انتهى المؤتمر الصحفي الليلة البارحة دون نجد جوابا على مصدر ثروة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز رغم إلحاح الصحفيين على الإجابة على هذا السؤال، وربما نكأ السؤال في نفس الرئيس جراح أسئلة المحققين التي أكد أنه لم يتجاوب معها لعدم قانونيتها، على اعتبار أن لديه حصانة والمحكمة السامية هي وحدها المخولة بمساءلته.
ظل الرئيس السابق على موقفه المعادى من رأي فقهاء الدستور الذين قالوا بإمكانية محاكمته أمام المحاكم العادية ، مرجحا دائما الرأي الذي يصب في صالحه، وهو نفس الموقف الذي تبناه أيام الجدل القانوني من إلغاء مجلس الشيوخ..
عمل الرئيس السابق في مؤتمره الصحفي، على مخاطبة العواطف أكثر من العقول، فأظهر نفسه في ثوب الضحية، لينتقل بالملف من تحقيق برلماني إلى عمل "كيدي" تعاونت فيه السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، وحتي القضائية التي بدأت مباشرة التحقيق في تلك الاتهامات، رغم تصريحه ب"ثقته" في القضاء..
تحاشى الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الرد على أسئلة بعض الصحفيين على اعتبار أنها أسئلة موجهة من السلطات، في استحضار بارز للشق الأمني في كل شيء، ولا غرابة في ذلك، حيث ظلت تلك المقاربة حاضرة في الفعل السياسي وقرارات الحكم طيلة العشرية الماضية..
تناقض الرئيس السابق مع ترحيبه بأي تحقيق برلماني أو قضائي، مدعيا أن رفضه لتحقيق اللجنة البرلمانية ناتج عن موقفه من بعض الأشخاص الذين لديهم تصفية حسابات معه، متناسيا أن البرلمان هيئة مستقلة وهي وحدها المخولة بتحديد اللجنة التي تريد، بل إنها تكون منحازة إذا ما اختارت الأشخاص الذين يريد ولد عبد العزيز أو من شملهم التحقيق.
كان من الأفضل للرئيس السابق أن يبتعد عن الأرقام في نقده للنظام، خاصة إذا كانت الأرقام غير دقيقة ويمكن تفنيدها بسرعة، ما يفرغها من محتواها.
الخطاب الشعبوي قد ينجح في بعض الأحيان، لكنه قد يفقد معناه عندما يتم تكريره واستخدامه بشكل مستمر، فعندما ينتقد ولد عبد العزيز زيادة رواتب العمال ويعتبر ذلك استنزافا للميزانية، وهضما لحقوق عمال ضعفاء، نتذكر الخطاب الشعبوي للرجل، الذي عمل فيه على تأليب الرأي العام على الموظفين السامين في الدولة قبله، ووصفهم بالفساد دون بينة واضحة، متجاهلا أن الدولة أنفقت في عهده مليارات الأوقية على استفتاء شعبي للقضاء على مجلس الشيوخ وتغيير العلم، وهي موارد كان بالإمكان الاستفادة منها في التشغيل والتنمية بصورة عامة.
وإذا كان المؤتمر الصحفي لم يحمل جديدا من ناحية المضمون، إلا أنه بعث برسائل حقيقية من ناحية الشكل، وربما صرح الرئيس السابق بذلك، فظهور ولد عبد العزيز محاطا بمحفوظ ولد اعزيزي الأمين العام لحزب الوحدوي الذي كان في مؤخرة أحزاب الأغلبية، وإسلكو ولد أحمد إزيد بيه وسيدنا عالى ولد محمد خونه، وغياب القيادات والأشخاص النافذين في نظامه، توضح خللا بينا، تجب معالجته. فلا ديمقراطية دون تأسيس أخلاق سياسية، فالنفاق والحرباوية لا يمكن أن يكونا أساسا لأي إصلاح.