بقلم د دداه محمد الأمين الهادي
أخيرا انفصمت عرى الحبل السري الذي ربط الثقافة والشباب والرياضة في قالب واحد، وانقسمت الوزارة الوصية إلى وزارتين، إحداهما للشباب والرياضة، والأخرى للثقافة والصناعة التقليدية، وهذا الانقسام الذي توقعناه في مقالنا السابق بعنوان "الثقافة والشباب أي وئام؟" ، جاء ليضع حدا لارتباط لم يوفق في أن يكون مقنعا للعاملين في القطاع، وللحالمين بغد أفضل للثقافة والشباب والرياضة.
وحينما يسير الإنسان في أروقة الوزارتين غير المنفصلتين حاليا، يلاحظ وجود حالة ارتياح عامة في الشباب والرياضة، الذين أحس المنتمون إليهم بأهمية الفصل الحاصل، خاصة أن الشباب والرياضة لطالما غمطتهما الثقافة حقهما، وتجنت عليهما، وادعت لنفسها ما ليس لها، فتم تهميش الشباب والرياضة بسبب القادمين من برزخ وزارة التعليم ووزارات أخرى باسم الثقافة، كما استنزفت امكانيات وطاقات الوزارة في مهرجانات الثقافة على حساب الشباب والرياضة، ولم يجد الشباب الذي أكتتب في عهد الرئيس محمد ولد عبد العزيز وبأمر منه فرصته في أن يجد ذاته في قطاعه، ومكانه المناسب.
لقد اقتنع رئيس الجمهورية –فيما يبدو- بقضية الشباب، وقرر انتشاله من الهوة السحيقة، فمد له طوق النجاة، الذي يحتاجه، اكتتبه فأنجاه من البطالة، وكونه فعلمه صنعة هو بحاجة لها، ودمجه في الوظيفة العمومية مؤذنا بفجر إشراك الطاقات الحية الشابة، ونظم لقاء معه، ورخص أحزابا باسمه ولفائدته، لكن الأهم سيندرج دائما في استقلالية قطاع الشباب والرياضة والترفيه، فهو الرسمي، وهو المعول عليه في تأطير الشباب وتكوينه وتدريبه، وبه تتم الوقاية من الجريمة والانحراف والمخدرات وجنوح الأحداث، ويعي الشباب دوره التاريخي والحضاري، ويشارك في تنمية البلد.
ويتخوف العارفون بالإدراة من أن يتسور المتسورون أسوار الوزارة الفتية على حين غرة، ليتحايلوا على أحلام الشباب وأمانيه، وطموحاته، فيتم ملء الوزارة بالقادمين من مريخ السياسة والفيافي، الذين ليست لديهم كفاءات مهنية ومعرفية كافية ليعايشوا القطاع الأصعب، القطاع الذي يحتاج إلى أن يتنفس الصعداء.
ويثمن شباب الوزارة الفتية خطوة رئيس الجمهورية في إفراد الشباب والرياضة بوزارة، وتعيين فتاة على القطاع، ولكنهم يتخوفون في الوقت ذاته من القادم، من اختلاط الإدارة بالسياسة، حيث يحمل كل سياسي ملفه وسيرته الضحلة ليتقدم لخطبة وظيفة شاغرة، يقدم لها مهرا من الأكاذيب المزيفة، في وقت تحتاج فيه الوزارة للكفاءات والمهارات والخبرات في المجال، لا في المحاضرات الممجوجة عن الديموقراطية، والتبادل على السلطة، تلك المحاضرات التي لا يعرف أصحابها الكثير عن حقيقة مواضيعهم المفضلة.
كل هذا لا يمكن أيضا أن ينفصل عن الواقع المزري للعاملين في حقل الشباب والرياضة، حيث أن الشباب يفترض فيه الحماس والحيوية، وهما عنصران لم يشفعا فيه فيحظى بنظام جديد يرفع من وضعيته المادية والمعنوية، في وقت وضعت فيه العلاوات والتحفيزات لقطاعات أخرى كالمالية والداخلية والصحة، وظل الشباب رازحا في مكانه القديم يتقاضى رواتب متدنية، وكلما وصل وزير رحل كأنه لم يصل على الأقل في هذا الصدد أو المنحى، فالوزراء على كثرتهم وعلى ثقافة بعضهم لم يتنبهوا لضعف عمالهم المادي، ولم يبذلوا جهدا يذكر في هذا الطريق، بل قبلوا المنحة السماوية، ورحلوا حين كفت السماء عن مغازلتهم، لقد كان بالإمكان دائما أكثر مما كان، كان بالإمكان أن يفعلوا شيئا لعمالهم التعساء البؤساء.
لقد آن الأوان لتطبيق السياسة الوطنية للشباب والرياضة والترفيه، تلك السياسة التي خصص لها رئيس الجمهورية غلافا ماليا معتبرا، وحباها بــ 1% من عائدات ضرائب الجمركة، وفتح لها باب مركز صار معهدا، وكانت سنوات طوال قد مرت عليه والشمع الأحمر على بابه، يعني لمن لا يفهم لغتنا الجميلة كان مغلقا، وهو المركز الوطني لتكوين أطر الشباب والرياضة، الذي صار معهدا.
ولنتحدث قليلا عن أهمية الشباب والرياضة، ياسادتي؛ فقد لا تعلمون أن القضاء والداخلية، أن العدالة والنظام ليسا كافيين لخلق النماذج الصالحة في المجتمع، تلك النماذج التي يقتدى بها سلوكا وعملا، وتعيش بأمان تسهم فيه بجهودها الخاصة، فالنظام الذي تشرف وزارات الداخلية على خلقه في الدول كثيرا ما أدى لانفلاتات أمنية، بسبب القمع، والمساس بالحريات العامة، وبسبب خدش حقوق الإنسان، وهكذا تولد الثورات الشعبية، والعدالة هي قطاع يواجه ما بعد الجريمة، وثمة جرائم قليلة تتعلق بالأمن يحاربها قبل أن تكون لها ماديات على الأرض بسبب خطورتها لو حصلت كالتفجيرات الإرهابية، ولكن العدالة في العالم بشكلها الذي يتوكأ على عصا السجون خلقت ما يسمى عالميا بإشكالية السجون المغلوطة، حيث تتحول السجون لمدرسة لتعلم الجريمة، ولمكان للمساس بالحريات والحقوق، وتنشر المسلكيات الخاطئة في المجتمع، وهكذا تكون بلا فائدة في التأهيل، فما إن يرجع منها المتحرش حتى يغتصب ضحية، وما إن يخرج منها الضارب بيده حتى يقتل، ولا يخرج القاتل إلا فجر وأرهب، فهي تزيد الخطورة الإجرامية، وقديما قال أحدهم: "إن فتح مدرسة يعادل إغلاق سجن".
أما قطاع الشباب والرياضة والترفيه فيعول عليه في كافة دول العالم، فالشباب يؤطر ويدرب، ويساعد في تكوين النفوس القويمة، والرياضة تهدر الطاقة الزائدة في مجالات مشروعة ومأمونة، وتصفي العقل "فالعقل السليم في الجسم السليم"، وتبني الرياضة الأجسام القوية المتناسقة، وتخلق جوا من التنافس الرياضي ذي الأخلاق الرياضية العالية، حيث لا مجال للاقتتال والفتن، والترفيه هو متنفس للروح، وتنظيف لها من صدأ النفوس، والملل والنكد، من حالات القلق والاكتئاب المؤدية حتما إن لم تعالج للانحراف الماس بالذات أو بالغير، وهنا من خلال هذا الشرح البسيط يمكن القول أن القطاع المتحدث عنه هو قطاع الوقاية، "والوقاية خير من العلاج"، والأمم المتحدة والعالم بأسره يفهم هذه الحقيقة، ولذا سنويا تقوم الهيئات والمنظمات الدولية بإنفاق أموال طائلة في التحسيس والتكوين والتأطير، ففي كل دولة إن تم الإتكال كليا على العدالة والطرق البوليسية فلا شك سيحصل الفشل، لأن عدم وجود الوقاية يستلزم ضرورة زيادة منسوب الانحراف، وفي النهاية تمتلئ السجون، وتزداد، وتضطر الدولة إلى التغاضي عن حالات انحراف كثيرة لغياب أماكن شاغرة في السجون والإصلاحيات، وهنا ينفجر الوضع، نعم ينفجر الوضع.
وإذا كانت الحقيقة هي تلك الموصوفة أعلاه، فإننا حتى الآن نلاحظ إهمالا واقعيا ما زال بحاجة للمزيد من العلاج، لكي تثمر جهود الدولة في مجال الشباب والرياضة والترفيه، في بلد 71% من سكانه من الشباب، ومدينته الكبرى بحاجة لمجسمات وملاعب رياضية، والأماكن الترفيهية فيه لا تزال قليلة مقارنة بالحاجة الماسة لسكانه، في بلد أثرياؤه وفقراؤه يتجمهرون على شارع المقاومة ليلا ونهارا بحثا عن متنفس، أو يذهبون في الخريف إلى البوادي بحثا عن فضاءات خضراء، أو نسيم كتب له أن يشفي نفس سقيم من سجناء العالم الحديث، وأغلب الساكنة ليست لديهم الوسال للذهاب للبادية، ولا لزيارة شارع المقاومة، شارع الإبداع الاستغلالي، حيث يبيعون دجاجة يابسة بـ 2500 أوقية كسعر أدنى، دون أن يقدموا معها أي شيئ، وهو بيع ما سبقهم به أحد من العالمين، من بائعي "الشاوارما والمشويات والمقليات والنقانق والبيض المسلوق"، إنه بيع بمستوى الخمس نجوم ولكن على قارعة الطريق، وبين الروابي في الفضاء الرحب، حيث تركض السحب في الفضاء الرحب ركض الخائفين.
وخلاصة القول أن الشباب والرياضة وزارة لها محلها من الإعراب، وجاءت في وقتها، وبحاجة للمزيد من العناية الفائقة والمركزة، حماية للشباب، ودعما للرياضة، ونشرا لقيم الترفيه الآمن.