يستقبل الموريتانيون شهر رمضان المبارك بعادات وطقوس متجذرة، لا تزال العائلات تتمسك بها إحياء للشهر الكريم وتبركا به.
يحيي قدوم شهر رمضان عادات أصيلة في موريتانيا كادت تندثر بفعل تأثير الحياة العصرية وانشغال الناس، وتشكل أيام الشهر الفضيل فرصة نادرة للموريتانيين للتواصل وصلة الرحم والقيام بالأعمال الخيرية وتفقد أحوال أقاربهم في القرى النائية.
ويجتهد الموريتانيون للفوز بالأجر المضاعف في رمضان من خلال المواظبة على الشعائر الدينية والعمل الخيري الاجتماعي.
كما أن العائلات تتدفق على الأسواق الرئيسة لشراء المواد الأساسية المستخدمة في موائد الإفطار، وتنظم حملات تنظيف للمساجد والساحات المخصصة للمحاضرات والدروس الفقهية.
وتصل نسبة المسلمين بموريتانيا 100% جميعهم من المسلمين السنة، كما يطبع على موريتانيا الطابع المحافظ للمجتمع،
وتنتشر كتاتيب تحفيظ القرآن في جميع ربوع البلاد ولا يزال المجتمع الموريتاني يتمسك بتقاليد خاصة خلال شهر رمضان المبارك.
حلق الرؤوس
ومن بين تلك العادات والطقوس، حلق رؤوس الأطفال في اليوم الأول أو الثاني من شهر رمضان، لكي يتزامن نمو شعر رأس الطفل من جديد مع نهاية الشهر الكريم، ويسمونه "شعر رمضان".
وحلق رؤوس الأطفال هو تقليد دأبت عليه العائلات الموريتانية تيمنا وتبركا بالشهر الكريم، وتنتشر هذه العادة أساسا في القرى والأرياف، كما أن بعض العائلات في المدن الكبيرة لا تزال تحرص عليها أيضا وتعتقد أن حلق رؤوس الأطفال في هذا الشهر يطيل أعمارهم.
مائدة إفطار خاصة
ورغم تسلل الحداثة للمطبخ الموريتاني، إلا أن العائلات لا تزال تتمسك بعادات ضاربة في التاريخ بخصوص النظام الغذائي خلال شهر رمضان المبارك، إذ تختلف مائدة رمضان بشكل تام في موريتانيا عن غيرها من البلدان العربية.
ومن أبزر ما يميز مائدة رمضان بموريتانيا:
أزريك
يحرص الموريتانيون على تناول كميات كبيرة من الـ"أزريك" عند الفطور، مباشرة بعد تناول التمر والحساء، وهو مشروب خاص بالموريتانيين دون غيرهم من شعوب العالم، ويتم إعداده من خلال خلط كميات قليلة من الحليب المجفف وكميات كبيرة من الماء والسكر.
ويقدم هذا المشروب في أقداح من الخشب، ويعد أولوية وأحد مكونات المائدة الرمضانية الأساسية.
الأتاي
يتصدر "الشاي" المائدة الرمضانية بموريتانيا، ويمسى في اللهجة المحلية (أتاي)، ولا يزال يتصدر المائدة الرمضانية، وهو يرمز لكرم الضيافة.
ويتم تحضير هذا المشروب عبر خلط كميات من الشاي، والماء والسكر والنعناع ويتم تدويره بين الكؤوس لحوالي 20 دقيقة وبظهور رغوة داخل الكؤوس يصبح جاهزا للتوزيع على الحاضرين.
"البصام" مشروب الفقراء
ويتصدر مشروب "البصام" الذي يسمونه أيضا مشروب الفقراء، مائدة الإفطار في الأحياء الفقيرة، وهو مشروب يصنع من أعشاب ونبات تستورد من دول الجوار، وتعتبر أسعاره رخيصة وفي متناول الفقراء، لذلك يسمونه بمشروب الفقراء.
ويقول الموريتانيون إن هذا المشروب رغم سهولة إعداده وكون أسعاره في متناول الجميع تقريبا، إلا أنه مزيل للعطش ومفيد لصحة الصائم.
أما الوجبة الأساسية التي تتصدر مائدة الإفطار بموريتانيا، فتعرف بـ"الطاجين" وهو خليط من اللحم والبطاطا والبصل، ويتم تناول هذه الوجبة بعد أداء صلاة التراويح.
"البخور لطرد الجن"
ويتمسك الموريتانيون أيضا بعادة حرق البخور في ليلة السابع والعشرين من رمضان، حيث يعتقد بعض الموريتانيين أن البخور يطرد الجن، غير أن مثل هذه العادة بدأت في التراجع في المناطق الحضرية لكنها لا تزال شائعة في القرى والأرياف.
وفي ليلة السابع والعشرين من رمضان، يختم الموريتانيون قراءة القرآن، وتقوم الأسر بإحضار الأواني والملابس حتى ينفث لهم إمام التراويح فيها بعد انتهائه من ختم القران ودعائه.
"ليالي المديح".. تراث موريتاني يصارع للاستمرار
اعتاد الموريتانيون طيلة السنوات الماضية على التوافد إلى فضاء التنوع الثقافي والبيئي بوسط العاصمة نواكشوط، لحضور واحد من أهم المهرجانات التراثية التي تنظم خلال شهر رمضان المبارك.
لكن المهرجان الذي يطلق عليه اسم "ليالي المديح" بات يصارع للاستمرار، بسبب غياب التمويل والرعاية الحكومية.
وطيلة ليالي المهرجان الذي يستمر لمدة أسبوع كل سنة خلال شهر رمضان المبارك، يتبارى عشرات المداحة (المنشدين) في تقديم وصلات مديحيه (إنشادية) إحياء لشهر رمضان المبارك.
وتتوافد الأسر لحضور أمسيات المهرجان التي تنظم في الهواء الطلق وعادة ما تستضيفها ساحة "فضاء التنوع الثقافي والبيئي" بقلب نواكشوط.
وتتناول المدائح والأناشيد التي يقدمها المنشدون خلال ليالي هذا المهرجان، سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام، والغزوات والفتوحات الإسلامية ويتم تقديمها باللهجة المحلية.
ويقول القائمون على المهرجان، إنه شكل إطارا ثقافيا وفنيا من أجل إشاعة السلم والمحبة بين أفراد المجتمع الواحد، ولتأسيس تغيير جوهري في المجتمع عن طريق الفن والثقافة.
أداء جماعي وطبل تقليدي
وتنعش ليالي المهرجان فرق شعبية تضم مداحين ومنشدين يقدمون أغاني جماعية مصحوبة بآلة الطبل ويتوافدون من مختلف مدن البلاد إلى العاصمة نواكشوط للمشاركة في المهرجان.
وتقدم الفرق المشاركة في المهرجان وصلاتها الغنائية بطريقة جماعية وفي غياب الآلات الموسيقية الوترية والاكتفاء بالطبل التقليدي.
ويقول القائمون على المهرجان إنهم يهدفون من خلاله إلى الحفاظ على تراث شعبي بات مهددا بالاختفاء بسبب غياب التدوين، إذ إنه لا يزال ثقافة شفاهية تتوارثها العائلات والمنشدون والمداحون.
وانطلقت نسخة هذا العام من المهرجان قبل يومين بالعاصمة نواكشوط، بمشاركة أكثر من 30 مداحا ومنشدا، وبحضور جماهيري كبير.
لكن القائمين على المهرجان يخشون من أن تكون هذه الدورة هي الأخيرة بسبب انعدام التمويل وغياب الدعم الحكومي.