بقلم.. أحمد ولد ابوب.. كاتب موريتاني مقيم في الرباط
في الدول التي تحترم نفسها وشعبها، تكون العدالة بين الناس، بلا محاباة او خصوصية، معادلا وجيها لصرامة القوانين النافذة التي تحفظ للدولة هيبتها ومصالحها، ثم تشكل مهربا وملجأ للمواطنين عند تضارب المصالح والغايات، وآلية محايدة لفض النزاعات، مع بقاء روح المودة والسلام الاجتماعي، بتكافؤ الفرص الذي تزدهر به العلاقات البينبة، وتتسارع وتيرة نموها وتطورها باضطراد؛ فإذا هيمن قانون التفاوت والكيل بمكاييل متعددة، كما يفعل الداه ولد المامي في إدارة الجمارك، فعلى الدولة والمواطن، معا، الف سلام.
يفترض في الجمارك ان تكون بوابات حصرية، لعبور التجارات ومختلف الواردات والصادرات، وان تكون مصالحها ودوائرها وقياداتها وعناصرها وأفرادها، عينا ساهرة على ضبط ومتابعة حركة البضائع والمنتجات، في الموانئ البحرية والجوية، والمداخل البرية، إيرادا وإصدارا، بلا ميز او تحيز او محاباة؛ كما يفترض فيها القيام، طبقا لقانون ملزم يتساوى امامه المواطنون، بتدابير منضبطة، لاستيفاء حق الدولة والمجتمع، من عمليات الإيراد والإصدار، بلا ميز بين المستوردين، أو المصدرين.
لكن المفترض في القانون والعرف شيء، وما تدمنه إدارة الجمارك، في ظل مديرها العام، المستدام، الجنرال الداه ولد المامي، من سلوك هو أليق بذوات المخلب والناب، من مفترسات الغاب والبراري، هو شيء آخر مختلف؛ إنه سلوك شائن، كريه، مناف للحق والقانون والمصالح الوطنية، يمارسه المدير وزبانيته، في عملية تمييز فجة،لصالح فئة قليلة تعد على رؤوس الاصابع، و ضد المئات من المواطنين الساعين في مناكب الارض، شرقها وغربها، من اجل تموين السوق الوطنية بالحاجات الضرورية والكمالية والتحسينية، باسعار تناسب القدرة الشرائية للمواطن البسيط.
الفئات من المواطنين التي تقودها مقاديرها المتباينة إلى معاملات الإدارة العامة للجمارك الموريتانية،ثلاث:
١- اولاها صاحب توصية محددة ومؤكدة، لا تصدر إلا من عل، فهي من يبسم لها الحظ والمدير ومعاونوه، وهو من يتولى تحديد المقابل الزهيد للخدمات المقدمة لها، ثم هو الآمر الناهي بخصوص الدفع والتفتيش والنقل.
٢- الثانية قريب، او صديق، او راش ميسور، فمثل هذا لا تكون المكاتب ولا من يعنل بها، شهودا على التعاطي مع مهمته، بل تصدر التعليمات، فورا، باستلامه ما جاء من أجله، مباشرة، وبلا معاملة محددة، على ان تجري مخالصة شكلية صورية، فيما بعد، او يستغنى عنها بإحدى وسائل الالتفاف على القانون، وهي كثيرة.
٣- أما الفئة الثالقة، والتي لا تحوز توصية سامية، ولا هي من الأقارب، ولا من الاصدقاء الخلص، ولا من مقدمي الرشى السخية، فهي الاسوأ حظا، فعليها الدفع المقدم لقيمة الجمركة مضروبة في أخماس و أعشار، بحسب مزاج المدير؛ وهنا تغلق إدارة الجمارك كل باب للحوار والتعاطي اللفظي حول الموضوع، فليس امام هذا المورد المسكين إلا ان يتجرع من تلك المرارات المتاحة، بلا امل في حل آخر.
كذلك كانت إدارة الجمارك الموريتانية، وهي ما تزال على ما كانت، طيلة عشر سنوات كاملة، ازدادت عامين، يعلم الله وحده حجم ما جرى تحت جسورها من مياه عكرة، وما اقترف خلالها من آثام عظام، آثام يكون فيها المدير العام آمرا، في الاغلب الاعم، فيتسابق أعوانه وشركاؤه في الإثم إلى تنفيذ تعليماته؛ ولربما كان في حالات أقل، مأمورا، ففي القمة، طوال العشر الشداد، كان هناك ولي نعمة المدير، وهو ليس أقل حرصا على المنافع والمظالم من ماموره المطيع.
وإن تعجب، فإن الأعجب والاغرب والاسوأ، ان يفتح الله على هذه البلاد، بانقشاع غيوم العشرية السوداء ورعودها وبروقها الخلب، ويتنفس أهلها الصعداء بميلاد نظام جديد طال انتظاره، فجاء مدنيا منتخبا، من خلال عملية ديمقراطية مشهودة؛ وقد عقد عليه المواطنون كثيرا من الآمال العريضة، واستمعوا إلى تعهده وعهده ووعده؛ ثم اكتشفوا أن العشر العجاف ما تزال مستمرة في بعض جيوب الدولة ومفاصلها، من خلال استمرار بعض بؤرها الفاسدة في مواقعها، وعلى رأسها إدارة الجمارك وجنرالها المفسد الداه ولد المامي.