بقلم: الديبلوماسي عبد القادر ولد أحمد
الرفيق بدن ولد عابدين قال : أخي العزيز عبد القادر محمد؛ متابعةً لما سبق إن كتبت لكم فى الحلقات الماضية حول صيحة المظلوم وظروف إصدارها فى السنين العجاف الخوالى، يستوقفني الليلة إنجاز عدد آخر من صيحة المظلوم ، أجاز المحررون المقالات فى قاعة التحرير وهي غرفة ضاقت مساحتها مدخلها أقرب الى النافذة منه للباب، جدرانها عبثت بها صروف الليالى فتشققت يميناً وشمالاً،تُغطيها صفائح الزنك المقعرة، لا تُمسك ماء المطر ولا تمنع الغبار، يتساقط علينا من السقف فيلبسنا رداءً يلتصق بثيابنا الرثة أصلاً فيصبغها بلون التراب الممزوجة بالطين.
وبعد تنظيف القاعة من الأوراق وقصاصاتها وحين جنحت الشمس الى الغروب توجهنا جميعاً الى كثيب يقع جنوب شرق انواكشوط توجد عنده أدوات الطباعة ومستلزماتها مخبأة تحت شجرة كبيرة صمدت بأعجوبة ضد عوامل التصحر والجفاف، صمود الكادحين أمام الطغاة الظالمين.كأننا والشجرة فى الدنيا غرباء وكل غريب للغريب نسيبُ.
وصل فريق التحرير متعدد المهام جذع الشجرة عند الكثيب، أسدل الليل ظلامه على المكان ولفه صمت تتخلله بين الفينة والأخرى أصوات الطيور تتنادى عائدة الى أوكارها ضمت مجموعة الرفاق :أحمدو عبد القادر و فاضل الداه و يسلم أبن عبدم والمخطار حي، أخرجنا الأجهزة والأدوات من باطن الارض نفضنا عنها الغبار بنينا "غبة الطباعة" وهي خباء مستدير ، مقوس الشكل حِيكٓ من القماش الأسود لا يتسرب الضوء منه ليلاً حتى لا يهتدي اليه الأعداء المتربصون الخباء مصمم لشخصين لا ثالث لهما، صاحب الطباعة ومساعده لضرورة الإملاء أثناء الطباعة البطيأة، يتبادل الثلاثة الباقون أدوار الإملاء والحراسة بين الحين والآخر يدورون حول الخباء ترقباً لأي طارق.
الزمان: صيف عام ١٩٧١، في عز الحر والسّمُوم ، كنتُ أول من دخل الخباء مع الرفيق يسلم شفاه الله بعدها تبادلنا الأدوار حتي انهينا العمل مع بزوغ الفجر.
أتذكر اننا كنا نخرج من "الغبة" منهكين نتصبب عرقاً لارتفاع الحرارة داخلها.
إنها تتحول الى فُرْنٍ يشوى الوجوه، لا يُطاق تنبعث منه رائحة مصحح استنسيل الكريهة والعرق المتصبب من الأجسام.
شرعنا فى تناول الطعام كانت مصادرنا شحيحة لا تسمح بكثير من الترف، جُلٌنا ثوريون محترفون وهم رجال وهبوا حياتهم، ليلهم ونهارهم لهٓمّ الكادحين والمظلومين .
كنتُ حينها صاحب بيت المال ،خلال حصص النقد والنقد الذاتي يقول بعض الحاضرين تلميحاً وتارة بصريح العبارة أني لست مبسوط اليد عند الصرف فأتأسف لقلة ما فى اليد وأعد ببعض التحسينات قد لا تنفذ كلها . نصيب الفرد من الطعام ليس كثيراً: علبة صغيرة من السردين هي عماد الوجبة السريعة الجاهزة
خلال العمل ليلا لإعداد الجريدة خارج المدينة تصحبها قطعة متوسطة من الخبز.
للوضع المذكور استثناء تنقُص فيه الموارد عندها نشُدٌ الأحزمة ونُقسمُ الحصة حصتين رغم اعتراض المعترضين.
حاصله أنه بعد انتهاء الطباعة وتناول العشاء سلمنا الامور جاهزة لفريق المهمات الخاصة فوقع أمرٌ غريبٌ !!!
-..- ر جل أمن يداهم الفريق بحثا عن خنزير ....
قال الراوي: وعجيب ! حدثني قائد فريق المهام الخاصة انه بعدما دخل عناصره تحت الارض فى مكان يُغلق
بعد دخولهم وتُنثر فوقه التراب ويُنشر عليه حصير وفراش عاديي يأخذ الحراس مكانهم، تنتظم الاسرة المؤلفة من أم وأب واطفال لهم شياههم وحمارهم وأدوات طبخهم ، بينما كانوا هاكذا إذ دخل عليه الحارس ونبههه أن أمراً مريباً يدور قرب حديقةٍ لتربية الخنازير غير بعيد من كوخه وأنه شاهد رجل أمنٍ بكامل زيه الرسمي وسلاحه يدور حول المكان عينه على حديقة الحيوان ظن القائد الفطن أن الامر مصروف عن ظاهره وان توجيه الزائر غير المرغوب فيه نظٓرٓهُ الى الخنازير مجرد تمويه وخدعة حرب فأمر فوراً رجاله بالاستعداد للأسوأ ،وتفعيل الخطة "ب " وشرع فى الإعداد لها . وكانوا تمرنوا عليها مراراً خلال تكوينهم ، محاورها: ١- إتلاف الوثائق بوسائل جاهزة فى عين المكان 2-إخلاء المكان بسرعة من الأفراد والآلات وطلب الاسناد من الفرق الاخرى المتواجدة فى الأحياء الشعبية المجاورة حيث كنا كالسمك فى البحر.
تابع الراوي حديثه قال: كنا نراقب الوضع المريب من خلال ثُقوب فى كُوخِ المراقبة . واصل رجل الأمن الدوران، انتهز فرصة ذهاب حارس الحيوانات الى دكان مجاور،فوثب من فوق سياج الحديقة ،دخل فيها بينما تصاعد الغبار من المكان ،ارتفع البُرٓى وهو صوت الخنزير بالعربية، ولما انقشع الغبار وعاد الهدوء خرج
رجل الأمنِ من المكان وأبتعد ينفُضُ الغبار عن بدلته الرسمية وسار نحو قلب المدينة واختفى عن الأنظار أضاف الراوي انه لما هدأت الأمور وعاد حارس الحيوانات الى عمله سأله عن رأيه فى سبب حضور رجل الأمن المريب وماذا كان يفعل بين الخنازير أجاب الحارس إجابة الواثق من تفسيره المؤمن بما ذهب اليه ان الامرمتعلق بأمراض لا دواء لها علاجها فى السحر الأسود وان السحرة الدجالين يوجهون مرضاهم يقتلعون عينات من الحيوانات المسكينة يضعونها فى خليط غريب يشربه المريض معتقداً أنه شفاءً للمرض، واختتم الراوي حديثه موجهاً كلا مه إليّ " بلغ الرفاق فى صيحة المظلوم أن شعبنا فيه فئة تُؤمن بالخرافات وأن واجبهم كتابة مقالات كثيرة لننتصر على الدجل البغيض" ،قلت سوف أبلغهم