هذا هو السّبب الحقيقيّ لحالة الانهِيار التي تعيشها “إسرائيل” حاليًّا.. ولا تنخدعوا بما يتردّد على الشّاشات.. ما هي العوامل الستّة التي تقف خلف انهيار “الدّول” وتنطبق كلّها عليها؟ ولماذا من حقّ “السيّد” وحُلفائه في الضفّة وغزّة واليمن أن يفركوا أيديهم فرحًا وهُم يُتابعون التطوّرات؟
قبل أن نتطرّق إلى قراءةِ تطوّرات الأحداث المُزلزلة في دولة الاحتِلال الإسرائيلي، والانقسام الكبير في صُفوفها، والإضراب العام الذي يشلّها ويُغلق مطاراتها ومُستشفياتها، وحالة التأهّب القُصوى في الجيش للسّيطرة على الأمن، أن السّبب الرئيسي الحقيقي الكامن من خلفها والمُفجّر لها هو الانتفاضة المسلّحة التي تسود الضفّة الغربيّة والمناطق المحتلّة عام 1948، والكتائب الشابّة التي تقودها وخاصّةً في نابلس وجنين، والتأثير القويّ، والنفسيّ والعسكريّ لعمليّاتها على المُستوطنين اليهود وقيادتهم.
نشرح أكثر ونقول إن هذه الكتائب التي غيّرت جميع المُعادلات على الأرض، وشكّلت رُعبًا للمُؤسّسة الحاكمة، هي التي جاءت باليمين الإسرائيلي الفاشي إلى السّلطة الذي بات العُنوان الأبرز للأزمة الحاليّة، ومن أبرز رموزه إيتمار بن غفير (وزير الأمن الداخلي) وتوأمه بتسليل سموتريتش وزير الماليّة والمسؤول الإداري عن الضفّة الغربيّة، إلى جانب بنيامين نِتنياهو كبيرهم الذي علّمهم المُمارسات النازيّة التي نراها في أبشع صُورها في حرق بلدة حوّارة وأهلها.
ad
“إسرائيل” تمتّعت بالأمن والاستقرار والرّخاء الاقتصادي لأكثر من ثلاثين عامًا، ونجح المَكْر الصّهيوني، وعبر أذكى وأبرع إبداعاته في تحقيقِ سابقةٍ تاريخيّةٍ وهي إيجاد سُلطة “عميلة” تحوّلت إلى أداةٍ للاحتِلال، عن منظّمة تحرير، وتقوم بدورها، أيّ دور إسرائيل وقوّاتها الأمنيّة، في وأدِ أيّ ثورة، أو انتفاضة، وتُلبّي مهام الاحتِلال، وأجهزته الأمنيّة، في توفير الحِماية للمُستوطنين، وجعل الاحتِلال الإسرائيليّ، الأرخَص في التاريخ.
كتائب المُقاومة التي انبثقت من قلب الإرث الفِلسطيني المُقاوم وغيّرت كُل هذه المُعادلات المُخجلة فِلسطينيًّا وعربيًّا وإسلاميًّا، ونسفت مُعادلة الأمن، والاستقرار، والرّخاء الإسرائيلي في العُمُق، وربّما تتم المُصالحة الداخليّة الإسرائيليّة وتعود الأوضاع إلى التّهدئة والتّوافق، ولكنّ الانتفاضة المُسلّحة في الضفّة لن تتوقّف وستستمر لسنواتٍ حتّى يتم تحرير كُل الأراضي المُحتلّة دون أيّ استِثناء.
***
هُناك ستّة عوامل رئيسيّة تقف خلف سُقوط الدّول، وليس الأنظمة فقط، فالأنظمة يُمكن أن تَسقُط وتتغيّر، ولا تتأثّر الدّول، ومُعظم هذه العوامل مُتوفّرة حاليًّا في دولة الاحتِلال الإسرائيلي:
-
الأوّل: انهيار القانون، وشُيوع الفوضى حيث لا يستطيع الحاكم السّيطرة على الموقف وفرض هيبة الدّولة ومُؤسّساتها، ومُحاولة نِتنياهو وحُكومته فرض “الإصلاحات” وتغيير القانون القضائي كانَ الشّرارة التي اشعلت فتيل المُظاهرات والاضْطرابات.
-
الثاني: تفكّك الجيش، وتآكُل عقيدته وحُدوث حالات تمرّد، وما نراه حاليًّا من رفضِ لقوّات الاحتياط الخدمة العسكريّة، خاصّةً في القوّات الجويّة احتجاجًا على ديكتاتوريّة الحُكومة اليمينيّة الدّليل الأبرز، مُضافًا إلى ذلك أن أُسطورة الجيش الذي لا يُهزَم سقطت في حرب عام 2006، ولم يَفُز هذا الجيش في أيّ حربٍ مُنذ هزيمة عام 1967.
الثالث: سُوء اختِيار الأعوان، ولعلّ تحالف نِتنياهو مع أكثر شخصين مكروهين في دولة الاحتِلال وربّما العالم، أيّ إيتمار بن غفير وزير الأمن الداخلي وبتسليل سموتريتش وزير الماليّة ومسؤول الإدارة في المناطق المحتلّة، اللّذين يُريدان قتل العرب وحرقهم وطردهم أحد الأمثلة وأبرزها.
-
الرابع: تطبيق ثُلاثيّة الاستِبداد أيّ القمع وتراجع الاقتصاد ورعاية الفساد، علينا أن نتذكّر أن نِتنياهو يُريد تغيير النظام القضائي لإسقاط التّهم بالفساد المُوجّهة إليه، وقد ذكَر لي الشّهيد ياسر عرفات أنه تعامل مع مُعظم الشّعوب والحُكومات، ولم يجد أكثر فسادًا من الإسرائيليين، وأكّد لي أنّه اشتَرى قِيادات كُبرى منهم ولمّح إلى شارون.
-
الخامس: تردّي الوضع الاقتصادي والإضرابات العمّاليّة الشّاملة، وشاهدنا هذه الإضرابات الحاليّة تَشُلّ دولة الاحتِلال، وتُغلق مطاراتها، مثلما قرأنا كيف أن 20 من مُدراء البُنوك ذهبوا إلى وزير الماليّة “سموتريتش” وحذّروه من أن هُروب رُؤوس الأموال تصاعد 10 مرّات في الأيّام الأخيرة (بسبب الانتِفاضة المسلّحة والانقِسام الإسرائيلي) والشّيء نفسه يُقال عن هجرة شركات التّكنولوجيا والذّكاء الاصطناعي إلى لندن ونيويورك وبرلين وتورنتو بحثًا عن الأمان.
-
السّادس: الهجرة الجماعيّة المُتصاعدة حيث تؤكّد الإحصاءات الإسرائيليّة أن هذه الهجرة المُضادّة في تزايدٍ غير مسبوق، ولعلّ ظُهور مقالات في الصّحف المحليّة تؤكّد أن إسرائيل لم تَعُد دولةً آمنة يُمكن أن يترعرع فيها الأبناء والأحفاد، وأن الهجرة هي الحل الأمثل، وهذا ما يُفسّر الزّحام أمام السّفارات الغربيّة، سواءً لاستِعادة الجنسيّات، أو للحُصول على تأشيرات الدّخول.