بقلم: فتى ولد متالى
مارك إسبر وزير الدفاع الأمريكي ينهي جولته المغاربية دون المرور بنواكشوط … أيعقل هذا؟.. طبعا لن يتبادر هذا السؤال إلى أذهان المشدوهين بعظمة سيدة العالم مقابل دولة لا زالت تخنقها إكراهات البدايات … لكنه بالمقابل لن يغيب عن من سمع أو قرأ أن جولة سيد البنتاغون تحمل في أحد عناوينها المعلنة مكافحة الإرهاب و التصدي لنفوذ الجماعات المسلحة في المنطقة….
جولة الرجل الأولى للقارة عموما خرج منها بنقاط استراتيجية مهمة و ترك بذور أخرى قابلة للحياة … فقد توجت في محطتها الأولى بتوقيع اتفاق للتعاون العسكري مع تونس لمدة عشر سنوات، و العين الأمريكية ترقب فيه مواجهة المخاطر القادمة من ليبيا بعد أن اعترض الرأي العام التونسي في وقت سابق على إعلان القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا « أفريكوم » عزمها إرسال فرق دعم إلى تونس.
فتونس التي توجد بها مقبرة عسكرية أمريكية في قرطاج، - حيث يرقد العسكريون الأمريكيون الذين سقطوا في شمال إفريقيا خلال الحرب العالمية الثانية- سبق و نالت في 2011 دعما من البنتاغون لجيشها بحوالي مليار دولار.
و في الجزائر كانت زيارة مارك إسبر الأولى لوزير دفاع أمريكي منذ زيارة دونالد رامسفيلد في العام 2006، وأعتمد فيها إسبر على الإطراء و محاولة الفوز بتعهدات من الرئيس الجديد تبون، في مجال التصدي للإرهاب و الدور المحتمل للجيش الجزائري في المنطقة بمجرد إقرار الدستور الجزائري، الذي بوب في مسودته على عمليات لحفظ السلام في الخارج.
وفي نهاية الزيارة المغاربية « منقوصة نواكشوط » وقعت الولايات المتحدة والمغرب، اتفاقا عسكريا لعشر سنوات قادمة يتركز حول تحسين درجة الجاهزية العسكرية.
الاتفاقية ستفتح أبواب التعاون الثلاثي بين الرباط و واشنطن و دولا افريقية أخرى -ربما من بينها موريتانيا هذه المرة- لو تم استحضار مناورات “الأسد الأفريقي”.
طبعا لا يفوت على إسبر أن فورة الإرهاب و نشاط الجماعات المسلحة يبدأ فعلا من حيث تنتهي حدود موريتانيا باتجاه دول الساحل كما هو الحال مع الشقية الجزائر، لكن الخوف من إعادة الخطأ الفرنسي ربما أجبر واشنطن على تجربة « التطويق الآمن » و ذلك استجابة لضغط الناخب الأمريكي الذي لم يعد مقتنعا بخسارة الأرواح والأموال مقابل مفهوم الأمني القومي التقليدي.
جولة إسبر في إحدى قراءاتها - وهي قراءه تبرر استثناء نواكشوط- تجعل من موريتانيا دولة ساحلية بالدرحة الأولى قبل أن تكون مغاربية و هي مقاربة تعتمد على مقارنة مجهود نواكشوط مع بلدان الساحل G5 مقارنة بمجهودها في التكامل المغاربي تحت مظلة اتحاد المغرب العربي.
لكن التركيز على دول الطوق الليبي في زيارة وزير الدفاع الأمريكي تشي بمحاولة الولايات المتحدة الظفر بدور أكثرَ فاعلية ومواقع متقدمة في التنافس الدولي على الثروات الليبية بعد أن باتت روسيا و تركيا على الأرض مع توسع الأخيرة باتجاه التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط.
و عكسا لما هو متدول لدى كثيرين فإن لا وجود لتنافس أمريكي فرنسي على المنطقة تم بموجبه استثناء نواكشوط من الزيارة و احتسابها زبونا فرنسيا محصنا، بل يلعب البلدان حتى الآن أدوارا تكاملية من خلال العمل المشترك للأفريكوم و باراخان والحاجة الفرنسية للدعم اللوجستي الأمريكي تعبر طوق نجاة و إحدى ضمانات بقاء لباريس حاضرة مغاربيا وإفريقيا.
فالصراع الأمريكي الحقيقي في منطقتي المغرب العربي والساحل هو ضد الوجود الصيني و التركي و الروسي المتعاظم.