في كل يوم تطلع شمسه يبتلع مكتب وسيط الجمهورية سبعمائة ألف أوقية من أموال الشعب الموريتاني، وهو ما يعني بأن وسطاء الجمهورية قد ابتلعوا وسيطا بعد وسيط ما يقترب من ستة مليارات من أموال الشعب الموريتاني، وذلك منذ تعيين أول وسيط للجمهورية من طرف "معاوية الأول" في بداية التسعينيات من القرن الماضي إلى أخر وسيط يتم تعيينه من طرف "معاوية الثاني" الذي يحكمنا في أيام الناس هذه.
والآن دعونا نسأل ما الذي يقدمه وسيط الجمهورية من خدمات للشعب الموريتاني مقابل هذه الأموال الضخمة التي تنفق على مكتبه في كل يوم تطلع شمسه؟
الجواب : لا شيء، لا شيء إطلاقا، اللهم إلا إذا كان توفير مكان هادئ ومريح ليكون وكرا لبعض مدمني المخدرات ممن لم يجدوا مكانا مريحا وهادئا ليعقدوا فيه جلسة أو سهرة إدمان!! لقد ذكرت بعض المواقع أن الشرطة قد ألقت القبض على عصابة من المدمنين كانت تتعاطى المخدرات في مكتب وسيط الجمهورية، وكانت تستخدم هاتف الوسيط في اتصالاتها وفي مكالمتها التي كانت تجريها خلال تلك السهرات.
ولأني لا أذكر لوسيط الجمهورية أي نشاط قد قام به، فقد لجأت إلى الوكالة الموريتانية للأنباء المعروفة بتضخيم الأنشطة الرسمية، والتي لا يمكن أن تتهم ـ بأي حال من الأحوال ـ بتجاهل أي نشاط رسمي، وذلك لكي تذكرني بما قام به وسيط الجمهورية من أنشطة خلال مأموريته. وبعد بحث طويل عريض، فلم أجد ذكرا لوسيط الجمهورية في موقع هذه الوكالة إلا في أخبار متفرقة تتعلق بحضور شخصه الكريم لرفع العلم الوطني، أو في أخبار من ذلك القبيل. أما ما كان خاصا بوسيط الجمهورية من أخبار فقد اقتصر في مجمله على أن الوسيط ذهب إلى الدولة كذا، أو عاد من الدولة كذا، بعد أن مثل موريتانيا في جمعية الأنبمودسمان، لا شيء آخر قام به هذا الوسيط خلال كل مأموريته غير تمثيل بلادنا في تلك الجمعية التي لم أسمع بها من قبل.
وإليكم ـ كمثال ـ نص خبر نشرته الوكالة عن وسيط الجمهورية، وهو الخبر الذي تكرر في موقع الوكالة بنفس الصيغة تقريبا، ولم يتغير فيه إلا إسم الدولة التي غادر أو عاد منها الوسيط الموقر.
فهذا نص خبر نشرته الوكالة الموريتانية للأنباء بتاريخ 14 ـ 06 ـ 2012، وظل يتكرر كل عام مع تغيير اسم الدولة فقط : "غادر وسيط الجمهورية السيد سيد أحمد ولد البو، نواكشوط صباح اليوم الأحد متوجها إلى فرنسا للمشاركة في الملتقى السادس لمنظمة الآمبوديسمان والوسطاء في البحر الأبيض المتوسط، الذي سيلتئم بمعهد العالم العربي في العاصمة الفرنسية باريس من 11 إلى 14 يونيو الجاري".
والآن دعونا نُذكر بمهام وسيط الجمهورية التي تم تحديدها له عند تأسيس هذه الهيئة "الموقرة" ، إن هذه المهام تتلخص فيما يلي: استقبال شكاوي المواطنين المتعلقة بنزاعات لم تتم تسويتها في إطار علاقاتهم مع إدارات الدولة، والجماعات العمومية والإقليمية، والمؤسسات العمومية، وكل هيئة تناط بها مهام المرفق العمومي، أو صياغة رأيه بشأن النزاعات بين المواطنين و الإدارة، و إرسال هذا الرأي في ظرف 15 يوما، إذا ما طلب منه رئيس الجمهورية إبداء الرأي، أو تقديم تقرير سنوي عن حصيلة نشاطه، و يجوز نشر هذا التقرير و تعميمه.
تلكم هي المهام المحددة لوسيط الجمهورية، وهي مهام لم ينجزها الوسيط الحالي، ولا أي من الوسطاء الذين سبقوه في هذه المهمة، ورغم أني أعلم بأنه لا أحد في هذا البلد يقوم بانجاز المهام التي حددت له، إلا أن الجميع يحاول على الأقل أن يمثل بأنه يؤدي تلك المهام المكلف بها، أما الوسطاء فإنهم يبخلون علينا حتى بالتمثيل، فلو أن أحدهم مثل في أي يوم من الأيام دور الوسيط، ولو أنه استقبل في أي يوم من الأيام شكاوى المواطنين لهان علينا الأمر، حتى ولو كنا نعلم يقينا بأنه سيرمي تلك الشكاوي في سلة المهملات عند خروج أصحابها من مبنى وساطة الجمهورية.
إن هذه السبعمائة ألف أوقية التي تنفق يوميا على مكتب وسيط الجمهورية، كان الأولى بها أن تخصص مثلا لشراء مولدات كهربائية تمنح للمستشفيات لتستعين بها عند انقطاع الكهرباء، بعد أن كثر انقطاعها في الفترة الأخيرة ليتناسب مع كثرة الحديث عن تصديرها للدول المجاورة.
من فضلكم أغلقوا مبنى وساطة الجمهورية، فلم يكن لهذا المبنى أي أهمية، والمصيبة أنه قد أصبح اليوم وكرا لتعاطي المخدرات، وأغلقوا من بعده المجلس الاقتصادي والاجتماعي، والمجلس الاسلامي الأعلى، وهيئة المظالم، وغير ذلك من هذه المجالس والهيئات التي تبتلع في كل يوم أموالا طائلة دون أن تؤدي أي خدمة للشعب الموريتاني.
وإذا ما انتهيتم من إغلاق تلك المجالس والهيئات، فعليكم بعد ذلك أن تحلوا كل مجالس إدارات المؤسسات العمومية فهذه أيضا تبتلع الكثير من أموال الشعب الموريتاني دون أي فائدة تذكر، أما رؤساء تلك المجالس فعليكم أن تعيدوهم إلى قبائلهم ( هذا فيما يخص الوجهاء وشيوخ القبائل منهم)، أما فيما يخص طائفة الموظفين المتقاعدين، فهؤلاء من مصلحتهم أن يُبعدوا عن المال العام، وأن يقضوا الفترة التي تفصل بين تقاعدهم وبين موتهم في أماكن بعيدة تماما عن المال العام، إنهم قد يكونون بحاجة إلا أي شيء، ولكنهم قطعا ليسوا بحاجة إلى جمع المزيد من الذنوب والسيئات من خلال نهب المزيد من المال العام.
إن ما يحتاجه هؤلاء فعلا هو أن يًبعدوا عن المال العام في آخر أيامهم في الحياة الدنيا، فابعدوهم عن المال العام، وعن الشأن العام، وعن الهم العام، فقد جمعوا من الذنوب االناتجة عن أكل حقوق الناس الشيء الكثير ، بل والكثير جدا.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل
[email protected]