سنخصص الحلقات الأولى من هذه السلسلة للحديث عن إدارة العمر أو إدارة الوقت بشكل فعال وبأسلوب يمكننا من الاستفادة من أهم مورد نملكه في هذه الحياة لتحقيق النجاح الذي نسعى إليه.
سنتحدث في البداية عن قيمة الوقت وأهمية ترتيب الأولويات، على أن نتحدث في حلقة موالية عن خصائص الوقت، وفي حلقة أخرى عن إدارة الوقت، وسنخصص الحلقة الختام لمصفوفة الأولويات.
إن الوقت هو أغلى وأنفس وأثمن ما نملك في هذه الحياة، ولذا فعلينا أن ننفقه بحكمة، ولمعرفة قيمة الوقت فعلينا أن نتعرف أولا على قيمة أجزائه :
فإذا ما أردتم أن تعرفوا قيمة العام فما عليكم إلا أن تسألوا طالبا رسب في الامتحان النهائي وأضطر لأن يعيد سنة دراسية كاملة؛
وإذا ما أردتم أن تعرفوا قيمة شهر واحد فما عليكم إلا أن تسألوا أما وضعت مولودها في وقت مبكر، أي قبل شهر من اكتمال فترة الحمل ...فشهر هنا يرتبط بالحياة والموت؛
وإذا ما أردتم أن تعرفوا قيمة أسبوع واحد فما عليكم إلا أن تسألوا رئيس تحرير جريدة أسبوعية قضى أسبوعا في العمل لإصدار عدد جديد من جريدته، وفي النهاية تم حظر صدور ذلك العدد؛
وإذا ما أردتم أن تعرفوا قيمة يوم واحد فما عليكم إلا أن تسألوا عاملا أجيرا يعيل أسرة كبيرة أضاع يوما لم يعمل فيه، ولم يحصل بالتالي على أجر ذلك اليوم؛
وإذا ما أردتم أن تعرفوا قيمة ساعة واحدة فما عليكم إلا أن تسألوا مالك مصنع كبير عن حجم الخسارة التي يتكبدها إذا توقف مصنعه عن الإنتاج لساعة واحدة .
وإذا ما أردتم أن تعرفوا قيمة دقيقة واحدة فما عليكم إلا أن تسألوا مسافرا يجري ليلتحق بالطائرة، ولكنه لم يصل إلا بعد دقيقة من إقلاع الطائرة؛
وإذا ما أردتم أن تعرفوا قيمة ثانية واحدة فما عليكم إلا أن تسألوا متسابقا في أحد السباقات، حالت بينه وبين الميدالية الذهبية ثانية واحدة.
والآن إليكم هذه الحكاية الرمزية..
يحكى فيما يحكى أن أستاذا حكيما جاء يوما إلى طلابه يحمل سطلا ومجموعة من الكرات الصغيرة المتفاوتة في الحجم، بعضها صغير جدا، وبعضها أكبر قليلا. أخذ الأستاذ الكرات الأكبر قليلا، ووضعها داخل السطل حتى امتلأ، وبعد ذلك التفت إلى طلابه وسألهم إن كان السطل قد امتلأ، فأجابوه بصوت واحد : نعم.
بعد ذلك أخذ الأستاذ بعض الكرات الصغيرة جدا، وأخذ يضع الواحدة منها تلو الأخرى، في الفراغات الموجودة بين الكرات الأكبر قليلا، ثم سأل طلابه من جديد إن كان السطل قد امتلأ فأجابوه جميعا ـ وللمرة الثانية ـ بنعم.
أخذ الأستاذ بعد ذلك عدة حفنات من الحصى، ووضعها في السطل، ثم أخذ يرجه رجا، حتى اختفى الحصى كل الحصى داخل المنافذ والفراغات الصغيرة جدا التي بقت موجودة بين الكرات، وهكذا استطاع السطل أن يستوعب كل الحصى الذي وُضع بداخله، وذلك على الرغم من أنه كان قد امتلأ وللمرة الثانية، ولم يعد يتسع لأي شيء جديد، حسب إجابات الطلاب.
إن العبرة التي أراد الأستاذ أن يوصلها إلى طلابه من خلال تجربة السطل والكرات الصغيرة هي أن العمر مجرد وعاء كالسطل، وأن الكرات الصغيرة الأكبر حجما تمثل كل الأشياء الأهم في حياتنا (الأولويات)، بينما تمثل الكرات الأصغر الأمور المهمة في حياتنا، والتي تأتي في الترتيب ومن حيث مستوى الأهمية بعد الأمور الأهم، في حين تمثل الحصى في حياتنا كل الأشياء الأقل أهمية (الترفيه)، أو غير المهمة إطلاقا كمتابعة مئات الحلقات من مسلسل تافه مدبلج.
إن الدرس الثمين الذي يمكن أن نخرج به من هذه القصة هو أننا إذا ملأنا السطل (أعمارنا) بالحصى أولا، أي بالأمور الأقل أهمية أو غير المهمة إطلاقا، وهذا ما يفعله للأسف أغلبنا، فإننا بذلك لن نترك فراغا في السطل للكرات الصغيرة بمختلف أحجامها، أي أننا لن نترك مساحة كافية من أعمارنا لإنجاز الأشياء المهمة والأشياء الأهم في حياتنا. ولكننا ـ في المقابل ـ إذا بدأنا بوضع الكرات أولا في السطل، والتزمنا بترتيب وضعها حسب الحجم، فإننا لا محالة سنجد فراغات داخل السطل يمكننا أن نملأها بالحصى، أي أننا إذا بدأنا بالأمور الأهم والأمور المهمة، فإننا لا محالة سنجد وقتا كافيا للأمور الأقل أهمية (الترفيه)، أو حتى للأمور غير المهمة إطلاقا.
لنخرج من هذه الحلقة بالخلاصة التالية:
إذا أديت الأولويات، والأمور المهمة في حياتك أولا، فإنه يمكنك بعد ذلك أن تخصص بقية الوقت للترفيه وللأشياء التي قد لا تكون في منتهى الأهمية، والراجح أنك ستجد لها وقتا.
يتواصل بإذن الله..