ما يزال تقليد «ختان البنات» هو العادة المنتشرة في مجتمعي السنغال وموريتانيا، تستعصي على حملات التوعية التي تقوم بها الحكومات والمنظمات الدولية والأهلية الناشطة في مجال إيقاف العنف ضد المرأة.
ويعرف موقع صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة ختان البنات بأنه تعبير يقصد به «كل العمليات التي تهدف لإزالة جزء أو كل الأقسام التناسلية الخارجية للفتاة».
ومع أن فقهاء موريتانيا يؤكدون أن لا علاقة لهذه الممارسة بالدين، فإن مسنات المجتمع يعتقدن بالتوارث عن الجدات أن «استئصال قلفة البنت والأجزاء الناتئة من أشفار فرجها، هو استئصال لحظ الشيطان القابع في هذه النقطة، وسيجعل هذه الفتاة في مأمن من الشبق النسوي الذي قد يدفع بالبنت نحو ممارسة الرذيلة في حالة ما إذا استعطى عليها الزواج».
هروب عن الإعلام
بعد حالة التخويف والردع التي قامت بها الجهات المهتمة بأيقاف الخفاض في أوساط مجتمع الأعماق أصبحت الخاتنات والمختونات يهربن من الحديث للصحافة ويمتنعن عن التصوير، أما عمليات الختان فتتم في تكتم شديد خوفا من السلطات ومن المنظمات غير الحكومية الناشطة في متابعة الظاهرة.
تقول «م.س.م» وهي فتاة مختونة، «كان عمري سبع سنوات عندما حدث ذلك المشهد المرعب الذي لن أنساه أبدا، ألا وهو يوم ختاني».
آيات ثم قطع
وأضافت «أجلستني ثلاث نسوة مسنات وفرقن قوائمي بعنف شديد وبعد دقيقة قرأت إحداهن آيات من القرآن وأنا أرتجف تحتهن، ثم كان أن أحسست بألم شديد داخل فرجي..وفي نهاية العملية قمت وأنا أمشي بصعوبة لشدة ما أشعر به من احتراق وألم».
الموقف نفسه عاشته فتيات كثيرات في موريتانيا والسنغال حيث تنتظر أبشع ممارسة تحرم المرأة من التمتع بحياتها الجنسية.
الشفرة الحادة
أما «ن.أ» وهي فتاة مختونة فأكدت لـ «القدس العربي» أنها لا تنسى أبدا تلك الشفرة الحادة التي رأتها بيد الخاتنة، ولا تنسى أبدا أنها رأت الشفرة وعلى حافتها شيء من دم فرجها، أما الآلام التي رافقت تلك العملية فهي منغرسة في عمق روحها إلى الأبد، حسب تعبيرها».
والغريب أن مجتمع قومية (الوولوف) في السنغال، كما شرحت السيدة بندا جوب ضحية الختان الناشطة في مجال مكافحة الخفاض لـ «القدس العربي» «تعتبر أن الفتاة المختونة أطهر من غيرها ولها تقدير كبير في مجتمعها لأن حظ إبليس في فرجها وروحها قد انتزع».
وفي مجتمع قومية (السوننكي) حيث تنتشر ظاهرة الختان تؤكد الناشطة الإجتماعية خدي سين «أن الراغب في الزواج عندما يرسل أمه لتخطب الفتاة لا بد أن تتأكد (بالكشف المباشر عند اللزوم) أن المخطوبة مختونة بالفعل خوفا من أن تمارس الزنا في غياب زوجها بسبب إلحاحات الرغبة».
إحصائيات مخيفة
وحسب إحصائيات أخيرة لمنظمة نشاط (َAction) «فقد وصلت نسبة انتشار ختان الإناث في المناطق الجنوبية لموريتانيا، إلى 70٪ خلال عام 2012 في ولاية غيدي ماغا عموما، لكن النسبة ترتفع في قومية السوننكي لتصل إلى 98٪ ، أما في ولاية غورغول حيث تتعايش قومية السوننكي مع قومية التكلور فقد وصلت النسبة إلى 97٪ ، مع تسجيل بعض الحالات في أوساط مجتمع البيضان (العرب)»، حيث يجري التكتم الشديد على الختان».
وتؤكد تقارير المنظمة الموريتانية للنساء معيلات الأسر لعام 2013 «أن نسبة انتشار ختان البنات في المناطق الداخلية تزيد عن 73 في المئة».
للختان فوائد ؟
وتعتقد الناشطة الإجتماعية آمنة بنت أعل « أن الإعتقادات الدينية البالية هي السبب في تمسك المجتمع الموريتاني بالختان، حيث يعتقد الكثيرون «أن الدين الإسلامي يوصي بختان البنت قبل سن خمس سنوات لتطهيرها حتى تكون مؤهلة لممارسة الشعائر الإسلامية كالصوم والصلاة، وهناك من يعتقد أن الختان يقي البنت من العقم وبقية الأمراض الخطيرة».
أما الهدف الأساسي من الختان، تضيف بنت أعل، فهو تحصين الفتاة من الشهوة الجنسية، مما يضمن حصانتها إذا غاب زوجها لفترة طويلة.
قفل الجهاز التناسلي
وتتحدث الناشطة الإجتماعية فاتو جابيرا عن ممارسات أخرى منتشرة في أوساط المجتمع السنغالي وفي جنوب موريتانيا بينها ظاهرة «الإقفال» وهي سد بوابة الجهاز التناسلي والبولي للبنت في مرحلة مبكرة من العمر وترك منفذ ضيق للتبول.
وأكدت الناشطة جابيرا «أن حملات التوعية المبينة لمخاطر هذه الممارسات لا تجد آذانا صاغية لأن الكثيرين يعتقدون أن الختان واجب ديني وأن المنظمات الناشطة في مجال مكافحته يحركها النصارى أعداء الإسلام الذين يبيحون الزنا».
وتطالب الناشطة الإجتماعية آمنة بنت أعل الفقهاء بتعميم نصائحهم الناهية عن ممارسة الختان والمبينة لحرمته، على جميع فئات المجتمع للمساعدة في تطبيق القوانين الرادعة ولضمان نجاح حملات التوعية التي صرفت فيها منذ عقدين جهود وأموال كثيرة.
خطة وطنية وتراجع
ولمواجهة ممارسة الخفاض، تعمل وزارة الشؤون الاجتماعية والأسرة في موريتانيا حاليا على تنفيذ إستراتيجية وطنية، تهدف بالأساس إلى توعية المجتمع وخاصة في المناطق الأكثر تهميشا وهشاشة في القرى والأرياف حيث يعتبر الخفاض تقليدا دينيا وعرفا اجتماعيا.
وأكدت الوزارة في تقريرها السنوي لعام 2013م «أنها تركز كل جهودها لإشاعة الوعي بخطورة ظاهرة الخفاض وإقناع الأهالي بضرورة التخلي عنها نهائيا مما ساهم بشكل كبير في الحد من هذه الظاهرة». وتركز الوزارة حملاتها للتوعية على الولايات الأربع التي تكثر فيها هذه الممارسة (الحوض الشرقي٬ لبراكنه٬ غورغول٬ تكانت) حيث شملت هذه الحملات حتى الآن أكثر من 272 ألفا من البالغات.
وقدر التقرير «نسبة الاستجابة للتخلي عن الخفاض بحوالي 77 في المئة٬ مما يشير إلى أن الظاهرة في طريقها إلى الزوال خلال سنوات قليلة».
فتوى وفتوى..لكن
وكان أربعة وثلاثون إماما وعالما موريتانيا قد وقعوا في اجتماع أخير لهم فتوى مشهورة ضد الخفاض، وذلك بحضور ممثلين عن منتدى الفكر الإسلامي والحوار بين الثقافات والحكومة الموريتانية ومنظمة اليونسيف.
وناقش العلماء موضوع الخفاض الذي ظل الكلام فيه من التابوهات والمحظورات وقرروا إدراج الدعوة لبيان مخاطره في الخطب الجامعية وفي الدروس الدينية. ونصت هذه الفتوى على «حرمة الختان لما يتسبب فيه من مضار بدنية ونفسية».
ورغم الفتاوى الفقهية التي تحرم الظاهرة٬ والجهود الحثيثة التي تبذلها الدولة والمنظمات غير الحكومية وفعاليات المجتمع المدني٬ فإن ظاهرة الخفاض٬ الذي تعرفه المنظمة العالمية للصحة بأنه «إزالة جزء من الأعضاء التناسلية للأنثى إزالة كاملة أو جزئية لأسباب ثقافية أو دينية»، ما تزال منتشرة في معظم الولايات الموريتانية٬ حيث تؤكد دراسة أعدتها الوزارة المعنية أن 72 في المئة من النساء الموريتانيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و45 سنة خضعن للخفاض في مراحل مبكرة من طفولتهن٬ الأمر الذي جعل موريتانيا تحتل المرتبة الثامنة عالميا من حيث انتشار ظاهرة ختان الإناث.
الختان ليس واجبا
ويؤكد الفقيه السنغالي محمد الماحي علي «أن عادة الختان لا تجوز في العصر الحالي من وجهة النظر الشرعية استنادا الى نتائج العديد من المؤتمرات العالمية التي نظمتها منظمة الصحة العالمية بحضور العديد من علماء الدين والأطباء، رغم أن المنظمة تحفظت على تجريم من كان يمارس تلك العادة في السابق».
ويؤكد «أن موقف الشرع تابع للرأي الطبي المختص، فكل ما يؤكد الأطباء ضرره على صحة الإنسان يلتزم الشرع بتحريمه، لأن الله يكرم الإنسان ولا يوجب عليه ما يضره في حياته».
وبما أن «ظاهرة الختان تسببت في وفيات وفي إعاقات خطيرة فهي من هذا الوجه محرمة شرعا».
ويوضح « أن الإسلام لم يوجب الختان فهو عادة اجتماعية قديمة يمارسها البعض، والغالبية لا تقوم بها وما لم يكن واجبا في الدين فإن تركه لا عقوبة فيه مطلقا».
ويضيف «للأسف، ربطت أجهزة الإعلام بين هذه الظاهرة والإسلام وقام بعضهم بنشر معلومات مغلوطة مفادها أن الإسلام يعدها سنة أو واجبة ولذلك يمارسها المسلمون».
رفض للممارسة
وسبق للمجلس الإسلاميّ البريطانيّ، وهو أكبر منظَّمة إسلاميَّة في المملكة المتحدة، أن أكد في بيانٍ أصدره في حزيران/يونيو الماضي «رفضه عمليّة ختان الإناث المتزايدة في المملكة المتحدة، نافياً أن يكون لذلك أيّ علاقة بتعاليم الإسلام».
وبحسب البيان، فإنّ المجلس يعتزم إطلاق حملة توعية للتصدّي لهذه الظّاهرة، من خلال توزيع منشورات على خمسمئة مسجد في بريطانيا، إضافةً إلى عدد من المراكز الاجتماعيّة، بالتّعاون مع منظّمة دعم المرأة الأفريقيّة، ولجنة الرّعاية الروحيّة للمسلمين في وزارة الصحّة.
وقال أمين عام المجلس «سنكون سعداء إذا تمكّنّا من القضاء على هذه الظّاهرة، وضمان عدم إلصاقها بتعاليم الدّين الإسلامي».
الختان عنف
ومهما تعددت الأهداف التي تمارس عملية ختان الفتيات من أجلها، فإنها تبقى في نظر المحافل الدولية المعنية بحقوق الإنسان عملية عنف تمارس ضد الفتيات، وتصرفا تمييزيا، لذلك ورد شجبها وتحريمها في عدد من المعاهدات مثل المعاهدة المتعلقة بكل أنواع التمييز ضد المرأة التي تحث في مادتها الثانية الدول الأعضاء على «إدانة كل عمليات التمييز ضد المرأة» وتذهب في مادتها الخامسة إلى حد حث الدول الأعضاء على «إدخال تغييرات على التصرفات الاجتماعية والتقاليد بهدف وضع حد للتصرفات المروجة لتفوق وعلو أحد الجنسين على الآخر».
ترسانة قانونية دولية
وفي معاهدة الأمم المتحدة لحقوق الطفل، تحث المادة 19.1 الدول الأعضاء على اتخاذ كل التدابير لحماية الطفل من كل أنواع العنف حتى وهو تحت رعاية أبويه أو وليه، كما تحث معاهدة حقوق الطفل في مادتها 24.3 الدول الأعضاء على اتخاذ التدابير الفعالة والملائمة لإلغاء الممارسات التقليدية المضرة بصحة الطفل؛ وتنص في المادة 37 أيضا على عدم إخضاع الطفل للتعذيب أو للمعاملات المخلة أو غير الإنسانية.
كما يُنظر إلى ختان البنات من طرف المنظمات الأممية المختصة وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية، على اعتبار أنها ممارسات «تخلف أضرارا كبرى بصحة الفتاة».
وفي ندوة جنيف التي انعقدت يوم 6 شباط/فبراير 2008، شددت ليلي باتهيجا من منظمة الصحة العالمية على أن لعملية الختان «أضرارا آنية وأخرى على المدى البعيد» ومن الأضرار الآنية ما تعانيه الفتاة أثناء العملية وما قد ينجم عنها من نزيف وصدمة وانتفاخ وتعفن قد يمس باقي الأنسجة المجاورة.
وترى الخبيرة الأممية أن 50٪ من حالات ختان البنات تتطلب عملية إضافية نظرا لعدم التمكن من علاج الأعراض الجانبية.
وعلى الرغم من ندرة الدراسات المتوفرة في هذا المجال إلا أن من الأعراض المترتبة عن عملية الختان «حدوث تعفن في بعض الأقسام الجنسية، وتخوف من العملية الجنسية عموما» حسب خبيرة منظمة الصحة العالمية.
ومع إقرار الخبيرة باللجوء المتزايد إلى المراكز الطبية في بعض البلدان لممارسة عملية ختان البنات، مراعاة للظروف الصحية، إلا أنها أوضحت أن المنظمات الأممية «تدين هذا اللجوء للمراكز الصحية لأن ذلك يعمل على استمرار تقاليد ختان البنات».
القدس العربي