يتجه حزب لإتحاد من أجل الجمهورية إلى تعيين ثالث رئيس له في غضون حمس سنوات و هي التغييرات التي تأتي في خضم حجم من التحولات ما كان لها أن تغير الجمود المتبع نهجا و خيارا مفروضا في الأحزاب الأخرى لولا الاستجابة من ضغوط داخله و رسائل واضحة إلى مكتبه التنفيذي بضرورة التغيير لتلافي الأخطاء التي يتم الوقوع فيها ورصدها و إحصائها و رأب التصدعات التي تحصل من جراء ذلك.
فهي إذا سنة حاز بها الحزب على السبق السياسي على وجه لا يمكن غض الطرف عنه و متمثلا في الابتعاد عن الزعامة استاتيكية الثابتة و بعيدا عن المسائلة والمحاسبة والامتثال لأي سبب من الأسباب التي تقر تنحيته واستبداله.
فلما كانت الرئاسة الأولى لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية بعيد تأسيسه من نصيب الرئيس محمد ولد عبد العزيز فإنه قد تنحى عنها لما لم تعد متطابقة مع رئاسته الدولة التي جعلته في وضعية أضحى فيها فوق الأحزاب بوصفه رئيسا لكل الموريتانيين، فقد آلت رئاسة الحزب من بعده إلى السيد محمد محمود ولد محمد لمين الذي تولى القيادة بعد انتخابه في أول مؤتمر للحزب لتولي هذه المهمة.
وظل محمد محمود الذي اتسم بالوسطية في التعاطي مع مجريات الأحداث في فترة عرفت فيها الساحة السياسية أوج أزماتها وطبعتها سجالات حادة بينه وبين الأغلبية التي ينتمي إليها وبين أحزاب المعارضة الغير محاورة التي تميزت وتتميز بمواقف حادة وصلت إلى حد مطالبة الرئيس ولد عبد العزيز بالرحيل. و لم يسلم الحزب طيلة رئاسته بالرغم من قدرته على المعالجات السياسية الهادئة والمتأنية حتى كانت جملة من الاخطاء أثرت في النتيجة العامة التي حصدها الحزب في النيابيات والبلديات الأخيرة وهي الاخطاء التي كان على الحزب أن يراجع على ضوء افرازاتها مسطرته السياسية لتلائم متطلبات الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ولم تكتفي التغييرات بتعيين رئيس جديد للحزب بل طالت تعديلات هامة في مكتبه التنفيذي وبعض هياكله الأخرى.
ولم يمض على ذلك وقت طويل حتى نظمت الانتخابات الرئاسية التي فاز بها الرئيس محمد ولد عبد العزيز وخلال الشوط الأول بمأمورية ثانية.
ولكن المراجعة العامة لسير الحملة الرئاسية اثبتت أن دور الحزب مثله مثل الحملة الرئاسية جاء دون المستوى المطلوب واثبتت أنه لولا الحملة الفردية التي قام بها المرشح عبر كل ولايات الوطن والخطاب الذي استطاع أن يقدم للموريتانيين وكذلك البرنامج الذي وضع لمأمورية ثانية استطاع أن يقنع بانجازات الخمس سنوات المنصرمة، وبأن البرنامج القادم سيتم تنفيذه في إطار مواصلة العمل الذي تم القيام به حتى يصل بالبلاد في حالة من الربط المتواصل إلى مستوى من التنمية يلبي متطلبات الشعب ويلائم مقتضيات الحداثة في ظل دولة القانون العادلة والديمقراطية كما كان واردا في خطاب الحملة وبرنامجها.
ولولا إذن هذا الجهد الفردي المفعم بقوة الارادة والتوفيق في شرح الانجازات التي تمت خلال الخمسية المنصرمة وتقديم برنامج حمل تعهدات جديدة لامست في نوعياتها وما اكتنزت في طياتها من الآفاق المستقبلية شغاف نفوس كل الشرائح المهمشة والمغبونة والمغرر بها ضمن مقاربات سياسية وحقوقية أخرى، لولا كل هذا إذا لما كان لإدارة حملته التي كان طاقمها جيدا ومتنوعا، أن يصاحب هذا الجهد الفردي حتى يستفيد لوضع الحملة في سياقه العملي والمنهجي بشكل مقبول.
وأما الحزب فقد تأثرت حملته التي طبعها ضعف شديد وارتباك ملحوظ بجملة من العوامل التي منها الخارجي والداخلي، فأما الخارجي فقد سببت التغييرات التي جرت على هيكلته عطلا في ميكانيزمات الديناميكية مما قلص عطاء هياكله القاعدية. وكان للحسابات الضيقة التي تأثر بها البعض من المناضلين الذين عرفوا بالنشاط والانسيابية في العمل السياسي رجع غير محمود على مردود العمل عموما وداخل الحزب على وجه الخصوص لما أن كان الأمر كذلك فإن الحزب لم يستطع أن يوجه مناضليه بما كانت تتطلبه وتلح عليه الحملة من جهة ولا كذلك أحزاب الأغلبية بوصفه اكبر حزب فيها من جهة أخرى وظل يراوح مكانه حتى جرت الانتخابات وقد استطاع الشعب بعيدا عن توجيهات الحزب وغيره من الأحزاب والمبادرات التي كان أهلها أقل إقناعا من المرشح محمد ولد عبد العزيز أن يتوجه إلى صناديق الاقتراع ويدلي بصوته في حرية حيرت الأحزاب وقطعت بأيديهم حبائل توجيهاتهم التي تحمل أطماعهم بعد فرز النتائج أكثر من مصالح الشعب وبناء واستقرار الوطن.
وبذلك فإن الانتخابات الرئاسية المنصرمة شكلت في حد ذاتها ومن غير المتوقع منعرجا يفضي إلى الجدية السياسية ويدفع إلى وجوب التغيير في صفوف الزعامات والقيادات محاسبة وتحديدا حتى تظل أنفاس الأحزاب صافية من عوالق الإخفاقات و الخيبات والأخطاء ويظل التغيير يصاحب المستجدات بكل أبعادها وعطائها ولما أن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية بدا مهتما بهذا الوجه من ضرورة التحول ومراجعة المسار وقام عمليا بتحويل ذلك إلى علامات في التغيير فإن الأحزاب الأخرى معارضة ومن الأغلبية مطالبة هي كذلك وفي هذا الظرف الفاصل أن تتبنى هذا النهج فتسائل وتحاسب وتصاحب التحولات وصولا إلى المطالبة بضرورة إدراج معطى التغيير في السنن المؤكدة لعقيدة الأحزاب السياسية و العمل به لاستكمال ملحمة بناء طود النهج الديمقراطي الذي يلائم خصوصيات البلد.
ويبقى أن القيادة السياسية للاتحاد من اجل الجمهورية، التي تأخذ و تعمل مرة أخرى نهج التصحيح واحتساب ضرورة التغيير، مطالبة بالنظر المتمعن إلى واقع الحزب وهياكله و بالوقوف عند مسطرة السلوك العامة المتبعة بداخله وأساليب التعاطي مع المعطى النضالي والعمل الميداني حتى تعيد المياه التي تعكرت إلى مجاريها ويتجه إلى استغلال طاقاته المهدورة ورد الاعتبار لمناضليه الأكفاء الذين استعصوا على كل الهزات التي عصفت بالحزب طيلة مسيرته و بقوا بعدها ثابتين.