قضت محكمة الخرطوم الخاصة على الرئيس السابق عمر البشير بالسجن عامين على أن يوضع في “الإصلاحية” بدلا عن السجن. وبرر قاضي المحكمة الصادق عبد الرحمن قراره هذا لتجاوز سن المتهم 70 عاما حيث يمنع القانون السوداني سجن من بلغ السبعين، على الرغم من أن القاضي أدانه بالكامل في تهمتي الإتجار بالعملة الأجنبية والثراء الحرام، فيما اعترض رئيس هيئة الدفاع احمد ابراهيم الطاهر على الحكم واتجه للطعن فيه لدى محكمة الاستئناف وصولا للمحكمة الدستورية، في وقت تجمهر نحو 3000 من أنصار البشير في وسط الخرطوم قبالة القصر الجمهوري فيما سموه بالزحف الأخضر مرددين شعارات إسلامية اعتراضا على ما سموه سيطرة اليسار والعلمانيين للحكم داعين رئيس الوزراء عبد الله حمدوك للاستقالة.
وفي قاعة المحكمة التي اقتصر حضورها على هيئة الدفاع من المحامين وغاب عنها أفراد أسرة البشير الذين حضورا في السابق، ما عدا شقيقيه محمد الحسن وعلي البشير، فند القاضي مولانا الصادق في قرار حكمه الدفوعات التي قدمها محامو الدفاع في المرافعة الختامية وقال بجهة وجود حصانة للبشير تمنع محاكمته إن هذا الدفع مرفوض لأن البلاغ الجنائي فتح في مواجهته بعد إخراجه من الحكم يوم 11 نيسان/ابريل وبذلك سقطت عنه الحصانة لأن وقت نظر الدعوى محل الاتهام كان البشير لا يحمل صفة رئيس الجمهورية.
وثبت القاضي تهمة الإتجار بالنقد الأجنبي التي دفعت بها هيئة الاتهام نسبة لوجود مبلغ 260 ألف دولار إلى جانب مبلغ 5 مليون جنيه سوداني في حين ان المتهم البشير أقر بأن المبلغ الكلي عند استلامه كان بـ(اليورو) ما عده دلالة على الإتجار. كما استند القاضي في حكمه على أقوال البشير نفسه أمامه عندما قال حسب القاضي “طارق سر الختم كان يأتيني بأموال من العملة المحلية ويستلم مقابلها أموالا بالدولار”.
كما أدان القاضي البشير في قراره لاستلامه أموالا خارج الإطار القانوني وهي المتمثلة في جملة المبلغ 25 مليون يورو كانت مقدمة من الأمير السعودي محمد بن سلمان، واعتبر القاضي استلام هذا المبلغ بدون الإجراءات القانونية من وزارة المالية أو بنك السودان يعد استلام مال مشبوه مستندا في ذلك لأقوال البشير الذي قال حسب القاضي عند سماع إفادته في الجلسات السابقة “إن هذا المال كان هدية لي شخصيا وكان بإمكاني حفظه في المنزل وفضلت تسيير أمور الدولة به”.
سوابق قضائية
وفي الختام تلى القاضي قراره بإدانة البشير بعد استعراضه سوابق قضائية سودانية ومقولات من التراث الإسلامي واللغة العربية في تفسير الألفاظ وعدد من المواد الجنائية. وعند لحظة نطقه بالحكم استدعى حادثة إعدام الشاب مجدي محمد احمد بتهمة الإتجار بالعملة بدايات حكم البشير ما قاد لأن يتصاعد الهتاف من قبل أنصار البشير وهيئة الدفاع متهمين المحكمة بالتسييس ما قاد لطردهم من المحكمة، ليتلو القاضي بعدها حكمه بالسجن لمدة عامين على أن يوضع البشير في الإصلاحية المجتمعية التي تتبع للسجن والخاصة بكبار السن وعلل عدم لجوئه لتغريب البشير (نفيه) إلى أن المتهم كان يحكم كل السودان لذا لا يوجد مكان ينفى له حسب القانون الذي يضع التغريب كعقوبة بدل السجن لكبار السن، ورافضا إيكال أمره لذويه لرعايته حسب القانون بانه لا يضمن تصرفهم حياله مفضلا سجنه في الإصلاحية لمدة عامين على أن يتم تسليمه لإدارة السجن العمومي لمواصلة الانتظار بجهة البلاغ الآخر المقدم في مواجهته والخاص بتقويض النظام الدستوري أو ما يعرف بقضية “انقلاب 89” الذي قام به البشير ضد حكومة الصادق المهدي المنتخبة.
وقال رئيس هيئة الدفاع مولانا احمد ابراهيم الطاهر رئيس البرلمان السابق في حديث خاص لـ”القدس العربي” إن “المبلغ صحيح أتى من السعودية لكنه صرف على مرافق الدولة ولم يستفد منه البشير شخصيا ما ينفي مبدأ القصد الجنائي والثراء الحرام. ولم يثبت أن البشير يريد أن يثرى من هذا المبلغ لكن القاضي لوى عنق الحقيقة ولدينا فرص للاستئناف في المحكمة العليا وحتى المحكمة الدستورية وما زالت ثقتنا في القضاء متوفرة وأنه ما زال بخير ونثق في مراجعتهم هذا الحكم وان خروجنا من المحكمة كان لإشارة القاضي لدوافع سياسية مثل اعدام مجدي محمد احمد أول سنين الانقاذ”.
الحكم مناسب جدا
بينما قال المحامي المعروف معز حضره لـ”القدس العربي”: “إن الحكم في مجمله صحيح والقاضي اجتهد وتعامل بشكل قانوني، وقدم مرافعة قانونية أكثر من ممتازة، وعلى العكس كان أداء الدفاع عن البشير سيئا وهتافهم داخل القاعة وهم محامون كان يمكن اعتباره إهانة للمحكمة” وقال “الحكم سنتين كان مناسبا جدا ويجب أن يعلم الناس إنها قضية متعلقة بحيازة نقد أجنبي فقط وثراء غير مشروع والحكم أتى وفق القانون ولكن الشعب كان يريد حكما أكثر من ذلك ولكن القضايا سوف تأتي وسيأخذ أحكاما أكبر لكن في هذه القضية الحكم مناسب جدا”.
وأوضح حضره الذي يباشر إجراءات اتهام البشير في قضية تقويض النظام الدستوري عام 89 أنهم طلبوا من القاضي إعادته للنيابة لمواصلة الإجراءات بجهة تقويض النظام الدستوري وقال “هو الآن خرج من ولاية القاضي وصار تحت ولاية النيابة وسيكون البشير في كوبر إلى ان تنتهي محاكمته في بلاغ الانقلاب والدعاوى الجنائية الأخرى وما زالت التحريات جارية وتم سماع عدد من الشهود والمتهمين وما زال هناك متهمون سيتم القبض عليهم ونتوقع بعد انتهاء التحريات أن يحال البلاغ إلى المحكمة”.
وثمن حضره مجهودات النيابة في التحري والقبض على المتهمين بانقلاب 89 معتبرا انها تعمل صباح ومساء لإكمال التحريات توطئة لتقديم البشير ورموز نظامه للقاضي المختص في أقرب فرصة. وعن مستقبل أيام البشير قال حضره “البشير بعد هذا الحكم يفترض يكون في كوبر في انتظار البلاغات الأخرى ولن يحال إلى الإصلاحية حاليا لأنه ما زال متهما محبوسا منتظرا بلغة القانون لوجود دعاوى أخرى في مواجهته وسيظل في سجن كوبر وبعد أن نفرغ من محاكمته سينظر القضاء في العقوبات التي صدرت ضده ربما تصدر عقوبات بالإعدام ولا يكون هناك مجال لتطبيق الإيداع في الإصلاحية”.
وكان نحو 3000 من أنصار البشير تجمهروا في المساحة المقابلة للقصر الجمهوري وهم يتفون بهتافات إسلامية وشنوا هجوما على حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك رافضين سيطرة اليسار من الشيوعيين والعلمانيين على مقاليد الدولة متوعدينها بالإسقاط وإعادة الحكم للجماعة الإسلامية، في وقت شكل فيه رموز النظام السابق حضورا بارزا في المسيرة الجماهيرية حيث شوهد نائب الرئيس السابق د. الحاج ادم يوسف ووزير الارشاد السابق د.عصام احمد البشير وعدد من رموز التيار الإسلامي مثل الدكتورة سعاد الفاتح البدوي والكاتب اسحق احمد فضل الله في ما شكل رموز النظام السابق من التنفيذيين والولاة غيابا واضحا.
وكانت القوات المسلحة السودانية والشرطة قامت بإغلاق كل الطرق المؤدية للقصر الجمهوري من الصباح الباكر كما وضعت المتاريس في الطرق المؤدية للقيادة العامة للجيش ووزارة الدفاع فيما انسابت حركة المرور بهدوء بعكس ما كان يتوقع السودانيون.