بدأت موريتانيا في إحصاء التكاليف الاقتصادية المترتبة عن انتشار فايروس كورونا المستجد مع انتهاء فترة الإغلاق، والذي كان حجر عثرة قاسية أمام طموحات الحكومة لإنعاش أضعف اقتصادات المغرب العربي، ما دفعها إلى طلب مساعدات من البنك الدولي لتنفيذ خطة مواجهة الوباء.
نواكشوط - تواجه الحكومة الموريتانية تحديا كبيرا لإعادة ضبط إيقاع النمو مرة أخرى بعد إعادة فتح الاقتصاد، والذي انكمش بشكل أكبر مما هو متوقع. وعادت الحياة إلى الأسواق والشركات والأنشطة التجارية منذ الجمعة الماضي إثر إعلان السلطات تعليق حظر التجوال الليلي الساري منذ مارس الماضي لتطويق الوباء، بينما تم السماح بالتنقل بين ولايات البلاد الـ13.
وشمل قرار تخفيف تدابير الإغلاق التي فرضت للحدّ من تفشّي وباء كوفيد – 19 أيضا إعادة السماح بتسيير الرحلات الجوية الداخلية، في حين ستبقى الحدود البرية والجوية والبحرية المغلقة لمنع تفشّي الوباء على حالها.
وتلقت جهود الحكومة لإنعاش النمو المتعثر أصلا ضربة موجعة بسبب أزمة كورونا التي خلفت آثارا واضحة على مختلف الجوانب المالية والاجتماعية للبلاد. وأكد وزير الاقتصاد والصناعة عبدالعزيز ولد الداهي أن جائحة فايروس كورونا تسببت في انكماش النمو بواقع 4.9 في المئة وهذا يزيد بنحو 1.9 عن توقعات أبريل الماضي.
ولم يذكر ولد الداهي بالتدقيق حجم الخسائر، لكن يبدو أنها أكبر من التوقعات وقد تزيد من تعقيد مهمة الحكومة خاصة وأن موريتانيا تعاني ظروفا مالية صعبة منذ سنوات.
واعتبر مسؤولون وخبراء أن أزمة الوباء وما تبعها من إجراءات احترازية، أثرت سلبيا على الاقتصاد، رغم أن الحكومة تسعى جاهدة لمواجهة هذه الآثار عبر إطلاق برامج قوية لدعم الأسر الفقيرة والمتضررة، وكذلك الشركات المتأثرة. وأشار المندوب العام للتضامن الوطني ومكافحة الإقصاء محمد محمود ولد بوعسرية إلى أن إجراءات، التي اتخذتها لجنة اليقظة كانت مفيدة حتى الآن.
ونقلت وسائل إعلام محلية لبوعسرية قوله إن “الآلاف من العائلات في العاصمة نواكشوط استفادت من المساعدات المالية التي قدمتها الدولة وقد تم توزيع مبالغ مالية على الآلاف من الأسر في الولايات الداخلية أيضا”.
وتحاول الحكومة من خلال خطة اعتمدتها مؤخرا وبدعم من البنك الدولي تجاوز أزمتها الراهنة، خاصة وأن البلاد تعتمد على قطاع الزراعة الذي يعاني من موجة جفاف طيلة سنوات. وأكد النائب أحمد الوقف في تصريح لوكالة سبوتنيك الروسية أن الحكومة صادقت على برنامج من محاور متعددة كالصحة والتشغيل ودعم الأسر الفقيرة والمتضررة من آثار جائحة كورونا، وكذلك المؤسسات الصغيرة.
وأوضح أن “البرنامج يهدف أيضا لدعم وتشغيل وإنقاذ المؤسسات الصغير، بالإضافة إلى ضخ موارد بديلة على المستوى المحلي والدولي”. وأضاف أنه “وفقا للبرنامج تم إنشاء صندوق وطني للتضامن معني بتمويل الأنشطة الاقتصادية، ويدعم الطلب الداخلي، ويحاول الحد من التأثير السلبي للجائحة على النمو الاقتصادي”.
وكان البنك الدولي قد أعلن الأسبوع الماضي أنه منح نواكشوط نحو 35 مليون دولار لتمكينها من ضمان تمويل وارداتها الأساسية من المنتجات النفطية. وقال البنك في بيان حينها إن “هذا التمويل سيساعد في الحفاظ على واردات المنتجات النفطية الضرورية لسير اقتصاد موريتانيا خلال الأشهر الستة المقبلة”.
مساع حكومية لإنعاش الاقتصاد
وأكد المدير الإقليمي لمؤسسة التمويل الدولية لغرب ووسط أفريقيا أليون مايغا أن هذه التسهيلات الائتمانية مهمة للاقتصاد الموريتاني. وأوضح أنها ستساعد في تخفيف بعض الآثار الاقتصادية للوباء عبر ضمان الإمداد بالطاقة في البلاد، وتجنب الانقطاع في سلاسل التوريد. كما سيساعد هذا الدعم القطاع الخاص على ضمان استقرار الاقتصاد والحفاظ على فرص العمل خلال هذه الفترة الصعبة.
ووافق مجلس إدارة البنك مطلع أبريل الماضي على منحة بقيمة 5.2 مليون دولار لمساعدة موريتانيا على تعزيز قدرة نظامها الصحي على مواجهة الوباء. ويؤكد الخبير الاقتصادي أباب ولد بنيوك أن الحكومة تكافح من أجل التخلص من الآثار السلبية التي أضرت بالاقتصاد، ما دفعها لإطلاق برامج اجتماعية. ونسبت وكالة سبوتنيك لولد بنيوك قوله إن “هذه البرامج تهدف بالدرجة الأولى للتركيز على القطاعين الزراعي والحيواني بهدف تعزيز النمو”.
ولفت إلى أن محاولة تنشيط هذين القطاعين جاءت بعد التأكد من تراجع أداء القطاعات الأخرى كالمعادن والصيد البحري وقطاع الخدمات بشكل عام، بسبب الجائحة. وفي محاولة لدعم الاقتصاد، أطلقت الحكومة مطلع هذا العام برنامجا لاستصلاح الأراضي الزراعية لدعم الفئات الفقيرة، رغم موجة الجفاف التي تعاني منها البلاد كبقية دول شمال أفريقيا.
وأطلق الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني خلال زيارته لمدينة روصو، التي تبعد عن العاصمة نواكشوط بنحو مئتي كلم، مشروع استصلاح مساحة مروية تبلغ 523 هكتارا على ضفة نهر السنغال.
ويتوقع أن تستفيد من المشروع أكثر من 700 أسرة فقيرة، والذي كلف الدولة 13 مليار أوقية (38 مليون دولار) وتبلغ مدة التنفيذ 14 شهرا، بتمويل من البنك الدولي.
وطالبت موريتانيا أكثر من مرة بإلغاء كامل ديون القارة الأفريقية حتى تتسنى لها مواجهة، الواقع الذي فرضته مواجهة الوباء، وتحديات التنمية والأمن. وكانت الحكومة قد قالت العام الماضي إن ديون البلاد، التي تمثل 73 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أخذت بشروط ميسرة وهو ما أكده صندوق النقد الدولي.