موريتانيا بلد العلماء والشعراء والصحراء (شنقيط) كما تذكر في المراجع العربية القديمة أرض المنارة والرباط.
عرفها المشارقة من خلال سفرائها الذين كانوا رسل هداية ومشاعل نور، في حواضر الحجاز والشام وأرض الكنانة.
وقد أصبحت تحمل لقب بلد "المليون شاعر" منذ ستينيات القرن الماضي.
موريتانيا وإن نأت بها الجغرافيا عن دائرة الضوء؛ لكنه قلما يزورها ضيف أو يتعرف على ناسها إلا وقع في أسرها وأيقن أنه والآن ـ فقط ـ وصل المرك
............................... محمد ولد سيدناعمر
د.كاميليا عبد الفتاح
ناقدة وشاعرة وكاتبة قصصية مصرية؛
أستاذة مساعدة للأدب والنقد بجامعة الباحة؛
من أبرز مؤلفاتها: القصيدة العربية المعاصرة دراسة نقدية تحليلية في البنية الفكرية والفنية؛
الشعر العربي القديم دراسة تحليلية نقدية في ظاهرة الاغتراب (أبو العلاء المعري نموذجا)
كوني طيوا ـ ديوان شعري، جبال الكحل ـ مجموعة قصصية، العصا السحرية في القرية ـ رواية ...
فازت بالمركز الأول في مجال النقد ـ جائزة عبد الرحمن الأبنودي عن كتابها: مقومات السرد في الشعر الحكائي
سؤال ُمشرع للشعر
من أين يبدأ الحديث عن موريتانيا؟ أرهقتني الحيرة بين عدة اختيارات:
موريتانيا العربية، أم موريتانيا الإسلامية، موريتانيا الأرض والطبيعة المتفردة، أم موريتانيا التاريخ والامتداد في الزمان، ثم وجدت مرساتي تستقر عندما يتصل بالكلمة والإبداع والحرف الموحي، وعطاءات المجاز، فتوقفت عند موريتانيا التي تضم بين جنباتها ما يزيد على المليون شاعر وهو أمر لا يدهش على صعيد الرقم وحده، بقدر ما يضم بين جنباته إشارة قوية إلى ما تبوأه الشعر من مكانة شاهقة في هذه الأرض، وما سيطر عليه من جنبات الروح الإنسانية.
دفع ازدهار الشعر الموريتاني في القرنين:17ـ 18 بعض النقاد إلى مراجعة ما وصفت به هذه المرحلة بأنها عصور انحطاط المخيلة الإبداعية ونتاجها من النصوص الأدبية، إلى حد أن اعتبر الدكتور: طه الحاجري ثمار هذين القرنين من الشعر الموريتاني الحلقة المفقودة في مسيرة الأدب العربي والجسر الممتد ما بين أدب العصر العباسي وأدب عصر النهضة المتمثل في مدرستي أحمد شوقي ومحمود سامي البارود.
ولا تتوقف قيمة الشعر الموريتاني عند سماته الإبداعية الفنية، بل تتعدى إلى حدود اضطلاعه بحفظ السمات المائزة للشعر العربي حتى اللحظة الراهنة التي بما يبقيه شاهدا على التاريخ والقيم التراثية، مشبعا للذائقة العربية الأصيلة.
من المدهش إذن أن يقاوم شعراء موريتانيا إغراء النموذج الشعري الغربي المتمثل في النص الرومانسي والواقعي والرمزي والسريالي ـ وغير ذلك من اتجاهات شعرية ـ لكن الأكثر إدهاشا هو قدرتهم على مقاومة غواية الحداثة ـ وما بعد الحداثة ـ التي اجتاحت جسد القصيدة العربية في كثير من المجتمعات العربية، والسؤال هنا: إلى أي مدى يمكن لشعراء موريتانيا الاكتفاء ـ فنيا ـ بالنموذج التراثي للشعر؟ إلى أي مدى يستطيع هذا النموذج تحقيق الإشباع الفني واستيعاب الرؤى؟
نرى راهن الشعر الموريتاني، وقد امتزجت فيه أصوات هي امتداد للشاعر (الذيب الكبير) وأصوات تبحث عن القصيدة المختلفة ـ السائرة على خطى بودلير ـ وهكذا تطالعنا قصائد كل من: محمد ولد إدومو،أدي آدب، مولاي عبد الله، محمد الأمين ولد المصطفى، ناجي محمد الإمام...
جاسم الصحيح
شاعر من المملكة العربية السعودية؛
ترجم له في عدة موسوعات ومعاجم عربية منها على سبيل المثال لا الحصر: معجم البابطين للشعراء العرب، الموسوعة الكبرى للشعراء العرب، التجربة الشعرية في المملكة العربية السعودية شهادات ونصوص؛
نشر عدة مجموعات شعرية من بينها: ظل خليفتي عليكم، عناق الشموع والدموع، حمائم تكنس العتمة، رقصة عرفانية، أعشاش الملائكة، كاتب الوحي الأخير، ما وراء حنجرة المغني...
فاز بالعديد من الجوائز: شاعر عكاظ 2018، جائزة السنوسي عن ديوانه (قريب من البحر بعيد عن الزرقة 2020).
الصورة الوهاجة
الحق والحق أقول إنني عرفت موريتانيا أنها (بلاد المليون شاعر) قبل أن أعرف موقعها الجغرافي على الخارطة العربية الأفريقية، وقبل أن أعرف أن عاصمتها هي نواكشوط، وقبل أن تربطني بشعرائها الكبار أي علاقة. فمنذ أن تفتَّحتُ على الحياة والقراءة، وأنا أقرأ أن الجزائر بلد المليون شهيد، وموريتانيا بلد المليون شاعر.
في العام 2007 م، ومن خلال مشاركتي في (برنامج أمير الشعراء على قناة أبو ظبي) ، أعدتُ اكتشاف تلك المقولة وتصحيحها، حيث إنّني اكتشفتُ أنَّ الشعب الموريتاني الذي يتجاوز عدده أربعة ملايين إنسان، بأكمله شعراء، وليس مجرد مليون شاعر. اكتشفتُ ذلك من خلال مواقف الجمهور الموريتاني الذي كان يتابع شعراء بلاده في الدورة الأولى من (برنامج أمير الشعراء) ، ويدعم هؤلاء الشعراء مثل الشاعر النجم (محمد ولد الطالب) ، وشيخ الشعراء في موريتانيا (الشيخ أبو شجة).
كانت نسبة المتابعة الأعلى لبرنامج أمير الشعراء تأتي من موريتانيا، وكانوا يحدثوننا عن التعبئة الجماهيرية للتصويت سواءً من جهة الموقف الرسمي للدولة أو من جهة الشعب ذاته. في موريتانيا، يمكن القول إن الجميع سواء كأسنان الشِّعرِ من فرط إيمانهم به، فهم يرون أن الشعر هو الحياة، لذلك دائما ما ينتمون إليه تعبيرا عن انتمائهم العميق للحياة.
لقد ترك الشعب الموريتاني صورة وهَّاجة له في ذاكرتي عبر اللقاءات الشخصية العديدة في المحافل الشعرية، وعبر التواصل الإلكتروني بكثير من أفراده منذ ذلك التاريخ، وعبر متابعة شعرائه المتميزين في الدورات اللاحقة من (برنامج أمير الشعراء)، فهو شعبٌ نبتت جذوره من اللغة العربية، وتشبَّثت بأرض الشعر العربي الأصيل، وسقاها القرآن الكريم شآبيب معانيه السامية.
ولا أراني أبالغ إذا قلت إن هذا الشعب النبيل ينطق في المهد شعرا، ويعيش الحياة شعرا، ويدخل دهاليز السياسة شعرا، ويتناسل شعرا وما دامت هذه حاله مع الشعر، فسوف يبقى له المجد والألق والخلود.
د. يحي وهاس
شاعر وأكاديمي يمني، يحمل دكتوراه في الأدب والنقد؛
حاصل على جائزة رئيس الجمهورية عالي عبد الله صالح في الشعر 2005
صدرت له مجموعات شعرية: على عتبة المجهول ـ وآخر طلقة ـ في غيابة الصمت...
حصل على مركز متقدم في برنامج "أمير الشعراء"؛
الطيور المهاجرة:
في الوقت الذي تنسلخ فيه الأمة العربية عن هويتها ولسانها وزيها وتاريخها نجد هناك في أقاصيها بلدا يحيي هويتها وينعش لسانها ويمجد زيها وتاريخها..ذلك البلد اسمه (موريتانيا) بلد المليون شاعر..بلد يحن إلى ماضيه وتاريخه وحضارته..بلد الطيور المهاجرة التي تركت أعشاشها بعد انهيار السد بسيل العرم..وها هي من جديد تحن إلى أعشاشها..إلى أصلها..أصل العرب والعروبة..في الوقت الذي يتخلى العرب عن عروبتهم نجد هناك في الأقاصي شريان حياة ما زال ينطق..اسمه موريتانيا..
أنا فخور بموريتانيا ـ التي لم أزرها ـ وبأهلها وأتمنى أن أهاجر إليها ذات يوم؛ كما هاجر أسلافها، فقد انهار السد العربي مجددا بسيل التغريب ووحشة الغربة