، قَالَ يَا آدَمُ)، جملة قال بدل من جملة وسوس.
7-يبدل مما يقدر حذفه من الكلام، مثل: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)، أي لا إله موجود إلّا الله، فالله بدل من الضمير المستتر في الخبر المحذوف وتقديره موجود. وَالمُقَصِّرَ عَاقِبْهُ، والتقدير عَاقِبِ المقصِّرَ عَاقِبْهُ، فجملة عاقبه بدل من الفعل المحذوف.
8-قد تبدل الجملة من المفرد وبالعكس، مثال الأول: لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَحْكُمَ عَلَى خَالِدٍ مَا مَنْزِلَتُهُ بَيْنَ الكُتَّابِ. فجملة ما منزلته بين الكتاب في محل جر بدل من خالد. ومثال الثاني: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ-كَلِمَةُ الإِخْلَاصِ-يَنْجُو قَائِلُهَا مِنَ الزَّلَلِ، وإعرابها على ما يأتي: لا إله إلّا الله جملة محكية في محل رفع مبتدأ، كلمة بدل منها، الإخلاص مضاف إليه، وجملة ينجو قائلها في محل رفع خبر المبتدأ.
9-جاء في بعض الأمثلة إبدال الكل من البعض، نحو قوله تعالى: (يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا جَنَّاتِ عَدْنٍ)، فجنات بدل من جنة، فهو بدل كل من بعض.
10- اتفق أكثر النحويين على عدم وجوب موافقة البدل لمتبوعه (في التعريف والإظهار وضدهما)، وعلى هذا الرأي الجامع نرى أنه لا وجوب للتقيد بالقيود السالفة فأنت تستطيع أن تبدل الاسم الظاهر من الظاهر، والمضمر من المضمر، والمضمر من الظاهر، والظاهر من المضمر، والمفرد من غيره والعكس. وخرج على هذا الرأي، أبو حيان وجماعة معه والكوفيون.
(المرجع، بتصرف: المرجع في اللغة العربية/ لعلي رضا. دار الفكر).