أصدرت اللجنة الدائمة لحزب الإصلاح للردي على تصريحات المغربي أحمد الريسون رئيس اتحاد العلماء المسلمين والتي أساء فيها إلى موريتانيا والجمهور العربية الصحراوية والجمهور الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وهذا نص البيا
بيان
تعوّد الرأي العام في بلادنا -من وقت لآخر- سماع تصريحات لشخصيات مغربية تسيئ لموريتانيا كدولة بما يمسّ استقلالها وسيادتها الوطنية. وهي بلا شك خرجات غير مبرّرة، وتبقى مجحفة في حق البلاد وكرامة أهلها، فضلا عن كونها تسهم في تسميم علاقات الأخوة وحسن الجوار والإحترام المتبادل بين الأشقاء. غير أن التصريحات الأخيرة للمغربي أحمد الريسوني، رئيس إتحاد العلماء المسلمين، لم تقتصر هذه المرة على الإساءة لموريتانيا فحسب، بل تطاير شررها ليشمل بالإضافة إليها، منطقة تيندوف في غرب الجزائر وكامل أقاليم الصحراء الغربية، رغم أن الرجل -كما هو معروف- فقيه راسخ وذو مكانة معرفية وإنتاج علمي رصين.
إننا في حزب الإصلاح، إذْ نستنكر ونشجب بكل قوة تصريحات الريسوني الممجوجة، لنتساءل ما الذي يبررها أصلا؟ وماهي الأجنْدات الحقيقية التي تخدمها؟ وما مغزى اختيار توقيتها بالتحديد؟ هل هي مجرد شطحات سياسية لداعية ضلت به” المقاصد “فزلّت قدمه نحو الدعوة للفتنة في وقت كان ينتظر منه – بحكم رئاسته لإتحاد العلماء المسلمين- أن تكون صيحته موجهةً لعموم المسلمين من أجل الحثّ على التآخي والتضامن والتعاون في زمن عمّ فيه الوهَن وشحّ فيه زاد النصح، وتوشك فيه الأمم أن تتداعى على الإسلام ودياره وأهله كما تتداعى الأكلة إلى قصعتهم؟ ألم يكن حريّا بالسيد الريسوني إن كان مُصمّما على الإستخفاف بكرامة أشقائه الموريتانيين، أن يحترم على الأقل ذكرى ملكه الراحل رحمه الله، الذي وقّع مع موريتانيا ” الغلط“ على وثيقة اتفاقية مدريد؟ ألا يحسن أن تكون دعوة السيد الريسوني للجهاد موجهة ضد إسرائيل بدل توجيهها ضد أشقائه الجزائريين والصحراويين؟
ما الذي يتوجب علينا أن نُذكّر به السيد الريسوني ومن معه ليرعووا عن غيّهم؟ وهل يدرك الريسوني بأن تصريحاته الغريبة إن كانت جسّا للنبض، فهي قد أعادت إلى الأذهان شبح النزعة التوسعية البائدة لدى الشقيقة المغرب، التي مازال يُغذّيها الفصل 42 من الدستور المغربي من خلال احتفاظه بعبارة ”الحدود الحقة“ المبهمة وغير الدقيقة قانونيا، والتي تسمح للمغرب بتوسيع حدوده -غير الثابتة أصلا- متى شاء، من خلال فقرة ”الملك هو ضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة“.
لقد سبقت تصريحات السيد الريسوني، تصريحات ممثالة سنة 2016 للسيد حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال المغربي واصفا موريتانيا بأنها تمثل جزءا من التراب المغربي. وهي تصريحات كادت أن تعصف بالعلاقات بين البلدين الشقيقين لولا مسارعة المغرب الرسمي لتقديم الإعتذار وتسفيه تلك التصريحات. ثم جاءت بعد ذلك في سنة 2021 سلسلة من التقارير الإعلامية تم بثها في قنوات التلفزيون العمومي، يعلن فيها المغرب عن عزمه بناء ميناءين جنوب الداخلة، الأول في امهيريز والثاني في لگويره. وقد عكست تلك التقارير التوجهات اليائسة للمغرب من جانب واحد من أجل الوصول إلى لگويره أومحاولة تغيير وضعها كمنطقة نزاع خاضعة للإدارة الموريتانية. وهو أمر لن تتساهل موريتانيا بشأنه، بل ستتعامل معه بأقصى قدر من الجدية على أنه تهديد خارجي وإعتداء سافر على السيادة الموريتانية. وسيكون الرد عليه بكل حزم وقوة.
إن حزب الإصلاح يرى من منظار قراءة استراتيجية للتاريخ المعاصر لمنطقة لگويره، بأنها ظلت دوما نقطة ارتكاز وتوازن جيوستراتيجي بين مصالح القوى العظمى الإمبريالية، خاصة بين المُعمريْن فرنسا وإسبانيا منذ القرن التاسع عشر، حيث تم إرساء قواعد لعبة التوسع الإستعماري عبر مؤتمر برلين 1885 لتقاسم إفريقيا. وبالتالي، فالأجدر بالنسبة لجميع الأطراف المعنية هو التفكير في حل يأخذ بعين الإعتبار هذا المعطى الجيوستراتيجي للگويره كنقطة ارتكاز وتوازن، قد تصلح للسلم والتنمية ولا تصلح كبؤرة للتوتر والحرب.
إن حزب الإصلاح يرى خلف هذه التصريحات الطائشة والتقارير الإعلامية التي تحمل بالونات اختبار، نوعا من التردد المغربي العميق في المضي قُدُما نحو إعادة بناء الثقة وإصلاح العلاقات مع موريتانيا بما يوحي بأن هذا البلد الشقيق قد لا يقاسم موريتانيا نفس الدرجة من الإهتمام والعناية بتلك العلاقة والسهر على ترميمها، ولو من باب الحرص على تجاوز بقايا نظرة دونية كان المغرب- في يوم من الأيام- ينظر بها إلى شقيقته موريتانيا.
إن حزب الإصلاح يرى بأن هذه التحركات غير الموفقة إنما تشي بإحياء شبح التوسع المغربي المُتجاوز، وإعطاء الإنطباع بعودة المغرب إلى سياسة المحاور التقليدية المعادية لموريتانيا والجزائر والجمهورية العربية الصحراوية. ولا شك بأن تفاقم التوتر في المنطقة المغاربية سيضر بها حتما، لكنه سيؤدي إلى مفعول عكسي يشل محاولات المغرب الحثيثة لبناء جسور التعاون الاقتصادي والتجاري مع دول إفريقيا جنوب الصحراء، لأن التعاون مع إفريقيا إذا لم يبدأ بالجيران الأقربين، فلن تكتب له الإستمرارية والنجاح. لذا، فربما يكون الأجدى بالمغرب أن يزيل أولاً عوامل التوتر والعراقيل مع الجيران الأقربين، وأن يتيح فرصة تاريخية لنفسه وللمنطقة في فتح باب جديد وجدي للسلام والتنمية والتطور، لتصبح منطقة المغرب العربي وغرب إفريقيا في حالة اطمئنان وسلم وتفاهم.
إن حزب الإصلاح يرى بأنه لا ينبغي لبلد كالمغرب الشقيق أن يغتر في علاقاته مع أشقائه في موريتانيا والجزائر والجمهورية العربية الصحراوية، تحت تأثير دعم بعض الدول الغربية له في سياق دولي معين في سياسة الهروب إلى أمام. لأن الإتكال المطلق على الغير البعيد خاصة إسرائيل، قد تأكد أكثر من مرة بأنه مجرد سراب عندما تتغير فجأة الحسابات الدولية والمصالح الغربية. وقد جرَّبه بمرارة وحسرة كلُّ من شاه إيران والمارشال موبوتو، بعد أن كانا من الأبناء المدللين للغرب، ثم تخلى عن كليهما بكل بساطة.
إن حزب الإصلاح يرى بأن الترويج الإعلامي لمثل هذه الأفكار والتوجهات -حتى ولو كانت مجرد بالونات اختبار وجسّا للنبض- هو في حد ذاته تصرف صادم، ويترك الإنطباع بأن المغرب يتعمّد أن يُخيف جيرانه، وأنه يساهم في تغذية حالة التوتر معهم باستمرار.
أنواكشوط، 17 أغسطس 2022
حفظ الله موريتانيا..
عن حزب الإصلاح
اللجنة الدائمة