بعد أن غازل الناخبين المسلمين الجزائريين في انتخابات 2017، بقوله إن “الاستعمار جريمة ضد الإنسانية”، كشف الرئيس إيمانويل ماكرون، عن وجهه الحقيقي المعادي للإسلام، بتأييده نشر الصور المسيئة للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، قبيل نحو 16 شهرا من رئاسيات 2022.
لم يتجرأ أي رئيس فرنسي على استعداء أكثر من مليار ونصف مليار مسلم بهذا الشكل الفج والعنيف والصادم مثلما فعل ماكرون، الذي أعلن أن بلاده لن تتخلى عن “الرسوم الكاريكاتورية” المسيئة والمنشورة على واجهات المباني بعدة مدن فرنسية بينها تولوز ومونبولييه التي يقيم فيها عدد كبير من المسلمين خاصة من البلدان المغاربية.
وقبيل 16 شهرا من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، يزايد ماكرون على اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان، لاستقطاب أكبر قدر من أنصاره إلى معسكره، من خلال الهجوم بشكل عنيف على الإسلام والمسلمين بدون استثناء، بعد أن استهدف رمزا من رموزهم، التي عليها إجماع باختلاف طوائفهم واتجهاتهم وجنسياتهم.
ماكرون يستعير من لوبان “قناع الخوف”
“كاهنة الخوف الكبرى”، بهذه الكلمات القبيحة وصف ماكرون، مارين لوبان، منافسته في الدور الثاني للرئاسيات التي جرت في فبراير/ شباط 2017، منتقدا خطابها العدائي ضد المسلمين والمهاجرين على فرنسا وثقافتها العلمانية.
لكن ماكرون الرئيس في 2020، يتقمص نفس دور “كاهنة الخوف” في معاداته للإسلام والمسلمين، ورغبته في خوض حرب ضد ما وصفه بـ”الانعزالية الإسلامية” على طريقة “دونكيشوت ديلامانشا” في قتاله لطواحين الهواء.
حمل لواء الإسلام في 2017 وطعنه في 2020
رغم أن ماكرون المرشح في 2017، كان يحمل “لواء الإسلام” على حد قول الكاتب الفرنسي “ميشال براسبارت”، بهدف استقطاب 6 في المئة من أصوات الناخبين الفرنسيين المسلمين، التي كان من المتوقع أن يتقاسمها كل من مرشح أقصى اليسار جان لوك ميلونشون (4 في المئة)، والمرشح الاشتراكي بونوا هامون (2 في المئة).
ويقدر براسبارت، أن النسبة الفعلية للمسلمين تقارب 20 في المئة (وليس 8.8 كما هو شائع)، لكن ثلث هؤلاء فقط من يشاركون في الانتخابات الفرنسية “بدافع الازدراء للجمهورية، التي لا تتوافق قوانينها مع الشريعة الإسلامية”، على حد قوله.
هذه خطة ماكرون، التي من خلالها خطف أصوات الناخبين المسلمين من اليسار الفرنسي بجناحيه، ليسحق في الدور الثاني مارين لوبان، بتأييد من جميع التيارات الأخرى التي اتحدت ضد اليمين المتطرف.
فأصوات المسلمين كانت حاسمة في وصول ماكرون إلى قصر الإليزيه، بعد أن كانت المنافسة في الدور الأول جد حادة والنتائج متقاربة.
لكن الرئيس الفرنسي الحالي انقلب على المسلمين الذين أوصلوه إلى الحكم في 2017، وأطلق حربه الضروس ضد معتقداتهم، من خلال الإساءة إلى نبيهم (ص)، والادعاء أن “الإسلام في أزمة”، وحديثه عن “الانعزالية الإسلامية”، في إشارة لقضايا حساسة بالنسبة للمسلمين مثل: الحجاب في المدارس، والنقاب في الأماكن العامة، والطعام الحلال (لرفض المسلمين أكل لحم الخنزير واللحوم غير المذبوحة على الطريقة الإسلامية).
صناعة “إسلامي فرنسي”
ورغم أن العلمانية تعني الحياد مع الأديان، واحترام تنوع ثقافات الأفراد.. إلا أن ماكرون، وغيره من المتطرفين، يحاول فرض طريقة عيش على المسلمين تتوافق مع القيم العلمانية ولو تناقضت مع جوهر عقيدتهم، وهو ما يسمونه “الإسلام الفرنسي” بدل “الإسلام في فرنسا”.
وفي هذا السياق تحاول باريس أن يكون لها “إسلامها الخاص”، عبر مجلس الديانة الإسلامية في فرنسا” (CFCM)، الذي أعلن، السبت، أنه يعمل على تطوير “برنامج تدريب مشترك للأئمة” و”خطة لمحاربة التطرف”.
حيث ترغب باريس أن تتولى بنفسها تكوين الأئمة، بما لا يتعارض مع قيمها العلمانية، بدل أن تتولى الدول ذات الجاليات الكبيرة مثل الجزائر والمغرب وتركيا وتونس، إرسال أئمتها إلى فرنسا خاصة في شهر رمضان.
مسلمو فرنسا تحت التهديد
لكن حرب “الكراهية ضد الإسلام” التي يسعى ماكرون لإشعالها، تسببت لحد الآن في مزيد من الاعتداءات العنصرية ضد المسلمين، على غرار الاعتداء الإرهابي الذي تعرضت له محجبتان من أصل جزائري، الأربعاء، حيث تم طعنهما بسلاح أبيض أسفل برج إيفل بباريس.
وبعد يوم واحد فقط، تعرضت فتاتين تركيتان للعنف والتمييز من الشرطة الفرنسية، وأصيبت إحداهن بجروح.
لكن هذين الاعتداءين لم يحركا في ماكرون ساكنا، ولم يُدن التطرف والعنصرية الممارسين ضد النساء المسلمات خاصة، ولم يهدئ حالة الشحن ضد المسلمين، وهو بذلك يحاول إشعال حرب أهلية في بلاده، من خلال بث الكراهية ضد المسلمين، متجاهلا أنهم أصبحوا يمثلون الديانة الثانية في فرنسا.
غاضب ويتراجع
قبيل انتخابات فبراير 2022، اقتنع ماكرون بخسارة أصوات المسلمين، لذلك يحاول المزايدة على اليمين المتطرف لتعويض خسائره الانتخابية المقبلة، خاصة وأن شعبيته تتراجع.
إذ أظهرت استطلاعات الرأي، أجريت في سبتمبر/ أيلول 2020، أن شعبية الرئيس الفرنسي تراجعت من 41 في المئة إلى 38.7 في المئة خلال شهر واحد فقط.
لكن ليست فقط رئاسيات 2022 ما يؤرق ماكرون ويثير غضبه من الإسلام والمسلمين، فهزائمه العسكرية والدبلوماسية في ليبيا، وفشله في استعراض قوة فرنسا في شرق المتوسط وفي جنوب القوقاز (الحرب بين أذربيجان وأرمينيا)، أمام صعود تركيا، يفقدون حاكم الإليزيه برودة أعصابه.
وهذا ما قد يكون دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لدعوة ماكرون لإجراء اختبار حول قواه العقلية.
فالرئيس الفرنسي يتخبط مع بداية العد العكسي للسباق الرئاسي، ويفقد العديد من النقاط كلما اقتربنا من 2022، وفشله في إدارة وباء كورونا يعمق من جراحه.
إذ تجاوز عدد المصابين بكورنا مليون شخص، السبت، وارتفع المعدل اليومي إلى 40 ألف مصاب، ووفاة أكثر من 160 يوميا.
وتداعيات كورونا على اقتصاد البلاد المتراجع أيضا، ستتضاعف مع انطلاق حملة مقاطعة المنتجات الفرنسية في عدة دول عربية وإسلامية، ولا شك أن ذلك سيكون له أثره على استثمارات الشركات الفرنسية وسوق العمل وعلى الناخبين أيضا.
فعندما يهاجم ماكرون الإسلام، ويدافع عن الصور المسيئة للرسول، فكأنه يطلق رصاصة على رأسه، لأن نحو خُمس شعبه مسلمون، وجزء كبير منهم له حق الانتخاب.
وإذا انتفض مسلمو فرنسا في الشارع أو في صناديق الانتخاب فلن يخدم ذلك خطط ماكرون للبقاء في قصر الإيليزيه إلى غاية 2027، فهل ستعيده براغماتيه إلى صوابه؟
(الأناضول)