أبدى عدد من الأكاديميين والكُتَّاب المصريين الداعمين للانقلاب العسكري انزعاجهم وفزعهم من افتتاحية صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية (المشهورة بلقب السيدة العجوز) عن الأوضاع مصر.
وحثت الصحيفة إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما على التوقف عن دعم نظام حكم الجنرال عبد الفتاح السيسي، نظرًا لاعتبارات متعلقة بشرعيته، وقمعه للحريات، وسوء تعامله مع جماعة الإخوان المسلمين.
وكتب نقيب الصحافيين المصريين الأسبق "مكرم محمد أحمد" في مقاله بجريدة الأهرام الثلاثاء تحت عنوان: "احذروا إدارة أوباما" قائلًا: "عندما تقول صحيفة نيويورك تايمز في افتتاحية أخيرة: إن مصر تعيش الآن حكمًا أكثر تسلطًا من أسوأ أيام الرئيس الأسبق مبارك، وإن السلطات المصرية تشدد قبضتها على الصحافة وتسجن خصومها السياسيين، وتحارب الميليشيات المسلحة في المناطق المزدحمة بالسكان في سيناء، وتستخدم الدبابات الأمريكية في قصف المدنيين هناك - فإن علينا أن نكون أكثر حذرًا وحيطة، لا نفرط في التفاؤل في إمكان تغيير مواقف الإدارة الأمريكية، ولا ننتظر منها الكثير بدعوى أنها بدأت تتفهم أوضاع مصر الحقيقية، ولا نقدم حسن النيات على ضرورة اليقظة والحساب الدقيق وتوقع الأسوأ".
وفي سياق متصل، قال الدكتور محمد أبو الغار - رئيس الحزب الديمقراطي الاجتماعي - في مقاله بجريدة "المصري اليوم" الثلاثاء بعنوان "مقالة خطيرة في «نيويورك تايمز»: "إن نيويورك تايمز، في عددها الأسبوعي الأحد الماضي، كتبت مقالة خطيرة عن مصر والمعونة العسكرية، وعلينا جميعًا أن نكون منتبهين لما يحدث في أمريكا".
وأضاف: "المقالة مهمة لأنها نُشرت في أهم صحيفة في العالم، وأقواها تأثيرًا على صاحب القرار الأمريكي في البيت الأبيض، وفي الكونجرس، وخطورة المقالة أنها ليست بقلم محرر أو صاحب رأي، ولكنها بقلم مجلس تحرير الجريدة، وهو ما يعني أن هذا هو خط الصحيفة بكل كتابها ومحرريها".
وبعد إشارته إلى أبرز ما جاء في الافتتاحية قال أبو الغار: "تتهم المقالة انتخابات الرئيس السيسي بأنها مزورة، وهو أمر غير حقيقي، ولنعد إلى تقرير الاتحاد الأوروبي، الذي أقر بصحة الانتخابات، لكنه أدان حرية الدعاية المفرطة للسيسي، ومنعها عن المرشح المنافس، وهو أمر سيئ بسبب غباء بعض الإعلاميين، ولو تُرك الأمر مفتوحًا لما غير في النتيجة شيئًا"، على حد قوله.
وأضاف أبو الغار: "أدانت المقالة ما جاء في خطاب السيسي في الأمم المتحدة عن حقوق الإنسان والحريات لأنه غير حقيقي، وهنا أعتقد أن على الرئيس السيسي أن يستمع إلى وجهات نظر مختلفة وليس فقط الجهات الأمنية، لأن عدم تعديل قانون التظاهر واستمرار الحبس الاحتياطي لأعداد كبيرة من الشباب، ومشاريع قوانين تؤثر على الحياة المدنية، مثل الجامعة والجمعيات الأهلية والتضييق على الصحافيين وسجن بعضهم، كل هذه الأشياء نقاط ضعف في نظام السيسي، وهي تضر به وبشرعيته، ولن تفيده بشيء، وإنما سوف تفيد رجال الأمن فقط"، وفق أبو الغار.
ومن جهته، كتب الكاتب المصري الدكتور مأمون فندي بجريدة "الشرق الأوسط" اللندنية الاثنين مقالًا بعنوان: "مصر والـ"نيويورك تايمز"، قال فيه: "إن الرأي الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" يوم 4 أكتوبر بخصوص ربط المساعدات الأميركية لمصر بالتقدم في المسار الديمقراطي، رأي خطير لابد أن نتوقف عنده كثيرًا، ولابد للمسؤولين في القاهرة أن يأخذوه بجدية؛ إذ لا يكفي أن نقول: إنه رأي متحيز ضد مصر»، أو إن «(نيويورك تايمز) هي صحيفة اليهود، إلى آخر تلك التعازي للنفس التي اعتدناها لتبرير عجزنا في توصيل فكرتنا للغرب عمومًا، ولأميركا خصوصًا"، على حد تعبير فندي.
وأضاف أن رأي الـ«نيويورك تايمز» هذا ليس رأي كاتب واحد فيها، وإنما الرأي بالطريقة التي عرض بها ومكانه في الصحيفة، يعبر عن توجه الصحيفة الأولى في أميركا التي يقرأها ويخطب ودها كل من له علاقة بالسياسة الخارجية الأميركية، بداية من الرئيس أوباما، إلى وزير خارجيته جون كيري، إلى أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب أو الكونغرس، حتى أصغر طالب وأستاذ في أي جامعة أميركية يهتم بعلاقة أميركا ببقية العالم.
وتابع: "من هنا تأتي خطورة رأي الـ«نيويورك تايمز» في توصيف الحالة المصرية وعلاقة أميركا بمصر. فماذا قالت الـ«نيويورك تايمز» باختصار؟".
وأجاب فندي: "الصحيفة قالت ما ملخصه 3 نقاط مهمة رغم أنها متحيزة ومتعسفة في التوصيف: الأولى هي أن الوضع في مصر فيما يخص الحريات أسوأ من عهد حسني مبارك، والثانية هي أن الرئيس عبد الفتاح السيسي جاء إلى الرئاسة من خلال «انقلاب» عسكري، والثالثة هي أن تصنيف «الإخوان» جماعة إرهابية هو أمر غير عادل، وعليه تكون مصر بعيدة عن فكرة المسار الديمقراطي، ويجب ربط المعونة الأميركية لمصر بتصحيح المسار".
وتابع الكاتب: "المهم قبل الرد على اتهامات صحيفة بحجم الـ«نيويورك تايمز»، هو ما يجب أن يفعله صانع القرار في القاهرة من نقاش جاد حول كيفية وصول صحيفة بحجم الـ«نيويورك تايمز» إلى هذه القناعات الخطيرة والضارة لصورة مصر عالميًّا".
وشدد على أن "الـ«نيويورك تايمز» - أو (السيدة العجوز) كما يلقبونها - لا تحدد أجندة الأخبار في أميركا فقط كما يظن البعض، بل تحدد ما هو مهم، وما ليس مهمًّا في العالم، وحتى أكون دقيقًا، في الغرب كله".
وأضاف فندي: "نحن في مصر لدينا تحديات أهم من تلك التي ذكرتها الـ«نيويورك تايمز» مثل الاقتصاد والوضع المعيشي للمصريين واستقرار بلد بحجم مصر، ومع ذلك صورة مصر عالميًّا تظل هاجسًا مهمًّا لدولة ترغب أن يكون لها دور إقليمي، بل وعالمي؛ لذا يجب أن يدار نقاش جاد في القاهرة عن تلك الفجوة القائمة بين ما يريده المصريون في الداخل وصورة مصر في الخارج، التي تعاني كثيرًا الآن.
وأشار إلى أن هناك مشكلة حقيقية في تسويق ما حدث في مصر بعد 30 يونيو (حزيران) 2013، وأنه "لا بد أن نعرف أن تصنيف «الإخوان» جماعة إرهابية فشل مصري، مع أن هناك دولًا أخرى صنفتهم كذلك ونجحت، الفارق يكمن في الإرادة"، حسب زعمه.
واختتم مقاله بالقول: "ما قالته الـ«نيويورك تايمز» خطير، ومن يحاول أن يجعله يمر هكذا مرور الكرام مجرم في حق مصر وشعبها.. على القيادة المصرية أن تأخذ الموضوع بجدية، وتبحث الأمر، فهذه أول طلقة في حملة خطيرة تبعاتها أخطر بكثير مما يتصور البعض".
وشدد فندي على أن "رأي الـ«نيويورك تايمز» ليس مجرد رأي صحيفة، بل إشارة لصورة خطيرة تتشكل، لا أعتقد أننا قادرون على دفع فاتورة ثمنها"، حسبما قال.
ومن جهته، أثنى أستاذ العلوم السياسية الدكتور معتز بالله عبد الفتاح في مقاله بجريدة "الوطن" الثلاثاء، بعنوان: "عاجل من «فندي» إلى الخارجية المصرية"، على مقال فندي السابق قائلًا: "كنت أنوي أن أكتب عن رأي صحيفة «نيويورك تايمز» المنشور في 4 أكتوبر 2014 عن مصر ما بعد الثلاثين من يونيو.. لكن وجدت الدكتور مأمون فندي كتب في صحيفة «الشرق الأوسط» ما كنت أريد وأفضل. وها أنا أعيد نشر الجزء الأكبر من مقاله، عسى أن يصل إلى من يعنيهم الأمر".