زقاق الكذب

رسالة الخطأ

Deprecated function: preg_match(): Passing null to parameter #2 ($subject) of type string is deprecated in rename_admin_paths_url_outbound_alter() (line 82 of /home/amicinf1/public_html/sites/all/modules/rename_admin_paths/rename_admin_paths.module).
خميس, 2014-09-11 14:25

1ليس هناك لغة أجمل من لغة الكذابين.
خصوصا إذا كانوا رواة بارعين، وذوي إطلاع عجول على نتف نادرة من الضعف المعرفي لدى السامع والقارئ.
لذلك تراهم دائما وأبدا، يمتدحون الظاهر والمفارق، ويرذلون الباطن والمتطابق، ويقلبون الكتابة على أكثر من وجه تى لا يحتمل أي تأويل محدد.
وأكثر من ذلك، فإنهم يكنزون لغتهم بمحصنات بلاغية ومساحيق كيمياوية شتى، إلى حد تفقد معه جوهرها وتصبح قابلة لكل قراءة.
لا يهم الكذابين أن تتناقض لغتهم، وان تخرج استنتاجاتهم من افتراضات لا وجود لها في مقدماتهم المشدودة قوائمها إلى الفراغ الرهيب.
كل ما يهمهم هو إطراب الطبلة البرانية للأذن واستغلال اللحظة اللغوية لاجترار مفردات القاموس الأكثر حموضة وشياكة
2
الجمال ! الجمال ! الجمال !
ذلك هو الشعار البلاستيكي للكذابين من نجاري اللغة وحداديها الغلاظ الأكف.
وهو شعار ذهب ضحيته أكثر من قضية وشخص، وساهم في تشويش مشهد الكتابة المشوش، بدوره، منذ قرون، لأسباب شتى ليس أقلها اهمية أننا نعيش الأكاذيب كوقائع والوقائع كأكاذيب، بسبب انفصامات ثقافية يبدو أنها مزمنة وواعية.
وعلى العكس من لغة الإبداع الفذ الصادق، لا يستند جمال لغة الكذابين إلى أية حقيقة : حسية كانت أو معرفية أو خيالية معاشة.
لذلك ينزلون بالكذب من مرتبة الاستعارة الخلاقة إلى مرتبة الغش الأخلاقي المفضوح الذي لا يزدهر إلا في الغفلة العامة.
3
إن أعز مطلب لدى أصحاب اللغة الكاذبة هو فصل النص عن السلوك الأدبي لصاحبه.
هكذا يضمنون لأنفسهم حياتين أدبيتين في ذات الحياة المفردة.
واحدة معلنة للحس العام حيث يتكثف النفاق الجماعي. وأخرى مخفية، تناقض الأولى، وتتبدل بحسب تبدل المخاطب !
واحدة مكتوبة بتدابير إبليسيّة ماكرة وأخرى شفوية لا تستقر على مدلول نهائي !
4
ماذا سيبقى من الصعاليك، وأبي نواس، ورامبو، ونيتشه وجان جينيه ومحمد شكري، مثلا، إذا فصلنا أيامهم عن لياليهم وسيرهم عن أدبهم ؟
سؤال يتجنب أصحاب اللغة الكذابة طرحه وحتى مجرد سماعه، دون الشعور بالخجل من المفاخرة بهذه السير وبهذه الآداب مفصولة عن بعضها البعض !
5
ما قبل المسؤولية والمدنية تحاول اللغة الكاذبة وأصحابها إيجاد موطن في العمران البشري الذي تجاوز صقل الحجارة بغرض الصيد، وصار يطل من القمر على هذه الأرض الصغيرة الجميلة.
وسبب ذلك أنهم لا يزالون مولعين بالمفردات وعاجزين عاجزين عن الارتقاء بها إلى كلمات نابضة، ومن ثم إلى نصوص أصيلة ذات أساليب متميزة.
ما قبل المسؤولية يصرون على العيش بسلام، بين ضحاياهم من الشهود :
يستجلبون الدّموع من مياه النهر
والكلمات من مقاطع الحجارة الرمادية
مستكثرين على من خالفهم السلوك ، مجرد المعاناة مع النص، والصدق مع الذات !
6
« يا علي إيّاك والكذب فإن الكذب يسوّد الوجه !»
حديث نبوي
*اديب تونسي

اولاد احمد