كما كان منتظراً، لم يخرج قادة دول الساحل عن أجندة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حيث أصدروا معه في ختام قمة «بو» جنوب غرب فرنسا، بياناً يؤكد اتفاق حكوماتهم مع الحكومة الفرنسية على وحدة الجهود وعلى توثيق التعاون العسكري في مواجهة العنف المسلح المشتعل بقوة في المنطقة.
وأظهر البيان، الذي صدر عن القمة الفرنسية الساحلية، تصميماً مشتركاً على مواجهة الجهاد المسلح الذي ينخز منطقة الساحل ويقتلع أسس الأمن والاستقرار فيها.
وكان الرئيس الفرنسي قد دعا، بصوت صارخ مستهل ديسمبر/كانون الأول الماضي، رؤساء منطقة الساحل إلى «توضيح موقفهم من التدخل العسكري الفرنسي في الساحل»، وذلك في ظل حملة تدوين وتصريحات وتظاهرات في مالي وبوركينافاسو، مضادة لهذا التدخل.
وحرص الرئيس الفرنسي وضيوفه قادة دول الساحل على تبديد سوء التفاهم الذي بدأ الفرنسيون يستشعرونه في ظل استفحال الأصوات المضادة لتدخلات القوة الاستعمارية السابقة. وفي مدينة بو جنوب غرب فرنسا، عقد الرئيس ماكرون جلسة مغلقة مع رؤساء دول الساحل وسعت لاحقاً لوزراء الدفاع والخارجية ثم لقادة الأركان ولرؤساء دوائر الاستخبارات.
وخلال المؤتمر الصحافي الذي ختمت به القمة، أعلن رؤساء دول الساحل «عن رغبتهم في متابعة التدخل العسكري الفرنسي في الساحل»، مؤكدين في ذات الوقت «على ضرورة إسناد هذا التدخل بتدخل دولي أوسع».
وأكد ماكرون ونظيره البوركينابي، روش كابوري، الرئيس الدوري لمجموعة الساحل، على ضرورة «أن تظهر نتائج هذا التنسيق سريعاً وأن تنعكس عاجلاً على الوضع الأمني في المنطقة الساحلية».
وشدد الرئيسان التأكيد على النتائج مضيفين: «ليس عند بلداننا أي خيار».
وأعلن قادة الساحل وحلفاؤهم الفرنسيون عن تكوين إطار سياسي واستراتيجي وعملي جديد موجه لمحاربة المجموعات الجهادية المسلحة التي يتواصل تمدد تأثيرها ونفوذها.
ويتأسس الإطار الجديد على إنشاء «التحالف من أجل الساحل» الذي يضم فرنسا ودول مجموعة الساحل الخمس وكذا جميع الدول والمنظمات الراغبة في الانضمام والمساهمة، لكن القمة الفرنسية الساحلية لم تحدد طبيعة المنضمين للتحالف. وسيكون التحالف المعلن عنه تحت إمرة مشتركة لقوة «برخان» الفرنسية، والقوة العسكرية المشتركة لمجموعة الساحل بحيث يتركز وجوده وعملياته العسكرية على منطقة الحدود الثلاث الواقعة الجامعة لمالي وبوركينافاسو والنيجر والتي شهدت كثافة لعمليات الهجوم المسلح خلال الأشهر الأخيرة.
وفيما يتعلق بكتيبة القوات الأوروبية الخاصة المسماة «تاكوبا» فإنها ستعمل تحت قيادة التحالف من أجل الساحل المؤسس للتو.
وحددت قمة بو بين فرنسا ودول الساحل عدواً أساسياً للتحالف الدولي هو «الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى» التابعة لداعش. ولدعم التحالف الجديد، أعلن الرئيس الفرنسي عن نشر 220 جندياً إضافياً ضمن قوة برخان المرابطة شمال مالي.
وإضافة للأهداف العسكرية المعلنة، فستكون للتحالف الدولي في الساحل أهداف سياسية تشمل تمكين دول الساحل وإداراتها من الانتشار الآمن في عموم الإقليم. وبينما أعلنت الولايات المتحدة، الأحد الماضي، عن عزمها تخفيض وجوده العسكري في إفريقيا، أعلن قادة دول الساحل عن تقديرهم الكبير للدعم العسكري الأمريكي وأعلنوا عن مطالبتهم بمواصلته واستمراره.
وأكد قادة دول الساحل على قضية إنهاء الأزمة في ليبيا لكونها أساسية حسب آرائهم، في قطع دابر الإرهاب وإرساء الاستقرار في الساحل. وحدد الرؤساء موعداً آخر مارس/آذار المقبل للقاء على هامش قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل لاستعراض نتائج التنسيق على أن يلتقوا في يونيو/ حزيران المقبل في نواكشوط، بمبادرة من موريتانيا التي ستتولى ذلك التاريخ الرئاسة الدورية لمجموعة دول الساحل.
ومع أن قمة بو قد شهدت إظهاراً لاتفاق فرنسي مع قادة الساحل، فإن الفرنسيين سيبقون قلقين خوفاً من ازدياد الضغوط الشعبية المناهضة لوجودهم العسكري في الساحل. وقد أكد هذا التخوف مصدر في الإليزيه بقوله: «كل الخيارات تبقى مطروحة على الطاولة بما فيها تخفيض وجودنا العسكري في الساحل، ويظل الأمر كله مرهوناً بالنتائج العسكرية المحققة في الميدان، وبمدى وفاء شركائنا في الساحل بالتزاماتهم لنا».