نواكشوط (الحرة) مثــَّلَ أدبُ حركة الكادحين أحد أكثر، إن لم نقلْ أكثرَ آداب الحركات السياسية الموريتانية شيوعا، الأمرالذي يمكن ردُّه إلى أن الحركة السياسية الأكثر عراقة، نزل روادُهاَ إلى قلبِ المُجتمَع الموريتاني فكانوا عرقهُ النابض بالحياة وشريَانَهُ الذي يحاول مدَّهُ بآخر دمٍ ثقافي جديد بل مدهُ بالطاقات الثقافية الانسانيةِ الجديدةِ جمعاءَ في الشرقِ والغربِ.
و انسجاما مع واقع مع مجتمعٍ لا تزال الإذاعة رافده الوحيدَ في تلقي المعلومةِ، مع كون هذه الاذاعة موجهة من طرف النظام الذي يعارضهُ الكادحون، ومسخرةٌ لاهدافه وأداة في توصيل رؤاه، فإنه لم يبق أما الكادحين إلا الأدب لتوصيل رسائلهم سواء تلك الموجهة الى القمة (النظام) أو القاعدة (الجماهير البسيطة من عمال، ومزارعين وسكان أرياف) .
الأدبُ جلـَبـَةٌ ضد النظامْ... يالحُــكـْم اسقُطْـْ
تـُعطي "لازمة يالحكم اسقُطْـْ"، "يالحكم اسقط" صورة ناصعةً عن مدى تمرد الكادحين على الحكم الذين يطالبون بسقوطهِ، هذا السقوط الموازي للرحيل في ثقافتنا المعاصرة، شكل مطلبًا حيويا للكادحين في وضعٍ لم يكن فيه للتعبير الديمقراطي أي دور، لكن الكادحين تجاهلوا الامر وظلوا يأَلَّبون القاعدة الشعبية ضد النظامَ، كاشفين عن واقع الشعب، الذي لا يزال يجلب الماء بالوسائل البدائية، من عمق الأحساء، بينما من واجب النظام توفير حياة كريمة للمواطنين.
وهنا لا يخفى الدور التوعوي للكادحين، وهو دور منوطـٌ بمن هو على شاكلتهم من جماعات الضغط ( باعتبارهم حركة سياسية)، وهو دور شمل كلَّ مناحي البُعْد الاجتماعي كما سنرى، كالرق وغيره، لكننا نجده هنا حاضرًا بقوة في هذه اللازمة (يالحُكمْ اسقـُطـْ) على الصعيد الخدمي وكذا في مجال العدالة لاجتماعية،
يالحُكمْ اسقـُط .....يا الحـُكـْمْ اسقـُطـْ
...
الشّـعْبْ عَطْـْشَانْ... والاَّ يِكْرِطْـْ
كَــَعـْرْ الـْحِسْيـَانْ.... بِحْبَيْلْ أبِطـْ
.....
وفي مجال العدالة الاجتماعية، وضرورة لمساواة بين المواطنين في توزيع الثروة، فإن الكادحين يأخذون على عاتقهم تنبيه المواطنين وتوعيتهم فيما يتعلقُ بواقع الحيف الذي يمارس بحقهم، والتباين بين مسويات المواطنين، وهنا يكون الأدبُ أقوى سلاح ضد البرجوازية والإقطاعية، من خلال الدعاية ضدهما بوصفهما أكبر عائق أمام المساواة والتوزيع العادل للثروة بين المواطنين، ولعل أدب الكادحين يكون صاحب الأثر الاكبر من خلال مسحة السخرية التي يكتسيها، ليتضمن ليس فقط التوعية ضد هذه المظاهر والظواهر وإنما ترك الاثر والشعور السيئ تجاهَها، ما يجعلها ليست الشكل القويم الذي ينبغي أن تكون عليه حالة المواطن المثالي:
يالحُكمْ اسقط... يالحُكمْ اسقُطْـْ
الكَـَادِحِينْ....... اقــْرِطْــْ اقـْرِطْـْ
والبـَطـَارِينْ......اسْرِطْـْ اسْرِطـْ