بقلم: عثمان بن جدو
بعد انتهاء المرحلة الأولى للتشاور بالاتفاق على المجالات الكبرى ومحاورها الرئيسية وكشف نقاطها الفرعية وتحديد طبيعة المشاركين و إجمالي عددهم بناء على تقسيم اعتمد تفاوتا في التمثيل؛ وترك اختيار الممثلين للممثلين (بكسر حرف الثاء في الأولى ونصبها في الثانية)، وسنحاول تسجيل ملاحظات على هذه المجالات ومحاورها وبعض النقاط البارزة فيها، كل على حدة في مقال عن كل مجال.
ظهر في مجال المسار الديمقراطي/ دولة القانون، محور الإصلاحات المؤسسية وتفرعت عنه ثلاث نقاط؛ يراد من أولاها أن يعكس الإصلاح المؤسسي الخصوصية الوطنية؛ فبالاضافة إلا ضرورة إصلاح ومراجعة كل من المجلس الدستوري والمجلس الأعلى للفتوى والمظالم والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ومؤسسة المعارضة فإن إصلاح وضبط وتأكيد تأمين عمل وخصوصية الوكالة الوطنية للوثائق المؤمنة من آكد الواجبات وأوجب الضروريات، فهذه الوكالة تعاني ضعف خدمات الاتصال المرتبطة به والذي يجعل عملها بطيئا بالإضافة إلى الفوضى في المعاملات والرشوة التي تضرب أطنابها في أكثر الإدارات الخدمية؛ إذ قلما يكون لمرفق ما خدمة مباشرة مع الجمهور إلا وظهرت بعض الشوائب من هذا القبيل وكأن مفتاح القبول في الدفع والتفاهمات غير المباشرة!! وهو ما يجب أن نتجاوزه ونؤمن يقينا أن الخدمة التي نقدمها للمواطن دفع أجرها بصورة قانونية عندما أخذت منه الضرائب والتزم بقوانين الجمهورية، لكن لن يثنينا هذا الدخن الذي يلاحظ أحيانا في المشهد عن الإشادة بجهد هذه الوكالة وبما فيها من الخييرين الذين لا يعدمون في أي جهة أو جهاز ويكون محركهم الدائم خدمة الوطن ورقابة الضمير؛ ولهؤلاء نمد يد العون ونسدي كلمة النصح ونثير الانتباه إلى أن بلادنا تعج الأوراش فيها بالأطفال المستجلبين أو المزدادين هنا من آباء وافدين أو متخذين من البلاد نقطة عبور إلى الفردوس المزعوم، وهم بطبيعة الحال لا يشكلون الامتداد الاجتماعي لهذه البلاد؛ وهنا يجب التنبه إلى أن هؤلاء لا ينبغي التساهل مع تجنيسهم ولا التساهل مع مسهلي هذه الوثائق لهم؛ والتي يجب أن تظل مؤمنة، هذا دون أن نمنع أي مواطن يحق له الحصول على وثائق تأخر في الحصول عليها مهما كان السبب؛ وطبعا تعرفون طبيعة الإنسان الموريتاني وإهماله وما يفضي إليه التفكك الأسري من ضياع الرعاية وتأخر أو إعراض عن الحصول على هذه الوثائق من أولياء عندما تفرقهم الليالي يتحدون على تضييع حقوق صبية وعيال قد لا يجمعهم سقف معاناة واحد!.
وفي النقطة الثانية من هذا المحور والتي أشارت إلى توازن السلطات أو العلاقة بين السلط الثلاث؛ فإن الأمر في منتهى الضرورة والإلحاح نظرا لكون التذبذب والتبعية التي ظلت تخيم على بعض هذه السلط تجاه الأخرى رغم إعلان العكس يفسد طعم الديمقراطية، ويكدر صفو سيادة القانون، مما يسهل استفحال الفساد والمحسوبية والزبونية وانتعاش الولاءات البديلة عن الدولة الناظمة؛ وهي مظاهر لا يحصل معها تقدم، ولا تنبت فيها دعائم للتنمية، ولا يمكن فيها الحديث عن العدالة إلا بأسلوب التهكم، أو التندر على بؤس الحال؛ إذ من المهم جدا أن ينتعش الأمل في استقلال القضاء وينقطع حبل الطاعة والتبعية العمياء لهيئة التشريع مع هيئة التنفيذ والذي تفرضه أكثرية الولاء؛ الذي لا يعد عيبا إذا ما تحققت المصلحة مطلقا والمصلحة فقط.
وبخصوص النقطة الثالثة والتي يراد منها السعي لاستكشاف نمط ديمقراطي ينسجم مع قيمنا الإسلامية وخصوصيتنا الوطنية حبذا لو وضعنا قيودا تمنع من سبق لهم النيل من المقدسات الشرعية وأعني هنا من سبووا الذات العلية أو انتهكوا حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نص حديثه الصحيح الذي له العصمة بعصمة صاحبه عليه أفضل الصلاة والسلام أو الذين أنكروا ما علم من الدين ضرورة؛ فلا بد أن نضع سدا أخلاقيا أمام موجة الإلحاد والتطرف العقدي هذه مخافة وصول من يحملون خبثها إلى حيث تشرع لنا مصالحنا ويسدد علينا في التدبير، وتدركون أن نتانة الإلحاد بدأت تنتشر في كل مكان ولسنا محصنين من ظهور بعضها مهما كانت نسبته والأيام الماضية أكدت ذلك..
وفي المحور الثاني من هذا المجال الأول؛ محور تعزيز الحريات، فيما يتعلق بتشريع الأحزاب السياسية ودعمها وتنظيمها أعتقد أننا نشهد فوضى وتمييع كبير للعمل الحزبي المؤسسي وللمجال السياسي عموما، فكما عندنا الفوضى في الإعلام وتمييع حقله، وكذا في النقابات العمالية وهيئات المجتمع المدني فإن الأحزاب السياسية تشهد فوضى وجودية مخلة؛ فمن السيء أن تكون الأحزاب بهذا العدد الهائل والمربك حتى صار منها ما هو موسوم بالطيف الواحد أو اللسان الواحد أو اللون الذي يميزة؛ هذا مع غياب البرامج والمشاريع السياسية التي تشد المواطن الذي ينام أغلبه عن التفاعل السياسي، ويطرق أكثر المشتغلين به بابه خوفا أو طمعا وإن كان غير ذلك؛ فحمية عمياء تحركها ذكريات دم وقربى، وقد لا تعززها نزاهة أو استقامة جاذبة لعنصر الاستقطاب!، إذن علينا أن نمنع كل حزب لا يجسد التنوع الوطني من الشرعية، وعلينا أن نحل كل حزب سياسي لا يتمتع بالحد الأدنى من نسب التمثيل التي تخوله البقاء والتي لا ينبغي أن تبقى 1% فذاك حد قليل، علينا أن نفكر في أن تكون نسبة التحصين ضد الحل بقوة القانون تصل 3% على الأقل في التمثيل المحلي، وعلينا أن نضع قيودا ملموسة للحد من خطاب الكراهية؛ وحبذا لو كانت هناك شروط تحسينية ترجى أو تلزم في كل من يتقدم للتنافس على المقاعد السياسية والتي يجب أن يكون منها مؤهل علمي جامعي أو ما يعادله من التعليم الأهلي شريطة التوثيق؛ فمن غير المريح أن يشارك في التشريع وتمثيل المواطنين في مصيرهم من لا يرقى إلى مستوى التفكير والإدراك الذي يحفظ عدم الانجرار دون فهم أو إحاطة.
نفس الملاحظات التي بسطنا في ما يتعلق بالأحزاب تجر ذيلها على منظمات المجتمع المدني مع مراعاة اختلاف المجال وكذا الهيئات المهنية؛ التي يجب أن تظهر صبغتها المهنية وتختفي لوثتها السياسية تجنبا للإضرار بقدسية مقاصدها النبيلة.
وعن السلطة العليا والصحافة والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي فيجب أن نجد أداة فعالة لضبط الحقل الإعلامي ونضع معايير علمية ومهنية تكون هي جواز الولوج وبانعدامها ينكمش الانتماء؛ ويجب أن تكون هناك رقابة أخلاقية على وسائط التواصل الاجتماعي فأي مجتمع يرفض وضع المحاذير هو بطبيعة الحال عدو للأخلاق، فلكل مجتمع خصوصية وله ثوابت معنوية متفق على أهمية الحفاظ عليها؛ دون أن نبالغ في ذلك فنخلطه بما دونه أو نلبس غيره لبوسه؛ انتفاعا أو نكاية وانتقاما.
وعلينا أن نحفظ الأسس والدعامات التي تقوم بها المواطنة دون مساومة مع صيانة الحريات الفردية والجماعية تماشيا مع روح المساطر المنظمة لتلك العلاقة.
وفي المحور الثالث الذي اختص بإصلاح المنظومة الانتخابية بدءا بالمدونة الانتخابية من لائحة وسجل انتخابيين فإن تحيينهما من المؤكد على ضرورته مع اعتماد كل ما يضمن عدم إمكانية التزوير أو تكرار التصويت وهي مظاهر سيئة ظلت لعنتها تلاحق الانتخابات في السنوات الماضية مع ملاحظة ضيق دائرتها مع التطور الذي شهدته العملية ككل؛ لكن شيئا من ذلك التجاوز ظل موجودا ومذكورا ربما لعدم حياد بعض القيمين على مباشرة العملية أو انسلاخهم من المسؤولية تحت أي ظرف، وينبغي كذلك تحيين نظام التصويت؛ مراعاة للإنصاف في كل جزئياته، ومنع كل تمويل مشبوه سواء كان من وفادة خارجية أو عملية مشبوهة داخلية بما في ذلك منع كل أصول تطاير عليها غبار الفساد من التحرك في الساحة السياسية، مع ضرورة إعادة هيكلة واختيار اللجنة المستقلة للانتخابات بعيدا عن إخضاعها للإرضاءات وتقديمها كامتيازات للأصهار وتلطيف الروابط الأسرية!!؛
وسبيلا إلى ضمان مشاركة النساء والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة؛ على الأحزاب من تلقاء نفسها أو بإيعاز من مرجعياتها أن تزيد المساحة الممنوعة لهؤلاء وهنا يطل تجديد الطبقة السياسية برأسه فمن غير المعقول أن نظل نعيش نفس الرتابة السياسية المنبعثة من نكهة الشخصيات الجاثمة على المشهد منذ بواكير الاستقلال إلى اليوم؛ ألا توجد محاسن سياسية في غيرهم؟ ثم إن هناك ما أسميه الشعبية النائمة وهي التي لا تشارك في أي انتخابات إما لفقد الثقة في الموجود أو لتولد صدمة ما عند مزاولة حق انتخابي ماضي، وهذه الشعبية لها الحق علينا أن نقدم لها ما يشدها نحو انتخابات تتعلق بحياتها ومصيرها في هذه الدنيا وتتوقف عليها مصالحها؛ ولن يكون ذلك بمواصلة خداعها إما بوعود غير محققة أو بتقديم شخصيات ناهبة للمال العام كأحسن من يمكنه تمثيل المواطن المغلوب على أمره في التشريع بدل عنه وتحديد مصلحته وفرض تأثير ذلك عليه.
وطبعا تتزين محاسن كل ما سبق ذكره وتضيئ جوانبه بتأكيد حياد الإدارة ممثلة في حياد مؤسساتها الجمهورية، من مجلس دستوري وآخر اقتصادي واجتماعي وبيئي وغيرهم، والأهم حياد السلطات الإدارية والقضائية والقوات المسلحة..
يتواصل..