بقلم: محمد ولد محمد محمود
سؤال يتردد على ألسنة العديد من الموريتانيين بعد أن شاهدوا فضاء الكعبة المشرفة خاليا من الطائفين والمسجد النبوي بلا معتكفين، وبعد أن علموا بغلق مساجد مصر بما فيها الأزهر الشريف، ناهيك عن جوامع الكويت والعراق والجزائر، والمغرب الأقصى، الذي وصلتنا عبره معظم المعارف العربية الإسلامية، بشهادة سندات القرآن والحديث والفقه، التي توجت دراسات أسلافنا، وتزخر بها مكتباتنا في شنقيط و ولاته و وادان وتشيت، وعديد المكتبات الأهلية الأخرى.
فالإجراءات الإستباقية التي اتخذتها الدولة في وقت مبكر نسبيا، تركت انطباعا إيجابيا لدى المواطنين، وولدت شعورا متزايدا بقرب الدولة من رعاياها؛ مما سهل على الموريتانيين استساغة قرارات الحكومة القاضية بغلق المنافذ البرية والبحرية والنهرية والجوية مع الخارج، وفرض حظر التجول في البلاد، ومنع التجمهر مهما كانت أسبابه، ووقف أصحاب المطاعم والمقاهي عن مواصلة أنشطتهم، وتعطيل الدراسة في جميع المدارس والجامعات والمحاظر، وعزل الوافدين من بؤر المرض، إن لم يكن بعضهم دخل البلاد خلسة. وها هي السلطات المختصة تحد من عدد الركاب في وسائل النقل العمومي.
إذا كانت كل هذه الإجراءات قد اتخذت بداعي دفع الضرر المترتب على انتقال المرض بين المسلمين، بل بين الجنس البشري عامة؛ وإذا كان الجميع قد توصل إلى قناعة راسخة بان هذا الوباء ينتقل بين الناس عن طريق اللمس او استنشاق رذاذ المريض؛ وإذا كان أسلافنا قد تعاملوا مع الأوبئة الخطيرة كالطاعون مثلا، بالعزل التام للمريض والاحتراز الشديد من ملامسة جنازته؛ فلماذا لا يصدر علماؤنا فتوى صريحة وجازمة في هذا الموضوع، على غرار ما صدر عن علماء الأمة الإسلامية في البلدان المذكورة، وقد دهاهم الخطب وراعم فعل الآفة في البشر؟
ولماذا لا تتخذ السلطة قرارا صارما بهذا الشأن، وهي المؤتمنة على صحة الناس والمتابعة لتطور الوباء وتعامل الآخرين معه ؟ إذا كان بعض علمائنا الأجلاء قد أفتوا بجواز التخلف عن الجمعة، فما المانع من تعميم الفتوى على الصلوات الخمس الأخرى، ما دام السبب واحدا وهو الاختلاط والخوف من العدوى ؟ لقد أفتى الشيخ عمر الفتح في هذا الموضوع، ولم نطلع في الأيام الماضية على رأي صريح يخالفه، فلما ذا لا يؤخذ به رسميا ويؤسس عليه قرار إلزامي من السلطة العمومية ؟
قد يستكثر بعض القراء علي - ولهم العذر في ذلك - إثارة هذا الموضوع، لأنني لست مؤهلا علميا ولا مكلفا رسميا بالخوض في أمر كهذا.
لكن خصوصية الظرف وطريقة انتقال هذا الوباء، وفهمي المتواضع لحفظ الكليات وللمعلوم من الدين ضرورة، يجعلني أنبه إلى هذا الأمر من باب التذكير وربما الخوف المشروع. ثم إن وجاهة هذه الأسئلة تجعل طرحها مشروعا - في نظري - في الوقت الحاضر من أي شخص مهما كان مستواه وأيا كان موقعه.
فالعلماء - بدون مناكفة - هم وحدهم المؤهلون للفتوى في أمر شرعي، وخطير كهذا.
ومن المؤكد كذلك أن لا أحد - في هذا الظرف - يمكنه المزايدة على الدولة وقد تحركت في الاتجاه الصحيح وفي الوقت المناسب وبالوسائل المتاحة؛ وأعتقد أن الفتوى أو الفتاوي ستصدر وأن القرار سيتخذ، لكنني أخشى أن يأتي متأخرا ؟
ليست لدينا أية خشية على مستقبل المساجد ودورها القادم بإذن الله تعالى، بعد أن تتجاوز البشرية محنتها الحالية. ستظل المساجد بيوتا مرفوعة، يذكر فيها اسم الله، ويسبح فيها بالغدو والآصال. وهذا ما سبقنا إلى فهمه وزير التوجيه الإسلامي حين ألزم أئمة المساجد ببث تلاوة القرآن بنية رفع البلاء.
كما أن بعض الدول الإسلامية الشقيقة حرصت على انتظام رفع الأذان في في المساجد أوقات الصلاة مع الدعوة لتأديتها في البيوت.
ولا بأس عند بعضهم في الفصل بين الختمات القرآنية بمقاطع توعوية وتحسيسية، يؤديها الأطباء والفقهاء لتعم الفائدة وتصل الرسالة إلى جميع الأحياء المجاورة للمسجد. فالدين النصيحة. اللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين وسائر بلدان العالم من هذا الوباء الماحق.