بقلم: عثمان جدو
في العرف السياسي الموريتاني غالبا ما تتلاشى الأحزاب السياسية الحاكمة بعد تحول النظام الحاكم مباشرة من شخص الرئيس السابق إلى الرئيس المنتخب؛ لتحل محل محلها أحزاب أخرى تمثل الخلفية السياسية الحقيقية أو الداعم السياسي الأهم لحاكم اليوم وليس حاكم الأمس، تروج لبرنامجه، تقدم منجزات حكومته، تسوق نظامه بالجملة والتفصيل للقواعد الشعبية التي تحتاج إلى جانب ذلك ذراعا إعلاميا مخلصا، يعطي الصورة الناصعة كما هي دون تحريف، ويظهر الاختلالات؛ إظهار الناصح المؤمل إيجابا، بعيدا عن الاستغلال لغرض الكشف والتعرية والإضعاف والتشويه.
ظلت الحالة هذه سائدة في حياة الأحزاب السياسية التي حكَمت أو حُكِمت بها البلاد، بل تعداها ذلك ليصل أحزاب المعارضة، فكم من أحزاب مُعارضِة تلاشت أو تفككت أو ذهب بريقها؛ بتبديل أو عجز رئيسها؟.
نعيش هذه الأيام وضعية صعبة ونحن نتفرج على صراع الأجنحة داخل حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، كل يقدم مرجعيته، ويسوق لموقفه، وطبعا لن يعدم أي من الطرفين النصير من المرجعيتين، أو من ينوبهما في الميول والطرح والتمسك.
إن المشهد المتشابك يزداد تعقيدا كلما ارتفعت وتيرة التمسك بالمرجعية المزعومة، ترى هل المرجعية الحزبية وقفية على الأشخاص أم أنها فكر وسياسة وتسطير وتنظيم ؟.
أعتقد أن الأشياء المربوطة بالأشخاص دون غيرهم من الجوامع ضعيفة البنية متآكلة النسيج، وذاك هو عين الخراب الذي أوتيت منه الأحزاب السياسية عندنا في الماضي، وستندرس بسببه في المستقبل المنظور كل الأحزاب التي لا تأخذ منه الحيطة والاعتبار.
دعونا نعود قليلا إلى النقاش الدائر بين قطبي الصراع، هناك تياران أو اتجاهان، أحدهما يدعو لأن تكون مرجعية هذا الحزب الرئيس الحالي، ولذلك أحقيته المتكئة على تحول موقع السلطة وما سطره التاريخ في العرف السياسي الموريتاني، أما التيار أو الاتجاه الثاني فهو يعتمد على تقديم رئيسه السابق، وفي الأمر غرابة؛ أقل ما يُقال عنها أنها سابقة سياسية، يمكن تفسيرها أو قراءتها من جهتين: - الأولى: أن المتمسكين بالرئيس السابق لم يبتعد تأثيره عن أذهانهم، بل ما زالوا يرون فيه الرئيس الحقيقي، حتى بعد أن ترك الكرسي وهاجر.
-الثانية: أن هذا الرئيس المنتخب لم تقنعهم رئاسته لحد الساعة، وهم واثقون من إرغامه على ترك السلطة ولو بعد حين!، تلك السلطة التي لم يلبس من منظور هؤلاء لبوسها حتى يدينوا له بالولاء ويصطفوا خلفه!، وفي هذا ما فيه من خطورة وتأزيم، خاصة عند عودة الرئيس السابق والتفاف هؤلاء حوله، وما سيكون لذلك من تشويش على حياة الناس العامة وعلى طبيعة عمل مؤسسات الدولة التي تتأثر عندنا كثيرا بكل ماله صبغة سياسية خفّت أو اشتدت.
إن على الرئيس المنتخب أن يوجِد بديلا سياسيا حقيقيا لهذا الحزب الذي انتسب له في آخر انتساب مليون شخص وهماً وتزويرا دون أبسط مقومات القناعة، وهي الحقيقة التي عرَّتها الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي نجح فيها الرئيس المنتخب بكل أريحية دون أن يصل إلى نصف المليون المعلن! وهو الذي ساندته والتفت حوله إضافة إلى الحزب المذكور قوى حية قادمة من أحزاب معارضة وأخرى من الشعبية النائمة التي آثرت في الماضي مقاطعة كل الانتخابات السابقة.
صحيح أن الرئيس جامع لكل الطيف السياسي وأب للجميع، لكن الحزب الحاكم أو الحزب الممثل بعدد أكبر في البرلمان أو الحزب الذي يمثل خلفية الرئيس هو بيته السياسي قبل غيره، وعلى الرئيس المنتخب كما بدأ يعيد ترتيب بيته الإعلامي أن يعيد ترتيب بيته السياسي سريعا وعليه أن يزيح كل الرؤوس التي لا يزول الشك داخلها قبل إزالتها.