منذ أسابيع، تصَّعد المعارضة الموريتانية من حدة خطابها تجاه الحكومة، محذرة من أن البلد يواجه مخاطر محدقة جراء “هشاشة الوضع الأمني وخطورة الوضع الاقتصادي وانسداد الأفق السياسي والتضييق على الحريات”، وفق تقديرها.
ويرى مراقبون أن تصعيد خطاب المعارضة بمثابة بداية تصدع لأجواء تهدئة سياسية قائمة منذ أن تسلم الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني الحكم، مطلع أغسطس/ آب 2019، في أول تداول سلمي للسلطة في بلاد عاش انقلابات عسكرية بين 1978 و2008.
ومنذ بداية رئاسته، حرص ولد الغزواني على استقبال أغلب قادة الأحزاب السياسية، بما فيها أحزاب المعارضة، وأعقب ذلك هدوء سياسي استمر طيلة الفترة الماضية من ولايته المستمرة 5 سنوات.
ودعت المعارضة، في أكثر من مناسبة، إلى تنظيم حوار مع الحكومة يهدف إلى عدم إقصاء المعارضة من التعيينات والمناصب العليا وبعض الشؤون العامة.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أعلنت منسقية أحزاب وتحالفات المعارضة قبولها المشاركة في حوار سياسي دعت إليه الحكومة، في سبتمبر/ أيلول الماضي، وذلك بعدما وجهت المعارضة انتقادات لاذعة لنظام ولد الشيخ الغزواني.
** تصدع خطير
وقال حزب “اتحاد قوى التقدم” (معارض)، في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، إن أجواء التهدئة السياسية شهدت تصدعا خطيرا؛ إثر تمرير البرلمان في 11 من الشهر لقانون “حماية الرموز الوطنية”.
وهذا القانون ينص على “تجريم المساس بهيبة الدولة وبشرف المواطن، ويحمي الرموز الوطنية”، بينما تعتبر قوى معارضة أنه “خطير على الحريات العامة”.
وأضاف الحزب أن البلد “يجتاز فترة صعبة وقابلة للانفجار، بفعل ارتفاع الأسعار والبطالة وغياب القطيعة الجذرية مع طابع العشرية الماضية (عهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز 2009-2019)”.
وفي إطار تصعيد المعارضة، شارك آلاف الموريتانيين، مساء السبت، في مهرجان جماهيري نظمه حزب “التجمع الوطني للإصلاح والتنمية” (معارض).
وقال رئيس الحزب، محمد محمود ولد سيدي، خلال المهرجان، إن حزبه “قرر التحرك للدعوة لتفادي المخاطر المحدقة بموريتانيا”.
وتابع: “البلد يعيش حالة انسداد أفق سياسي، وهشاشة في الوضع الأمني، وخطورة في الوضعين الاقتصادي والاجتماعي”.
وأردف: “رأينا هذا الخطر في الارتفاعات المتتالية للأسعار التي تهدد كيان المجتمع ووحدته، ورأيناها في الفساد، وفلول المفسدين الذين يتجولون بكل أمان ودون أي خوف، وهذا خطر حقيقي على تنمية البلد ومستقبله واستقراره”.
** إصلاحات وإنجازات
تصعيد المعارضة قوبل برد من حزب “الاتحاد من أجل الجمهورية” الحاكم، إذ قال في 16 من الشهر الجاري إن برنامج الرئيس ولد الشيخ الغزواني وحكومته “يجسد رؤية جديدة شكلت قطيعة مع الماضي السلبي، من خلال إصلاحات هيكلية ونهج يعتمد الشفافية والعقلانية في تسيير الموارد”.
ورأى الحزب، في بيان، أن المعارضة تجاهلت “كل ما تم إنجازه حتى الآن منذ تسلم محمد ولد الشيخ الغزواني مقاليد الأمور في البلد، وما تحقق للفئات الهشة، وفي عهده فقط، من تحسين ظروف معاش وتأمين صحي، ودعم لأسعار المواد الغذائية في موسم الغلاء العالمي الذي نمر به حاليا”.
** غياب للإرادة الصادقة
ومع تصعيد سياسي متبادل، تجددت تساؤلات بشأن مصير الحوار السياسي، الذي سبق وأن تعهد ولد الشيخ الغزواني بتنظيمه، مشددا على أنه لن يستثني أحدا، ولن يُحظر فيه أي موضوع.
وعقد ممثلون عن 25 حزبا سياسيا (العدد المسجلة لدى وزارة الداخلية)، جلسة في 27 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي للتحضير للحوار السياسي المرتقب، تمهيدا لمناقشة مختلف القضايا التي تهم البلد.
لكن الحوار لم ينطلق رسميا حتى الآن، ولم يُعلن تاريخ محدد لبدء جلساته.
وقال أحمد سالم ولد يب خوي، محلل سياسي، للأناضول، إن “الحوار السياسي دخل منعرجا جديدا خلال الفترة الأخيرة بسبب التصريحات والبيانات المتشنجة لأحزاب المعارضة والردود عليها بالأسلوب ذاته من طرف الحزب الحاكم”.
ورأى أن أن السجال الحاصل “يؤكد استعداد جميع الأطراف للذهاب بعيدا نحو التصعيد السياسي إذا دعت الضرورة”.
وتابع: “تأجيل الانطلاقة الفعلية لجلسات الحوار يؤكد على غياب الإرادة الصادقة لدى الطبقة السياسية في البلد، وخاصة لدى الحكومة، في تجسيده على أرض الواقع”.
وأعرب “ولد يب خوي” عن اعتقاده بأن “سبب ذلك هو ضبابية الرؤية حول الموضوع من أصله”.
وأوضح أن “المعارضة تصر على حوار سياسي شامل تكون الحكومة طرفا فيه، بينما ترى الأغلبية أن البلد لا يعاني أزمات تستدعي ذلك، وتصر على أن الأمر لا يتطلب سوى تشاور بين الطبقة السياسية”.
وأردف: “ما لم تُصحح البدايات والخطوط العريضة بشأن ما ترغب فيه الطبقة السياسية والحكومة، فإن الحوار سيتعثر ولن تكون له قابلية الاستمرار أو التنفيذ على أرض الواقع”.
** أجندة الحوار
ووفق الهيبة ولد الشيخ سيداتي، محلل سياسي، فإن “تعثر الحوار السياسي يعود إلى تسرع الأطراف في عقد الجلسة التحضيرية له دون التوصل إلى حسم بشأن ما بعد الجلسة التحضيرية ودون التوافق على أجندة الحوار”.
وأضاف “سيداتي” للأناضول أنه “إذا استمر الوضع على حاله، فإن الحوار السياسي قد يتعثر وتزداد حدة الاستقطاب السياسي، خصوصا مع قرب موعد الانتخابات النيابية والمحلية أواخر 2023”.
فيما قال وزير الثقافة، المتحدث باسم الحكومة، المختار ولد داهي، منتصف الشهر الجاري، إن الأجواء الحالية بين الأحزاب السياسية والبيانات والبيانات المضادة لن تؤثر على أجواء الحوار والتشاور السياسي؛ “لأن التشاور مبدأ ومنهاج لدى النظام الحالي”.
وتابع “ولد داهي”، في تصريح متلفز، أن الحوار السياسي المرتقب لا سقف له من حيث المواضيع ومن يحدده هو الأحزاب السياسية.
وفي مارس/ آذار الماضي، طرحت منسقية الأحزاب الممثلة في البرلمان” (12 حزبا من المعارضة والموالاة) وثيقة تضمنت خارطة طريق لتنظيم حوار سياسي مع الحكومة.
ووفق الوثيقة، فإن مواضيع الحوار يجب أن تركز على “المسار الديمقراطي، والإصلاحات الدستورية والتشريعية، وتعزيز دولة القانون، وتطبيع الحياة السياسية، ومعالجة إشكالية الرق ومخلفاته، ومكافحة الفساد، وإصلاح القضاء، والإصلاح الإداري والعقاري، وحماية المصالح العليا للبلد”.
نواكشوط/ محمد البكاي/ الأناضول