حكومة ولد حدمين والتحديات الكبرى / الولي ولد سيدي هيبه

رسالة الخطأ

Deprecated function: preg_match(): Passing null to parameter #2 ($subject) of type string is deprecated in rename_admin_paths_url_outbound_alter() (line 82 of /home/amicinf1/public_html/sites/all/modules/rename_admin_paths/rename_admin_paths.module).
اثنين, 2014-08-25 17:54

يعتبر الأمن و الاستقرار الركيزتين الأساسيتين في تقدير أي وضع سياسي و اجتماعي و اقتصادي لكل  بلد.          
 و لأن هذه الحقيقة مجال إجماع فلا بأس في تقدير ما إذا كان هذا الأمر ينطبق على موريتانيا و هي تعيش في المرحلة الراهنة تحولات عميقة في البنية الأساسية و معطى الحاضر و تشعب و تعقيد قياسات الاستشراف في ضوء غياب وسائله و آلياته.                                                                                                                     
و لكن لا بأس قبل ذلك من استعراض و لو بشكل ملخص و سريع لأهم المحطات التي مرت بها البلاد منذ استقلالها قبل أزيد من خمسة عقود حتى نستند فيما نقوم به من استنتاجات على تسلسل الأحداث الجسام و ما تمخضت عنه من وقائع و حوادث أرخت لدوافع الاستمرار في دائرة ما ظل يشحن المعطيات التاريخية و التحولات السياسية و الاجتماعية من تناقضات و تجاذبات و خلافات و شقاقات لبست كلها أثواب تحدي الوحدة و اللحمة و السلم الأهلي وإن بدرجات متفاوتة الحدة والمبتغى و أججت نار الدعايات القومية الضيقة و المطالبات الحقوقية الحادة.                                                                                
و لقد ارتكبت أول دولة مدنية برئاسة الراحل الأستاذ المختار ولد داداه خطأ فادحا عندما أقدمت على حرب الصحراء المدمرة في ظروف طبعها:
·        ضعف الإمكانات العسكرية آنذاك و الرؤى الإستراتيجية السياسية،
·        و جفاف قاسي عم ربوع البلاد و أمتد على ما قارب العقدين الكاملين من الزمن، ليترك بصمته على ما جرى لاحقا من انقلاب قواعد لعبة المجتمع التي استعصت حتى على ما كان من الطيب في نوايا الاستعمار.                                                                            
و هي الظرفية الاستثنائية التي تمخضت عن انعكاسات اجتماعية حادة تجلت أساسا في وجهين بارزين:
·        أولاهما هجرة عارمة من الريف الإقطاعي إلى المدينة المنفتحة على اعتبارات المطالبة بالحقوق و السعي إلى الانعتاق.
·        و ثانيهما ما أفصحت عنه الحرب الضروس من شروخ غائرة في النسيج الإثني حيث اعتبرت شريحة الزنوج أنه تم الزج بها في حرب لا تعنيها.
ولما أن غاب عن الرؤية السياسية الضعيفة اصلا والغائبة مطلقا خلال مسار البلد تحت ظل حكم العسكر في حلقة الانقلابات العسكرية التي توالت مفرغة من كل عقلانية قيام الدولة السياسية و الاجتماعية والأمنية والاقتصادية. فإن مسيرة الدولة ظلت متعثرة وخارجة على السرب الأممي عامة وفي العالمين العربي والقاري خاصة.
وقد تجلت هذه الحقيقة المرة في ضعف مؤسسات البلد السياسية والهيكلية والبنيوية، حتى باتت مضرب المثل في التناقض بين فقرها الملحوظ وغناها المشهور بالمعادن النفيسة وشطآنها الغنية بالأسماك والبترول والغاز وأراضيها الصالحة للزراعة على ضفة نهر معطاء ووديان نخيلها الصالحة للزراعة تحت النخيل وثروتها الحيوانية الأكبر والأكثر تنوعا في شبه منطقتها المغاربية ومنطقة غرب افريقيا.
حقيقة مرة كذلك بما ظل قائما من العجز عن سد الباب أمام الدعوات الاثنية و التمردات الطبقية في عجز بين عن استخدام قاسم المعتقد المشترك في المعتقد والمذهب لإرساء دعائم وحدة وطنية لا تستجيب لخطاب التفرقة بأي منطق ولون كان.
ولو لم يكن قاسم المعتقد المشترك قويا بما تمليه روح الإسلام وتحث عليه، لما كانت الأوضاع رافضة للتفكك الذي وجد كل أسباب وقوعه.
واليوم وقد خاضت البلاد على الرغم من كل ذلك تجارب سياسية وديمقراطية على علاتها ونواقصها إلا أنها ساهمت في تجاوز أزمات حقيقية وخلق وعي مهما قيل عن ضعفه إلا أنه مد النفس السياسي بجرعات من المنطقية ذللت صعابا وفتحت نوافذ من الأمل في جدار "الماضوية" المزمنة بكل أبعادها وتمنعها على مسايرة العصر بكل تجليات الحرية فيه والعدالة وقيم البناء المفتوح على آفاق تصل بالإنسان إلى الشعور بالتوازن، والحضور في عملية البناء المشتركة.
ولقد كانت الفترة المنصرمة شاهدا قويا على مساجلات سياسية على حدتها حيث شغلت السياسيين و أفرزت أنماطا من المساجلات غذت المعطى السياسي وشغلت الإعلام المحلي والدولي حتى باتت موريتانيا من أكثر الدول الإفريقية ورودا على السنة خبراء القارة وفي أوروبا سياسيا وإعلاميا مثمنين ومنتقدين لهذه الحيوية السياسية التي كسرت جمود حكم البلد في دائرة الصمت الذي تخلقه على العادة محاصرة الشأن السياسي وتكميم الإعلام وسد منافذ الإخبار عن حقيقة البلد .
ولا يعني هذا أن قضايا الوطن الكبرى وجدت الحلول الملائمة وأن جوا من الرضا العام قد اكتسح مساحة المطالبات، وإنما فقط من باب القول بأن الأجواء العامة أضحت أكثر ملائمة للنظر بعمق إلى كل هذه القضايا الشائكة التي تتطلب حلولا جريئة في أسرع الآجال حتى تنظف الطريق إلى دولة القانون من أشواك وعثرات  كل الخلافات.
هاهنا يكمن التحدي أمام حكومة ولد حدمين الذي تكشف سيرته الذاتية عن أبعاد تلائم المرحلة وتبشر لو استغلت برسم آفاق واعدة من الاستقرار وإشاعة العدالة الاجتماعية و اضطلاع دولة القانون بكل الأدوار المنوط بها تأديتها.