تتزامن العطلة الصيفية في موريتانيا مع انطلاق مواكب عودة الأهالي إلى واحات النخيل لأخذ قسط من الراحة، بعيداً عن ضوضاء المدن ورتابتها، واقتناص فسحة للاستمتاع بأجواء الطبيعة بنقائها وعذريتها في كنف باسقات النخيل لجني تمورها والاستمتاع بنسيمها العليل.
موسم "الكيطنة" كما يعرف محلياً، أو فترة حصاد التمر، الذي بات واحداً من أهم مناسبات السياحة الداخلية، يجذب إليه كل عام مرتادين من جميع أنحاء البلاد.
زاد من أعدادهم هذا العام أولئك الذين اعتادوا قضاء عطلتهم في الخارج، الذين حرمتهم أزمة فيروس كورونا المستجد من مغادرة البلاد.
وخلال شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب من كل عام، فترات يضرب فيها الموريتانيون موعداً مع "الكيطنة" في ذروة الإقبال على السياحة المحلية المتزامنة مع مرحلة نضح أصناف تمور والرطب المتعددة الأشكال والأنواع.
فترة يبدأ خلالها الإقبال على محطات النقل في المدن نحو تلك الواحات المنتشرة في مناطق البلاد الشمالية والوسطى، لإحياء تقليد راسخ تتوارثه الأجيال في موريتانيا جيلاً بعد آخر، منذ قرون خلت من حياة مجتمعاتها القديمة.
إحياء الموروث الثقافي
مولاي إبراهيم، إعلامي موريتاني، وهو أحد سكان مناطق شمال موريتانيا، وجدها فرصة هذا العام للخروج من أجواء الإغلاق والحجر، وقيود الحركة بسبب الأزمة الصحية العالمية، للهروب إلى مضارب الأهل ومرتع طفولته في منطقة "وادان" التي تعد من أهم أمكان اجتذاب رواد "الكيطنة"، شمال موريتانيا.
وقال مولاي لـ"العين الإخبارية" إن خروجه هذا العام لقضاء العطلة بين وديان منطقته الأم حيث ولد وترعرع، يمنحه فرصة لاستغلال هذا المورد السياحي بأبعاده التراثية والثقافية وحتى الصحية المرتبطة بالفوائد الغذائية للأصناف التمور الطبيعية الطازجة.
وبحسب مولاي إبراهيم، فإن "الكيطنة" ليست مجرد فسحة للخروج عن المدن والاستمتاع بأجواء الطبيعية البكر، بل هي أيضاً "إحياء لموروث ثقافي زاخر بالقيم والعادات المرتبطة بهذا الموسم عاشها الأجداد، يفترض أن يحافظ عليها الأحفاد" بحسب تعبيره.
حفلات الزفاف وصلة الرحم
ويتميز موسم "الكيطنة" بإقامة حفلات الزفاف وهو فرصة لصلة الرحم، بالإضافة إلى تنظيم زيارات للمعالم السياحية في مناطق الواحات، التي عادة ما تكون أحزمة للمدن الأثرية والقلاع التاريخية.
من جهته، يعتبر الباحث الاجتماعي سيدي أحمد محمد أن المحافظة على موسم "الكيطنة" والاستفادة القصوى من خصائصه يتطلب الترويج له ليس على الصعيد الداخلي، بل أيضاً على الصعيد الخارجي كمقصد سياحي قادر على اجتذاب الأجانب.
ولفت سيدي محمد في تصريحات لـ"العين الإخبارية" إلى أهمية ضخ استثمارات كبيرة في مناطق الواحات من أجل المحافظة على معالمها الطبيعية، ومن أجل تثبيت سكانها في مناطقهم الأصلية، في ظل المصاعب البيئية التي تواجه الصحاري بسبب التغيرات المناخية.
مهرجانات التمور
وبات موسم "الكيطنة" في موريتانيا خلال السنوات الأخيرة موعداً لتنظيم مهرجانات فنية تكون فرصة لنفض الغبار عن تراث مناطق الواحات، حيث تتخلل ليالي وأيام الكيطنة إقامة أمسيات للفن والإمتاع الغنائي والموسيقي.
وتنظم وزارة الثقافة الموريتانية مهرجان "الكيطنة" السنوي، الذي يسعى إلى تسليط الضوء على أنماط الفنون والتراث المرتبط بواحات النخيل، إلى جانب إقامة معارض التمور وسباقات للهجن والخيول العربية الأصيلة.
وتسعى هذه المهرجانات السنوية والسهرات الفنية خلال موسم "الكيطنة"، إلى التعريف بتراث الواحات وإحياء الفنون والتقاليد المرتبطة به، إلى جانب نشر الوعي والتذكير بضرورة الاهتمام بحماية واحات النخيل في وجه عاديات الجفاف والتصحّر، المرتبط بالتغيرات المناخية، وكذلك دعم المزارعين بتوفير مصانع تعليب وتصدير منتجاتهم.
وتنتشر في مناطق شمال ووسط موريتانيا العديد من الواحات التي تعد مصدراً مهماً للتمور في البلد، خصوصاً في ظل إنشاء الدولة سنة 2018 أول شركة وطنية لتعليب وتجفيف التمور، في مدينة "أطار" شمال البلاد.
ويناهز أعداد وحدات النخيل في موريتانيا بحسب الأرقام الرسمية حوالي 700 ألف نخلة موزعة على أكثر من 10 آلاف واحة في مناطق البلاد المختلفة.