وقالوا لكم تنفيذا لأوامر الذين يسيرون هذا الملف، إن الرئيس السابق وصحبه ارتكبوا من الجرائم ما يستحق مرتكبه الحبس الاحتياطي! وهذا غير صحيح! وهموا بحبسهم! ولما رفضتم أنتم ذلكم بحق، لما فيه من ظلم وفساد في الأرض؛ زعموا لكم بالباطل أن رفضكم يتنافى مع "قناعة القضاة" الذين لا يستسيغون أن يحبسوا من سرق ثورا ويتركوا من سرقوا المليارات أحرارا! ولما لم تستجيبوا للابتزاز بالباطل، اخترعوا لكم باطلا آخر هو وضع رئيس سابق وحكومة منصرفة تحت مراقبة قضائية ما أنزل الله بها من سلطان في حق غير المتهم المجهول المكان! ذلكم أن المادة 123 من قانون الإجراءات الجنائية التي عللوا بها أمرهم الغريب العجيب هذا نصَّت حرفيا على ما يلي: "يمكن أن يوضع المتهم تحت المراقبة القضائية في أية مرحلة من مراحل التحقيق لمدة شهرين قابلة للتجديد خمس مرات، لأجل ضمان حضوره".
ثم تدرجوا نحو "المراقبة القضائية المشددة" التي لا وجود لها في القانون الموريتاني أصلا! وعللوها بتدليس بيَّن للفقرة الثالثة من المادة 18 من قانون محاربة الفساد التي لا علاقة لها بموضوع الإجراءات الجنائية إطلاقا.. ومنها وصلوا - ظلما وبهتانا- عبر التحرش والاستفزاز، إلى هدفهم المنشود؛ وهو حبس الرئيس السابق المستهدف من طرفهم بحجة باطلة هي خرقه - حسب زعمهم- لشروط المراقبة القضائية الباطلة أصلا! لكن الحبس الاحتياطي، كما تنص عليه المادة 138 من قانون الإجراءات الجنائية، هو استثناء لا يُلجأ إليه إلا في حالة توفر أحد أربعة مبررات نص عليها المشرع لم يتوفر أي منها إطلاقا! ولو توفر لورد ذكره في تعليل ذلك الأمر الباطل. وهذا نص تلك المادة: " لا يجوز لقاضي التحقيق أن يأمر بالحبس الاحتياطي إلا إذا كان له مبرر سواء كان ذلك لخطورة الوقائع، أو للمنع من إخفاء أدلة الجريمة أو للخوف من هرب المتهم أو للخوف من ارتكاب جرائم جديدة"! ولم يتوقفوا عند هذا الحد من الظلم والعسف وخرق القانون فحسب، بل صادروا جميع الحقوق التي يتمتع بها المحبوس احتياطيا والمنصوصة في قانون الإجراءات وفي القوانين المنظمة للسجون، وعطلوا لأزيد من ستة أشهر التحقيق المنصوص على وجوب تعجيله في حالة الحبس الاحتياطي، تحت طائلة المخاصمة بقوة المادة 139 من قانون الإجراءات الجنائية... لتتوالى عبر هذه المحنة سلسلة من الإجراءات والأوامر والقرارات التي تكرس ظلم واضطهاد وإهانة وتدمير وتصفية الرئيس السابق؛ وقد رصدنا منها نحو 30 أمرا وقرارا "قضائيا" آخرها تحويل دار الرئيس السابق إلى سجن جماعي له ولأفراد أسرته تحت حراسة مدججي إدارة الأمن وغيرها، وتخالف كلها صريح القانون وتقضي برأي النيابة محاباة لها، وتجسد الانحياز والتحامل والضغينة والتمادي في إنكار العدالة وخرق القانون وارتكاب الأخطاء المهنية الجسيمة التي ترتب مخاصمة القضاة بقوة المادة 272 من قانون الإجراءات المدنية والتجارية والإدارية! ثم ابتكروا أسلوبا طريفا وجديدا تمثل في تغييب الدفاع ورفض التعامل معه والرد على عرائضه، ومنعه من الحصول على أوراق ملف الاتهام، ومسك ملف الاتهام من طرف القضاة وتهميش كتابة الضبط!
وقالوا لكم، وسوف يقولونها لكم من جديد، ويكررونها بسبب وبدون سبب، وعملوا بمقتضاها: إني معارض لحكمكم! وإن ما أقوله لكم هو كلام أهل المعارضة! وهذا غير صحيح! فلقد كنت من بين الأوائل الذين هنؤوكم بترشيحكم في منزلكم العامر غرب القيادة العامة للجيوش. ودبجت 26 مقالا في الدعوة لكم، وخضت الحملات الانتخابية لصالحكم، ودعوت للتصويت لكم. وصوتُّ لكم أنا ومن معي! وما زلت أحتفظ بعضويتي (رقم بطاقة العضوية 000084) في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الذي كنت أعتبره كشكولا جامعا للقوى الوطنية بمختلف أطيافها، وبوتقة تصهر فيها آراء المخلصين أيا كانت مشاربهم، ورافعة وسندا للدولة؛ وذلك قبل أن يتم اختطافه أمام عيني في مؤتمره الأخير الذي لا يشبه شيئا، والذي كنت مندوبا فيه! وقد نصحت لكم وحاولت الاتصال بكم مرارا لأحذركم من مكر الماكرين.. فحجبوكم عني. وعندما جمعتنا دورة المجلس الأعلى للقضاء طلبت مقابلتكم فوافقتم ووعدتموني بأنكم ستوجهون لي دعوة، وما زلت أنتظر تلك الدعوة. وبعثت إليكم رسائل عديدة منها مغلق ومفتوح. ولا أريد منكم إلا تجنيب موريتانيا كارثة النكوص والانهيار!
فخامة رئيس الجمهورية، بعد هذا التوضيح الضروري وهذا الشرح الوافي لأسباب الكارثة التي نزلت بالأمة بسبب إفك "ملف فساد العشرية" أرجو أن تسمحوا لي في إطار الخيار الثاني (خيار التصحيح والإصلاح) الذي ما يزال متاحا - حسب رأيي- لتلافي وضعنا الخطير، أن أتقدم إليكم ببعض المقترحات البسيطة!
فلقد سبق أن قلت لكم في رسالة مفتوحة وجهتها إليكم في 28 يوليو 021 حول الوضع الصحي المتدهور، إني "لا أقترح عليكم قلب الطاولة على الفساد والفوضى المستشريين في البلاد، كما فعل رئيس تونس الشجاع! فذلك ما سيتم عاجلا أو آجلا، شئنا أم أبينا! فقرية النمل السياسية والاجتماعية الفاسدة لا مناص من هدمها يوما ما"! وما زلت على هذا الرأي عموما! وعلى الخصوص، فإن ما يعنيني الآن بالدرجة الأولى هو إصلاح الضرر الفاحش المترتب على إفك ملف "فساد العشرية" وإن كان جزءا من كل؟
فخامة رئيس الجمهورية..
هناك ثلاثة متضررين رئيسيين من كذبة "ملف فساد العشرية" وهم: موريتانيا التي مُزَّق دستورها، وديست كرامة وهيبة مؤسسة رئاستها، وشتت شمل أغلبيتها الوطنية الحاكمة، وتوقف نموها، وانهارت مصداقيتها وصورتها المشرقة بين الأمم، وأصبحت قبائل شتى؛ والقضاء الذي اختطف ودنس؛ وأنتم - يا فخامة الرئيس- الذين أجهض برنامجكم وانقُلِبَ بكم عليكم! وقد انعقد إجماع الأمة على أن "الضرر يزال"! وإليكم معالم في طريق إصلاح وإزالة هذا الضرر:
- رفع الظلم والجور عن الرئيس السابق الذي لا يستحق على الأمة ولا عليكم ما حل به! وتركه يسافر فورا للعلاج.
- حماية الدستور وصيانة مكانة وهيبة مؤسسة الرئاسة! وحل البرلمان...!
- وقف اختطاف القضاء في تعامله مع هذا الملف، وذلك بتغيير واجهة القضاء الجزائي! وأمر مفتشية القضاء معززة بعناصر قانونية نظيفة وجادة بالتحقيق في كل صغيرة وكبيرة في هذا الملف! واتخاذ الإجراءات الحازمة المناسبة على أساس تقريرها. ليكون ذلك أولى خطوات إصلاح العدالة الذي لا غنى عنه ولا مفر منه لمن يريد الخير لهذا الوطن!
- وضع حد نهائي وعاجل لطغيان العصبية والمحسوبية والجهوية والفساد والنهب! وتغيير واجهات "الحزب الحاكم" والحكومة ورئاسة الجمهورية! والاعتماد على أعوان شباب وطنيين نزهاء غيورين على المصلحة الوطنية وقادرين على تطبيق خطة وطنية ترمي إلى إصلاح ما فسد، ووضع تعهداتكم للشعب قيد التطبيق! وهم موجودون بكثرة لمن يبحث عنهم!
فخامة رئيس الجمهورية..
قد تبدو هذه المقترحات بسيطة جدا وساذجة، وقد تثير سخرية البعض واستنكاره، ولكنها - على علاتها- هي البديل عن الانهيار والفوضى المحدقين، والتجسيد الحي الوحيد المتاح أمامكم لإنجاز شيء على أرض الواقع يجسد بصيص الأمل في الإصلاح وأخذ زمام المبادرة وتلافي الأوضاع الذي وعدتم به في خطاب وادان؛ والذي ما يزال الشعب يتطلع إلى تنفيذه ولسان حاله ينشد قول عمر ابن أبي ربيعة المأثور:
ليت هندا أنجزتنا ما تعد ** وشفت أنفسنا مما نجـــد
واستبدت مرة واحـدة ** إنما العاجز من لا يستبد
فخامة رئيس الجمهورية،
إن البلاد والعباد أمانة في عنقكم.
وقد بلغ السيل الزبى!
فإما أن تعوموا.. وإما أن نغرق!