بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن
منذو أن وصل الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لدفة الحكم، وهو يحاول بمهارة وذكاء، إصلاح ما أمكن من وضعية البلد، وحتى قطاع الصحافة عموما والصحافة المستقلة بوجه خاص، دخل في حيز إصلاحها، على طريقته الخاصة، فأقدم على تعيين عدة شخصيات مرموقة من القطاع على رأس مؤسسات ووظائف مهمة، مرتبطة بالإعلام، غير أن تلك التعيينات رغم اتسامها بالتميز من حيث أنها سابقة، بالمقارنة مع تعامل الأنظمة المتعاقبة مع ملف الصحافة الخاصة، رغم تأييدنا لها جملة، لم تخلو من بصمات الضغط على الجهات المعنية بالتعيين، تبعا لمنهج المجتمع الموريتاني التقليدي في الضغط على الرؤساء المتعاقبين، بمختلف الأساليب، سواء تعلق الأمر بشبكات العلاقات العائلية الخاصة أو الجهوية أو العامة بالمعنى الأوسع.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، اتسمت كل التعيينات في قطاع الصحافة المستقلة كما أوردت في مقالات سابقة بالأسماء، باقتصارها على جهة الرئيس الحالي والصحفيين المنحدرين من ولاية الوزير الأول الحالي (على غرار تونكاد ألا بين اثنين يساوي بالتجربة الراهنة تعيين بعض صحافة الشرق الموريتاني المحسوبة جهويا على النظام الراهن وبعض صحفيي اترارزة)، كما أن الزميل محمد محمود ولد أبو المعالي، وهو ذو خبرة ودماثة أخلاق عالية لم يخلو تعيينه من التمييز السلبي والمحسوبية الواضحة.
وقد عمل هذا الصحفي سنوات عديدة مديدة، مع خال حرم الرئيس الحالي الزميل شيخنه ولد النني ولد مولاي الزين السفير الحالي في السينغال الشقيقة، عجل الله شفاءه وفرجه وأدخله في حصن حفظه ورعايته.
والتعيينات عموما منذو أن وصل السيد الرئيس إلى كرسي الحكم يبدو أن بعضها تحت ضغط المجتمعات الخاصة كان استعجاليا ووجيها من منظور بشري عاطفي بحت، فالسلاطين والحكام عبر تاريخ البشرية إلى اليوم لم يستطيعوا التملص التام من تأثير المحيط الخاص والمتغلبين من الناس، سواء كانوا عسكرا أو تجارا أو رقاة من الرقيا و"لحجاب" عندنا محليا، أو غير ذلك من أوجه التأثير، وأنا لا أحمل رئيسنا الحالي ما قد لا يستطيع تحمله، من التنكر لعلاقاته الخاصة وأصدقائه، ومن يختار، ثقة للتكليف والزلفى، لكن فليكن في علمنا جميعا، كل من موقعه الوظيفي التكليفي، أو ما يتعلق عموما بالشأن العام، أن الدولة ليست ملكا خصوصيا، وإن لم يتمكن البعض من الإفلات مطلقا، من الضغوط القاهرة الموضوعية المبررة، بمنطق ما قد يكون مقنعا على رأي البعض وقد لا يكون مقنعا، عندي أو غيري.
أقول لزم التنبيه فعلا للبعد العمومي في مجال تسيير الدولة والشأن العام، وإن كان ثمة تجاوزات في حيز التناغم مع العلاقات الخاصة، إلا أن تلك التجاوزات ينبغي أن تبقى في حيز ضيق، لا يشوب الطابع العمومي المفترض نظريا، والذي يصعب بصراحة تطبيقه تطبيقا كليا شاملا عمليا!.
واللافت في هذا الصدد أن عرقا معينا من المجتمع، يمثل نسبة معتبرة منه، أي المجتمع، وكذلك شريحة معروفة، تمثل البيظان السمر، وكذلك أربع ولايات في الشمال (إنشيري، آدرار، تيرس زمور وداخلت نواذيبو)، كل هذه الجهات يعتبر تعيينها وإشراكها في قطاع الصحافة المستقلة غير استعجالي ربما حسب سياق التعيينات السابقة، بينما يعتبر تعيين الخاصة، تحت ضغط مبرر أو غير مبرر استعجاليا بحق.
وفي هذا الصدد أيضا عين الإطار والوزير الفاضل المحترم، الرئيس السابق للهابا حمود ولد امحمد على رأس شركة جديدة (شركة المعادن)، المعنية بالدرجة الأولى بالتنقيب الأهلي عن الذهب وغيره من المعادن. ولا يفوتنا في هذا السياق أيضا علاقاته الوثيقة بالقصر، فحرمه بنت مولاي الزين، من أخوال حرم السيدة الرئيسة، كما عين سابقا ولد الذهبي ولد مولاي الزين، رغم أهمية ذلك وخبرته المعروفة في الميدان، على رأس وزارة المالية، وقد أثار حتى الآن في مجال تسيير "كورونا" حفيظة الرئيس حيث دعا، جزاه الله خيرا، للتحقيق في سبع مليارات التي تحدث وزيرنا الموقر محمد الأمين ولد الذهبي عن إلتهامها في فترة قياسية، كما عين سابقا، صهر السيد الرئيس وزوج شقيقته، على رأس صندوق الادخار والتنمية (cdd).
السيد الرئيس لا تنسوا أهل الشمال، فأجدادكم كانوا هناك في قلعة أوجفت العريقة الوفية، والواحات في حضن بعض أهالينا (أسرة أهل عمار) تحت رعايتنا، و"الكيطنه" في غاية الأهمية، كما أن أهل الشمال عموما، إجتماعيا وسياسيا وتاريخيا، معنيون بقضية التجاذب ومخاطر دعوات الانفصال، لا قدر الله.
فبعضهم كان من مؤسسي جبهة البوليزاريو المثيرة للجدل، والمطالبة باستقلال الصحراء الغربية، وبعض أطرهم، مثل الدي ولد سيدي باب ومحمد السالك ولد برو وماء العينين ولد النور ولد أحمد ومحمد ولد عبد القادر ولد العتيق، وغيرهم من أهل الكبله، مثل الرمز ولد عمير رحمه الله ورئيس ومؤسس حركة "النهضة" أحمدو ولد حرمه ولد بابانا، رحمه الله، ومن مختلف مشارب البلد، قد اختاروا يوما انضمام موريتانيا الوليدة يومها، للشقيقة المغرب، بحكم الروابط النسبية والمصلحية، مع العرش المغربي.
فنحن "اسماسيد" أدارسة شرفاء، في أصلنا وفصلنا ووصلنا، والحنين للأخوال في "اسماره" بالصحراء الغربية، قد لا يفارقني شخصيا، بحكم أن جدتي لأم (من قبيلة "واعربات" العربية الأصيلة القليلة العدد والنوعية، والكرام قليل).
إذا، ورغم هذا كله، فنحن وإياهم وغيرنا، من تيار النهضة وبعض أنصار الجبهة، ننتمي إلى موريتانيا أولا وأخيرا، ونعتز ببلدنا، ولا نبغي به بدلا، وروابط النسب والخؤولة البعيدة أو القريبة، نتعامل معها بتقدير وتثمين واعتبار غائر في النفس وفي الشعور واللاشعور، لكنه لا يصل لعتبة الرهان على هذا الوطن الغالي، ومحل الملاحظة هنا أن إهمال الشمال وصحافته من التعيينات، ولو رأى البعض، كان ذلك رمزيا وضعيف التأثير في عقلية العلاقة المصيرية مع الوطن موريتانيا، إلا أنه في نظري بصراحة يعني الكثير من المخاطر على الوحدة الوطنية على المدى البعيد، وقد لا ينفع معه بعد هذا التجاوز المتعمد العميق المؤلم، تعيين يتيم مرتقب، ولو في مؤسسة ذات شأن عظيم، حسب مقاييس الماديين والنفعيين، والحمد لله، قد أبعدنا الله، عن الوزن والقيس، بتلك المقاييس الضيقة الأفق.
ونرجو من الله أن لا نقع ضحيتها يوما، وأن يحفظنا، مع وطنية راسخة وحرص كبير، على إعلاء المصلحة العامة على المصالح الجهوية أو الذاتية الضيقة، ابتغاء لرضوان الله فحسب.
كما أن إهمال شريحة "لحراطين" مع اعتبار ما كسب بطريقة شرعية، أو غير شرعية، بيرام، في الإنتخابات السابقة، التي ربما رتبت بعض نتائجها، لاقصاء الرئيس المرشح سيدي محمد ولد ببكر من الرتبة الثانية لغرض في نفس "يعقوب"، ويعقوب هنا جماعة وليس فردا، ومن أبرزها الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، المغرض الحربائي الماكر الداهية، وبالمناسبة انصحكم بالإبتعاد كليا، عن محمد ولد عبد العزيز والحذر تماما وبشدة، من ولد بوعماتو، رغم أنني أرفض تصفية الحسابات المكشوفة مع عزيز أو ظلم ولد بوعماتو، في مصالحه تلك المشروعة منها فقط، كرجل أعمال، فهو رغم كل مساوئه يمتلك مع بعض الصحافة علاقات طيبة وإن كنت غريمه وخصمه وسأظل ما حييت، ما لم يعلن إعتذاره عن ما وقع في حقي من ظلم شنيع، مازالت مرارته في حلقي ونفسي وجناني، وكل شعرة من كياني، وأستغفر الله العظيم وأتوب إليه.
اللهم قد عفوت عنه في حساب الآخرة، أما الدنيا فسأظل أصارعه وأخاصمه وأذكره بمظلمتي، ما لم يعتذر معنويا ويعوض ماديا، وبمبلغ يكلفه خسارة، فإن كان قد غرمني بزهاء مليون دولار، فإنني أطالبه أمام المحاكم الدنيوية، الإعلامية والسياسية والقانونية، بمليار دولار أو أكثر.
وفي موضوع تشكل نظامكم الحالي وأهمية إصلاح وإنصاف الصحافة في هذا الصدد، فإني أقول إنكم لا تعانون شخصيا، سيدي الرئيس، من فقدان إرادة الإصلاح، لكن النية الطيبة لا تكفي، في مثل هذه الأمور الاستيراتيجية المعقدة، فلابد من الرؤية الواقعية الموضوعية للإصلاح (البرامج المقنعة القابلة للتطبيق في مختلف المجالات، وخصوصا الحساسة والأولوية منها)، وحتى إذا تحققت الإرادة ورسمت البرامج، دون أن يتوفر العنصر البشري، فلا فائدة ترجى، وأنتم في موريتانيا سيدي الرئيس، مثل كافة الرؤساء ، تعانون من غياب أو تغييب على الأصح الكفاءات النظيفة القادرة على تجسيد إرادتكم الطيبة في الإصلاح، وبرنامج "تعهداتي" المقنع، الذي أعددتموه والعشرات من الخبراء في مختلف المجالات، فالأشهر الماضية من حكمكم خصوصا في أجواء مواجهة كورونا، اتضح أن المافيا، من بعض المدنيين والعسكريين، لا كلهم طبعا، مازالت تمتلك القدرة على نهب المليارات والإفساد على نيتكم الطيبة وخطاباتكم الجيدة وبرامجكم المقنعة، وفعلا الصحافة بعض أطرها سواء الصحافة الرسمية أو الخاصة، لا بأس إن كلفتموهم الآن، ليكونوا في فترة لاحقة، جزءا من نظامكم، قيد التشكل والتحديث، فهؤلاء الرجال والشباب، الذين تم تعيينهم يتمتعون بالثقافة بنسبة معتبرة ونزاهة اليد، على الأقل بحكم أنهم لم تتح لهم سابقا فرصة تسيير المال العام، وتعيين الأفراد من هذا القطاع الصحفي الخاص، مبرر ومقنع، وقد يخدمكم ويخدم الدولة في فترة قريبة، خصوصا عبر تسيير المؤسسات الإعلامية والوظائف الإعلامية في الدولة، بأقل تكلفة وأكثر فائدة، وبعيدا عن تأثير المافيا، فمجمل هذه الأقلام مشاكسة وجريئة ومتحررة من ضغط المافيا، ولذلك ظل الصراع بين هؤلاء الصحفيين والمافيويين، مستمرا وسجالا، بين الطرفين، لأن المافيا تريد الإفساد وحرمت قطاع الصحافة، وخصوصا الوزير الأول، يحيى ولد حدمين بأمر من عزيز، نعم حرمتنا تلك المافيا التي مازال جلها نافذاـ من الإشتراكات والتكوينات والإعلاناتـ، وحاصرت قطاعنا، وأنتم تحاولون مشكورين مأجورين عند الله، رفع الحصار، لكن من فضلكم نفذوا ذلك الوعد، بالثقة و"التمهين"، بطريقة منصفة ومتوازنة.
أما قول ولد اخطيره في إجتماع الروابط والنقابات لاختيار ممثلي مجلس تسيير أموال مواجهة "كورونا"، بأن لكل واحد منهم رخصة ووصل، وكأنه يريد القول كلكم سواسية، فهذا مردود عليه، ويدل على عدم أهليته لوظيفة الأمانة العامة لوزارة الثقافة والعلاقات مع البرلمان، فهل يستوي "الفريق" أو "المشير" وأصحاب الرتب الدنيا، في المؤسسة العسكرية، وهل يستوي الطبيب العام أو الرئيسي أو المتخصص، مع ممرض مبتدئ أو حارس في مستشفى أو عيادة خاصة أو عامة، وهل يستوي العالم المتبحر وتلميذ في المحظرة، وهل يستوي رجل أعمال يملك مليارات أوقية وله خبرة في ميدان المال والأعمال وتاجر مدين ومتخبط، وربما على وشك الإفلاس، ما تتحدثون عنه من صحافة وزملاء وتشيرون إليه، حضرة الأستاذ الجامعي الموقر، قريبي وصديقي أحمدو ولد اخطيره، حفظكم الله.
أقول هؤلاء زملاءنا وشركاؤنا في الميدان، لكن كما قال جبريل عليه السلام، لمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ليلة الإسراء والمعراج: "أنت إن تجاوزت اخترقت وأنا إن تجاوزت -يعني نفسه- إحترقت" أو كما قال عليه السلام.
لزملائنا مكانتهم ومستواهم، أما معشر العمداء وذوي الخبرة، فلهم أسبقيتهم ومنزلتهم الخاصة، ولا داعي للشرح أكثر.
كفاكم تمييعا للحقل.