بقلم: ا لأستاذ إسلمو أحمد سالم
اختيار قيادة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية كانت في ظروف استثنائية ، فقد تم انتخابها، في فترة مازال الخطاب السائد هو " مواصلة النهج" و مازال المسؤولون يكررون أن النظام هو استمرار للنظام الذي سبقه ، و ظلت نفس الأوجه التي كانت تحيط بالنظام السابق سياسيا و تنفيذيا في الصدارة ، بل برز من بينها متهمون بالفساد مشمولون مع الرئيس السابق ، يتضح من خلال ملف التحقيق و الإجراءات القضائية أنهم وصلوا مرحلة يتحتم فيها إجراء محاكمات .
كان تعاطي قيادة الحزب مع ملف الفساد عكس التيار ، عندما صرح "مهندس عملياته" أن الحزب ينبغي أن يدافع عن المتهمين من أعضائه حتى تتم تبرئتهم أو إدانتهم..
و خلال المراحل اللاحقة كان المشمولون في الصفوف الأمامية من كل النشاطات ، بل ظهروا مكلفين بمهام، و كل ذلك كان على حساب صورة الحزب عند الرأي العام الوطني الذي يصبو للتغيير ، و صورة السلطة التنفيذية التي يعتبر الحزب الجناح السياسي الداعم لها..
جميع الورشات و الأيام التفكرية التي تحدث الحزب عنها لم نر لها مخرجات تم تناولها في الإعلام ، فما الذي توصل إليه الحزب كمقترح حول "الوحدة الوطنية"، و ما الذي قدمه كتصور للقضاء على "مخلفات الرق" ، فقد اتضح أن قيادة الحزب لا تملك رؤية ،و لا استراتيجية واضحة للتعاطي السياسي، و إنما تقوم بإرهاصات ذات طابع ارتجالي لتبيان أن الحزب يقوم بنشاطات ، ثم تخبو الحركة بعد سلسلة من الصور و اللقاءات و الخطابات الجوفاء ، دون مصاحبة إعلامية جادة ،أو استغلال مسؤول و مقنع للإعلام من أجل تقديم صورة تتماشى و طموح السلطة التنفيذية ..
و يرى المراقبون أن الدور الذي يبدو أن قيادة الحزب تركز عليه هو محاولة تبييض وجوه العشرية و تقديمها للرأي العام في تحدي واضح لمشاعر المواطنين الذين ينتظرون أن تسفر المحاكمات عن استعادة الأموال و محاسبة المفسدين ، و الأهم من ذلك كله خلق رادع مستقبلي يعرف كل مسؤول من خلاله أنه ستتم محاسبته و معاقبته.
تابعت أول أمس اجتماع المكتب التنفيذي للحزب ، و بدا و كأنه فرصة لتمرير صور المشمولين أمام الناس ، و لم يخرج الخطاب عن ديماغوجيته المعهودة التي تتحدث عن المرجعية و دعم برنامج رئيس الجمهورية و ذكر الرحلات و التنقلات ، و لكننا لا نعلم كيف جسد الحزب هذه المرجعية، و لا كيف قدم الدعم و لا المقترحات التي قدم للحكومة من خلال ورشاته و لقاءات .
هزات كبيرة تعرض لها البلد و لم تلحظ دورا الحزب فيها ، ففي المجال الأمني ظل الحزب في حالة سبات و السلطات الأمنية تصارع من أجل تأمين المواطنين و الساحة الإعلامية تعج بالشائعات التي تريد من خلالها جهات معينة ترويع المواطنين ، حتى إذا وصلنا إلى حالة من الاطمئنان خرج الحزب بنقطة صحفية خجولة خارج العاصمة ليتحدث عن الأمن و الشائعات.
و عندما قرر رئيس الجمهورية زيارة الضفة لإطلاق مشاريع تنموية لصالح البلد ، انطلاقا من رؤية واضحة بضرورة ضمان الاكتفاء في مجال الغذاء ، انطلقت كرنفالات قيادة الحزب إلى الولاية تحت شعار "إنجاح الزيارة" و قد تبين أن الإنجاح في مفهوم قيادة الحزب هو الحشد و اللافتات و السيارات و حجب الوفد عن المستهدفين ، فضلا عن أعباء الضيافة و المهرجانات الفارغة و التي لم تتحدث عن المقدرات الزراعية للضفة و لا عن ضرورة الاستثمار في الزراعة، و لا عن الأمن الغذائي و ارتباطه باستقلال البلد الاقتصادي.
أعتقد أن رائيس الجمهورية وصل لقناعة راسخة بأن ثلاثة أشياء لم تعد تصلح لتطبيق برنامجه الذي وثق به الشعب :
- أن أغلبية الأدوات التنفيذية للنظام السابقة لا تستطيع مواكبة البرنامج، و مسح الطاولة بها سيغير من عقلية المواطن و يخلق شعورا بجدية البرنامج، مما سيدفع المسؤولين الجدد و المواطنين إلى خلق حالة من التعبئة في من أجل تنمية البلد .
- أن البرلمان الحالي ، الذي وقع أغلبه على المأمورية الثالثة ، و يمضي أغلبه جل أوقاته في حركة بين القطاعات للبحث عن زبونية أو مهام خصوصية، لا يمكن أن يعتمد عليه كسلطة تراقب و تقترح و تحاسب ..
- أن الحزب الحاكم بحاجة إلى إعادة ترميم بإزالة نقاط الضعف و تنقيته من الأوجه الممجوجة ، و تلك التي يتم تسييرها عن بعد ، و ذلك من أجل خلق إطار سياسي مقنع له رؤية ، و تتمتع قيادته بالكفاءة اللازمة لتلبية طموح رئيس الجمهورية و رغبة المنتسبين الذين يؤمنون بهذا الوطن ..
أعتقد أن أي برنامج محل ثقة يتطلب أدوات تنفيذ و أدوات رقابة و أدوات دعم ذات مصداقية و كفاءة يعتمد عليها ..