طالعت بيان الأحزاب المعارضة، الذي تم توزيعه منذ يومين ، و الذي أبان للرأي العام الوطني عن نفس السيمفونية التي عزفت عليها تلك الأحزاب منذ عقود، و عن نفس القضايا التي استثمرت فيها ، داخليا و خارجيا، منذ زمن، و هي قضايا الرق و الإرث الانساني ، و التي ترتفع وتيرتها حسب حالة "انفاظ" و حالة الرضى و السخط على الحاكم.
و قد اختزل البيان الاخفاقات - على حد تعبيره- في الصحة و التعليم و التشغيل و الأمن ، فيما غابت أهم القطاعات المدرة للدخل لميزانية الدولة كالتعدينو الصيد و الزراعة و التنمية الحيوانية ، كل ذلك مع غياب رؤية واضحة للحل، و عدم تقديم خطة بديلة عن خطة الحكومة.
بعد المؤتمر ، أطلق الرئيس مسعود ولد بلخير تصريحا شديد اللهجة اتهم فيه الحكومة و الرئيس بالفشل ، و صب جام غضبه على طريقة التسيير و على ما سماه انفلات الأمن ، و اعتبر أن الوحدة الوطنية في خطر نتيجة التهميش و الغبن .
و في ما قد يفهم أنه ردة فعل إيجابية من رئيس الجمهورية ، تم استدعاء جميع رؤساء الأحزاب الممثلة في البرلمان إلى لقاء في القصر الرئاسي مع رأس السلطة ، و قد استغرب الرأي العام الوطني رفض التحالف و تواصل و حركة التجديد للمشاركة في اللقاء . فيما تم استقبال رئيس حركة التجديد السيد إبراهيما صار وحده من قبل الرئيس ..
و الحقيقة أن المواطنين خبروا حراكات الرئيس مسعود و تجليات سياساته التي تتناسب و ميزاجيته اتجاه الرئيس ، و لا يفوت الرأي العام عدد الأعوام التي قاد فيها الرئيس مسعود المجلس الاقتصادي و الاجتماعي دون برامج أو رؤية أو نشاطات ، كما لا تخفى التناسبية عنده بين ميزاجه و مستوى إشراكه. و لعل النائب بيرامه أصبح إقناعا من الناحية السياسية و الناحية الحقوقية .
و أما حزب "تواصل" ما بعد جميل، فقد أثرت على رؤيته السياسية المنطلقة من مبادئه على رغبته الجامحة في الحضور الانتخابي، مما أفرز قيادات و ممثلين بعيدين عن ثوابت الخلفية الحركية، و لعل الظواهر المتمثلة في زعيم المعارضة و النائب السعداني و النائب أنيسا با أكبر تجليات الشرخ البين بين الطرح الإيدولوجي و الواجهة السياسية.
و لا يفوتني أن أسجل انخفاض مستوى الشحن الشرائحي لدى الرئيس بيرامه ولد الداه و الرئيس إبراهيما صار .
و لعل الملح في المقابل هو أبعاد الأفراد ذوي التوجه القومي في الحزب الحاكم عن المشهد، لخلق أرضية للاتفاق من خلال التشاور على مجمل القضايا الكبرى التي تهم البلد ، كالهوية و الثقافة الجامعة، و الحكم الرشيد و التعليم و العدالة الاجتماعية و غيرها.
ثقتي كبيرة باستمرار رأس السلطة في عملية إرساء أسس ثابتة لبناء الجمهورية، و في قطيعة تامة مع الماضي و تجلياته و أدواته ، كما أنني أثق تماما أن إرادة التوافق لن تدفع السلطة إلى محاباة المعارضة و الخضوع لمحاولاتها ابتزازها بالطرق الممجوجة ، من إثارة للشرائحية و قضايا التهميش و الإرث الانساني.
و يبقى خطاب المعارضة يدور بين الشد و الارتخاء حسب مستوى درجة "الرطوبة" و "الجفاف" في العلاقة مع السلطة القائمة ..