وضعها بوتين في حالة تأهب.. تعرَّف إلى أهم قطع الترسانة النووية الروسية

رسالة الخطأ

Deprecated function: preg_match(): Passing null to parameter #2 ($subject) of type string is deprecated in rename_admin_paths_url_outbound_alter() (line 82 of /home/amicinf1/public_html/sites/all/modules/rename_admin_paths/rename_admin_paths.module).
ثلاثاء, 2022-03-01 12:21

قبل عدة سنوات قال فلاديمير بوتين في أحد تصريحاته: "التلويح بالأسلحة النووية هو آخر شيء يجب القيام به. هذا خطاب ضار، وأنا لا أرحب به"، ثم ها هو الآن يفعل ذلك بعد ثلاثة أيام فقط من بداية الحرب. هنا يظهر السؤال الرئيسي خلال كل تلك الأحداث، هل تلويح روسيا بالنووي من باب المناورة السياسية فقط؟ أم أن العقيدة العسكرية الروسية تجعل من الأمر ممكنا حقا؟

لا شك أن الخبر الأكثر لفتا للانتباه مؤخرا(1) كان وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القوات النووية الروسية في حالة تأهب قصوى، يعني ذلك أن تتجهَّز أدوات القتال النووية لأوامر انتشار وإطلاق لحظية قد تحدث في أي وقت، بالطبع تسبَّب هذا الإعلان في حالة من الخوف بين المواطنين في كثير من دول العالم، حتى إن الرئيس الأميركي جو بايدن صرَّح أن على أميركا ألا تخشى الحرب النووية.

جاء ذلك في سياق عدة تطورات، الأول هو وابل من الأعمال الانتقامية الغربية ضد روسيا بسبب حربها على أوكرانيا، ونقصد هنا تحديدا القيود الاقتصادية الأوّلية التي تسبَّبت بالفعل في تراجع قيمة الروبل الروسي تراجعا كبيرا، كذلك بدا أن الخطة الروسية لاجتياح أوكرانيا لا تسري كما رُتِّب لها، مع تراجع في بعض المناطق، وأخيرا، فقد عزَّزت الدول الغربية دعمها العسكري لأوكرانيا في الحرب، بل إن بعضها أيَّد دعوة كييف لتشكيل فيلق للمقاتلين الأجانب الراغبين في المشاركة في القتال.

تاريخ طويل للخوف

 

قبل عدة سنوات، كان بوتين على رأس المعارضين للتلويح بنشر الأسلحة النووية، حتى إنه صرَّح آنذاك قائلا: "التلويح بالأسلحة النووية هو آخر شيء يجب القيام به. هذا خطاب ضار، وأنا لا أرحب به"، ثم ها هو الآن يفعل ذلك بعد ثلاثة أيام فقط من بداية الحرب. هنا يظهر السؤال الرئيسي خلال كل تلك الأحداث، هل تلويح روسيا بالنووي من باب المناورة السياسية فقط، أم أن العقيدة العسكرية الروسية تجعل من الأمر ممكنا حقا؟

لفهم أعمق لتلك النقطة يمكن أن نتأمل وثيقة من ست صفحات نشرتها الحكومة الروسية في 2 يونيو/حزيران 2020 تُحدِّد منظورها بشأن الردع النووي، وعنوانها الرسمي(2) "المبادئ الأساسية لسياسة الدولة للاتحاد الروسي بشأن الردع النووي"، وفيها يُعَدُّ التهديد الروسي بالتصعيد النووي أو الاستخدام الفعلي الأول للأسلحة النووية سلوكا من شأنه أن يؤدي إلى "خفض تصعيد" النزاعات وفق شروط تخدم مصالح موسكو.

لكن في هذا السياق، تَعتبر روسيا الأسلحة النووية وسيلة للردع حصرا، وتضع مجموعة من الشروط التي توضِّح تلك النقطة، فيكون الحق في استخدام الأسلحة النووية ردا على استخدام الأسلحة النووية أو أنواع أخرى من أسلحة الدمار الشامل ضدها أو ضد حلفائها، أو استجابة لهجوم من قِبَل الخصوم على المواقع الحكومية أو العسكرية الحساسة في الاتحاد الروسي، الذي من شأنه أن يُقوِّض أعمال الردع النووي، أو ردا على عدوان واسع على الاتحاد الروسي باستخدام الأسلحة التقليدية يمكنه أن يُعرِّض وجود الدولة نفسه للخطر.

 

على الرغم من أن هذه القيود تُقلِّص عمليا خيارات موسكو في نشر السلاح النووي، فإنها تظل مراوغة ويمكن تطويعها بسهولة بحسب أهواء قادة الكرملين وميولهم الشخصية، في الواقع يرى العديد من المحللين والعلماء في هذا النطاق -من الجانب الأميركي والأوروبي- أن روسيا، ومن قبلها الاتحاد السوفيتي، طالما اتبعت عقيدة(3) تدمج الأسلحة النووية في التدريبات العسكرية الخاصة بها، ما يُشير إلى أنها قد تكون أكثر ميلا للاعتماد على الأسلحة النووية من غيرها من القوى المسلحة نوويا، يظهر هذا بوضوح في تقارير تقول إن التدريبات العسكرية لروسيا بدت وكأنها تُحاكي استخدام الأسلحة النووية ضد أعضاء الناتو.

 

لهذه العقيدة جذور تاريخية عميقة في روسيا التي تنظر إلى السلاح النووي بوصفه أفضل وأقصر طرق الردع في حالات الضعف، فحينما تراجع الاتحاد السوفيتي سياسيا وعسكريا خلال الحرب الباردة، ثم انهار بعد ذلك، كان الضامن الوحيد لاستمرار الردع الروسي هو الأسلحة النووية. لكن إلى جانب كل ما سبق، هناك سبب إضافي أهم يدفع بعض المحللين لاعتقاد أن تفعيل الخيار النووي بالنسبة إلى روسيا ليس خيارا مستحيلا تماما.

ماذا تفعل روسيا الآن؟

أجرى الاتحاد السوفياتي أول تجربة تفجيرية نووية في 29 أغسطس/آب 1949، أي بعد أربع سنوات من استخدام الولايات المتحدة للقنبلة الذرية ضد اليابان في الحرب العالمية الثانية، اختبر الاتحاد السوفيتي نسخته الأولى من القنبلة النووية الحرارية عام 1953، ومنذ ذلك الحين نما المخزون السوفيتي من الرؤوس الحربية النووية بسرعة، خاصة خلال الستينيات والسبعينيات، وبلغ ذروته عام 1986 بنحو 40 ألف رأس حربي نووي.

بحلول الستينيات، كانت روسيا قد طوَّرت ثالوثا من القوات النووية مثل الولايات المتحدة الأميركية: الصواريخ الباليستية العابرة للقارات (ICBMs)، والصواريخ البالستية التي تُطلَق من الغواصات (SLBMs)​​، والقاذفات الثقيلة المجهزة بأسلحة نووية. تسمى هذه المجموعة من أدوات الحرب بالأسلحة النووية الإستراتيجية، أي تلك التي تتمكَّن من ضرب عدو يبتعد عن الدولة مسافة كبيرة.

 

على مدى أكثر من نصف قرن، انخرطت روسيا في اتفاقات ومعاهدات تُخفِّض من أعداد الرؤوس الحربية النووية الخاصة بها، لذلك منذ الثمانينيات انخفضت أعداد الرؤوس الحربية الروسية إلى نحو 6 آلاف فقط، لكن في مقابل هذا الانخفاض في الأعداد اهتمت روسيا بتطوير وتحديث ترسانتها تلك تحديثا كاملا.

في ديسمبر/كانون الأول 2020، أفاد(4) الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الأسلحة والمعدات الحديثة تُشكِّل الآن 86% من الثالوث النووي لروسيا، مقارنة بنسبة 82% في العام السابق، وأشار إلى أنه يتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 88.3% خلال عام واحد، وصرَّح أن وتيرة التغيير في جميع المجالات الحاسمة للقوات المسلحة سريعة بشكل غير عادي اليوم، مُضيفا: "لو قرَّرت التوقف لثانية واحدة، ستبدأ في التخلُّف على الفور".

ذراع روسيا الطويلة

الصاروخ العابر للقارات يارس

يبدو هذا جليا في نطاقات عدة. على سبيل المثال، تُواصِل روسيا حاليا سحب صواريخها المتنقلة من طراز "توبول" (Topol) بمعدل 9 إلى 18 صاروخا كل عام، لتحل محلها الصواريخ الباليستية العابرة للقارات من النوع "يارس" أو "RS-24″، اختُبر يارس لأول مرة عام 2007، واعتُمد من قِبَل قوات الصواريخ الإستراتيجية الروسية عام 2010، وبدأ إنتاجه خلال العام نفسه. تتضمَّن الترسانة الآن ما يزيد على 147 صاروخا من هذا النوع، منها 135 يمكن أن تُطلق منصة متحركة (عربة لها 16 عجلة) و12 فقط تحتاج إلى منصات إطلاق ثابتة.

يصل مدى يارس(5) إلى 12 ألف كيلومتر (هذا يساوي عرض دولة مثل مصر اثنتي عشرة مرة)، ويمكن أن يحمل 6-10 رؤوس نووية بقوة تتراوح بين 150-500 كيلو طن لكلٍّ منها (الصاروخ السابق توبول كان يحمل رأسا حربيا واحدا). تؤهل التقنية "ميرف" (MIRV) هذا الصاروخ لحمل أكثر من رأس حربي، كلٌّ منها قادر على أن يضرب هدفا مختلفا. كذلك صُمِّم يارس للتهرُّب من أنظمة الدفاع الصاروخي، حيث يقوم بمناورات أثناء الرحلة ويحمل شراكا خداعية، ومن ثم لديه فرصة لا تقل عن 60-65% لاختراق الدفاعات المضادة.

 

يُصيب يارس الهدف بدقة تكون في حدود 100-150 مترا من نقطة الهدف فقط، كما أن إعداد الصاروخ للإطلاق يستغرق 7 دقائق، وبمجرد أن تكون هناك حالة تأهب قصوى يمكن لصواريخ يارس مغادرة قواعده عبر السيارات التي تجري بسرعة 45 كيلومترا في الساعة، والقادرة على العمل في مناطق الغابات النائية لزيادة قدرتها على التخفي.

 

إله البحار

أحد الأمثلة التي يُستشهد بها على نطاق واسع أيضا هو "ستاتوس-6" (Status-6) المعروف في روسيا باسم بوسيدون أو (إله البحار). بوسيدون هو(6) طوربيد طويل المدى يعمل بالطاقة النووية، وقد وصفته وثيقة حكومية روسية بأنه يهدف إلى إنشاء "مناطق التلوث الإشعاعي الواسع التي قد تكون غير مناسبة للنشاط العسكري أو الاقتصادي أو أي نشاط آخر لفترات طويلة من الزمن". بعبارة أوضح، صُمِّم هذا لمهاجمة الموانئ والمدن لإحداث أضرار عشوائية واسعة النطاق. قوة هذا السلاح المحتملة هي 100 ميغا طن، هذا يساوي ضِعْف قدرة أكبر تفجير نووي معروف.

بدأ السوفييت تطوير هذا السلاح عام 1989، ولكن توقَّف الأمر بسبب انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة، وكذلك مع سياسات نزع السلاح النووي. ومع ذلك، عادت روسيا لتطويره مجددا لاحقا، وفي عام 2015 كُشِف عن معلومات حول هذا السلاح عمدا من قِبَل وزارة الدفاع الروسية. بحسب ما ورد من معلومات، يبلغ مدى هذه المركبة 10000 كم، ويمكن أن تصل سرعتها تحت الماء إلى 200 كم/ساعة. هذا أسرع بكثير من قدرة الطوربيدات الحربية المعتادة على السفر.

علاوة على ذلك، من المخطَّط أن يعمل بوسيدون على أعماق تصل إلى 1000 متر مما يجعل من الصعب اعتراضه، بل ويُعتقد أنه يمكن لهذه القطعة التقنية المرعبة أن تعمل تحت صفائح الجليد في القطب الشمالي، هنا يصعب جدا اكتشافه والاشتباك معه. من المقرَّر أن يبدأ بوسيدون في العمل الفعلي داخل الترسانة النووية الروسية خلال خمسة أعوام.

نار من توبوليف

بوتين داخل "توبوليف تي يو-160".

 

تُعَدُّ قاذفة القنابل الإستراتيجية فوق الصوتية ذات الأجنحة متعددة الأوضاع "توبوليف تي يو-160" هي الأخرى أحد مكونات الترسانة النووية الروسية التي طُوِّرت مؤخرا. على الرغم من أن هناك العديد من الطائرات المدنية والعسكرية الأكبر حجما، فإن هذه الطائرة تُعَدُّ الأكبر من حيث قوة الدفع، والأثقل من ناحية وزن الإقلاع بين الطائرات المقاتلة. يمكن لكل طائرة من هذا الطراز حمل ما يصل إلى 40 طنا من الذخائر، بما في ذلك 12 صاروخ كروز نووي تُطلَق من الجو. وعموما، يمكن أن تحمل القاذفات من هذا النوع أكثر من 800 سلاح.

كانت هذه الطائرة آخر قاذفة إستراتيجية صُمِّمت من طرف الاتحاد السوفيتي، لكنها لا تزال تُستخدم إلى الآن، أضف إلى ذلك أن هناك برنامجين مُحدَّثين متميزين لتطوير الطائرة توبوليف يُنفَّذان في وقت واحد: برنامج أولي يتضمَّن "تحديثا عميقا" لهيكل الطائرة الحالي لدمج محرك من الجيل التالي، بالإضافة إلى إلكترونيات طيران جديدة ورادار حديث يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، وبرنامج آخر يتضمَّن دمج أنظمة مماثلة في هياكل جديدة تماما للطائرة.

في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أعلنت روسيا أن أحدث نسخة من "توبوليف تي يو-160" (يسميها الغرب بلاك جاك) قد انطلقت من كازان مدعومة بمحركات "NK-32-02" الجديدة، مع قوة دفع تبلغ 55000 رطل، يُعَدُّ هذا المحرك أكبر وأقوى محرك يُركَّب على الإطلاق في طائرة عسكرية. استغرقت الرحلة الأولى للقاذفة المحدَّثة مع المحركات الجديدة ساعتين و20 دقيقة، وسافرت على ارتفاع 6000 متر، بعدما رفع المحرك الجديد مدى الطائرة نحو 1000 كيلومتر. (7)

يارس وبوسيدون وتحديثات قاذفة القنابل توبوليف هي أمثلة قليلة من حالة كبيرة من التطوير تمر بها الترسانة النووية الروسية، إلى جانب ذلك تعمل روسيا على تنويع نطاق التطوير، فهي لا تعمل فقط على السلاح النووي الإستراتيجي (الذي يضرب العدو البعيد)، بل أيضا هناك خطوات واسعة في تطوير السلاح النووي (التكتيكي)، وهو اصطلاح يُشير إلى الأسلحة النووية التي صُمِّمت لاستخدامها في ميدان المعركة مع وجود قوات صديقة بالقُرب، وربما على أراضٍ صديقة متنازع عليها.

 

مخزون روسيا

من بين مخزون(8) الرؤوس الحربية النووية الروسية الحالي، هناك ما يقرب من 1600 رأس حربي إستراتيجي جاهز للضرب، نحو 800 رأس منها على الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، ونحو 624 على الصواريخ الباليستية التي تُطلَق من الغواصات، ونحو 200 في قاذفات القنابل الإستراتيجية. إلى جانب ذلك يوجد نحو 985 رأسا حربيا إستراتيجيا آخر في المخزن، إلى جانب نحو 1912 رأسا حربيا غير إستراتيجي (تكتيكي).

بالإضافة إلى المخزون العسكري للقوات العملياتية، هناك نحو 1760 من الرؤوس الحربية المتقاعدة، ولكنها ما زالت سليمة إلى حدٍّ كبير تنتظر التفكيك وإعادة التشغيل، ما يجعل إجمالي المخزون نحو 6000-6300 رأس حربي، علما بأن هذه أرقام تقديرية فقط، حيث لا تُعلن الدول عن العدد الحقيقي لرؤوسها الحربية النووية.

 

الخلاصة إذن أن برامج التحديث النووي الروسية، جنبا إلى جنب مع زيادة عدد وحجم التدريبات العسكرية، والتهديدات النووية الصريحة التي تُلقي بها ضد دول أخرى (فما حدث في حالة أوكرانيا 2022 ليس جديدا)، والعقيدة الروسية المتعلقة بالسلاح النووي تساهم جميعها في دعم حالة من عدم اليقين بشأن نِيَّات روسيا النووية!