العنوان:, لمنصب رئيس جهة نواكشوط على الخصوص؟
عبد الرحمن ولد حمودي: أتقدم لكم في البداية بجزيل الشكر على تفضلكم باستضافتي على صفحات موقعكم الموقر.
للإجابة على هذا السؤال، تلزم العودة ولو بإيجاز شديد إلى ظروف إدخال الجهات ضمن النظام المؤسسي لبلادنا، حيث لم يكن الأمر ثمرة لتفكير معمق قاد السلطات العمومية إلى محاولة إعادة النظر في أساليب التسيير التي جعلت البلاد تدور في حلقة مفرغة من الفشل وإعادة الفشل، بل إن الأمر يتعلق بشكل رئيسي بنتيجة عرضية لنوع من الشعور الزائف بالعظمة دفع النظام سنوات 2016 و 2017 إلى محاولة تغيير وجه البلاد عبر "إصلاحات دستورية"، كان على مجلس الشيوخ أن يذهب ضحيتها فتم العثور على الجهات كنوع من "البديل المؤسسي" لمجلس مغضوب عليه ينبغي القضاء عليه بشكل كامل، بل تدمير مقره بالكامل وتحويله إلى مقر لأكبر علم في البلاد ليظل دليلا مرئيا لدى الجميع على المصير الذي ينتظر كل من يتجرأ على النظام.
لم يكن الأمر إذا يتعلق برغبة في توسيع اللامركزية والمشاركة المجتمعية من أجل خلق ظروف مواتية أكثر للتنمية المحلية وترسيخ الديمقراطية، لذلك تم التعامل مع المولود الجديد بكثير من الاستخفاف لدرجة أن المجالس الجهوية المنتخبة خلال المأمورية السابقة لم تجد ما تفعله سوى استجداء السلطات المعنية نقل صلاحياتها المفترضة التي لم يشفع لها القانون النظامي رقم: 010 - 2018 الصادر بتاريخ 12 فبراير 2018 المتعلق بالجهة ولا حتى "مرسوم نقل الصلاحيات"، فبقيت حبرا على ورق ككثير من صلاحيات البلديات التي ظلت معلقة طيلة العقود الماضية، مع أنه تجدر الإشارة إلى أن البلديات أوفر حظا من الجهات لأن العمدة على الأقل ينظر إليه باعتباره ممثلا عن السكان ووكيلا للدولة في الوقت ذاته بينما رئيس الجهة المحروم حتى من إمكانية تقديم مقترح لإجراء ولو أبسط تغيير في البنية الإدارية لمجلسه الجهوي، لا يسمح له بأكثر من تنفيذ ما تسمح به سلطة الوصاية من مداولات المجلس الجهوي.
من هنا ينبغ قرارنا بالترشح للمجلس الجهوي لعاصمة البلاد، منطلقا من وعي تام بحجم التحديات والصعوبات التي تواجهها هذه التجربة الوليدة البالغة الأهمية سواء بالنسبة لواجهة الدولة والمدينة التي تضم حوالي ربع سكان البلاد ومتطلبات تنميتها، أو بالنسبة للعمل على تفعيل المشاركة الشعبية وإعطائها معنى من خلال تحقيق نتائج ملموسة تستجيب لحاجيات ملحة وتتوخى استعادة بعض مؤسسات الدولة لثقة السكان والمساهمة في تعديل النظرة الحذرة والمتشككة تجاه مخرجات الآليات الديمقراطية، تلك النظرة التي رسختها هيمنة الأحزاب الحاكمة بشكل خاص على مخرجات الانتخابات خلال العقود الماضية وحجم الفساد الذي مارسته والأدوار التي لعبتها في تخريب المؤسسات الديمقراطية وإفراغها من أي مضمون إيجابي.
ومن هنا أيضا تنبع رغبتنا في إعطاء صورة مغايرة لتدبير الشأن العام مناقضة لما رسخته الأحزاب الحاكمة وأغلبياتها الداعمة لكلما من شأنه الإضرار بمصالح الشعب وتعزيز غطرسة الأحكام التسلطية، وهي صورة لا نريد لها فقط أن تنطلق من الاعتماد على الشعب بمختلف مكوناته والحرص على إشراك السكان في تسيير شؤونهم المحلية وتحديد الأولويات التنموية التي تستجيب لتطلعاتهم ومصالحهم الحيوية، وإنما أيضا من القدرة على الخروج بالجهات من حالة "اللاصلاحيات" ومن فوضى تداخل الاختصاصات المعيقة للجهود التنموية، لصالح إقامة وضع جديد يحصل فيه التناغم بين الجهة والبلدية وقطاعات الدولة ذات العلاقة، وتنصهر فيه مختلف الطاقات البشرية والمادية المتاحة، من أجل خدمة المصالح الفعلية والحيوية للسكان والنهوض بالعمل التنموي من غيبوبته التي طال أمدها.
س2- هل يعني ذلك أنكم تنظرون إلى الانتخابات الحالية على أنها تمثل بالنسبة لكم فرصة للتغيير؟
عبد الرحمن ولد حمودي: أظن أنه يمكن النظر إلى أية انتخابات على أنها فرصة للتغيير، إن لم نكن مهتمين بنوعية التغيير الذي نتحدث عنه: هل هو إلى الأفضل أم إلى الأسوأ؟ لكنه يلزمنا الكثير من التحفظ عند تناول انتخاباتنا الحالية التي تم تنظيمها قبل أوانها لدواع غير مقنعة، وتم استباقها بتقطيع إداري مشبوه يخفف العبء عن النظام في العديد من الدوائر التي كانت تشكل مصدر قلق بالنسبة له، كما تمت "فبركتها" في ظل تشاور بالغ الغرابة بين وزارة الداخلية والأحزاب السياسية، أسفر عن "هدية ملغومة" على شكل جرعة من النسبية وبعض المزايا تشبه الرشوة مثل طريقة تشكيل لجنة الانتخابات والطريقة التي تم بها صرف الدعم المقدم للأحزاب السياسية.
لا نستطيع أيضا تجاهل حقيقة أن هذه الانتخابات، تنظم في ظل انتهاك سافر لحرية التنظيم، تجسد في الإصرار على منع العديد من التيارات والقوى السياسية من تشكيل أحزابها الخاصة بها، مع الاعتراف العلني للسلطات المسؤولة بأن هذا المنع مخالف للقانون لكنه يصادف هوى في أنفس بعض من ما يزالون يحلمون بالهيمنة على المجال السياسي على طريقة أعتى دكتاتوريات القرن العشرين؛ كما لا نستطيع إلا أن نلاحظ بكثير من الاستنكار الانحياز المكشوف للدولة ولمعظم أجهزتها وخصوصا لإعلامها الرسمي، إلى حزب الإنصاف الذي استقبلت قيادته في رئاسة الجمهورية إمعانا في تكريس "بدعة المرجعية" وإقحاما لمؤسسة تخص جميع الموريتانيين في الصراع السياسي.
هل يمكن في ظل هذه الظروف رفع سقف التوقعات والحديث عن التغيير بمعنى القطيعة مع أساليب النظام الحالي وشخوصه وسياساته؟ قد لا يكون هناك من داع للمجازفة بإعطاء رأي قاطع بهذا الشأن خصوصا إذا ما تذكرنا أن قوى المعارضة اختارت أن تنافس متفرقة على معظم الجبهات مانحة خصمها الرئيسي حظوظا أفضل بكثير مما كان سيؤول إليه الحال لو أنها فضلت مصلحة "التغيير الديمقراطي" على المصالح الحزبية الضيقة. ومع ذلك فمن الواضح أن الوضع في البلاد لن يعود إلى ما كان عليه في السابق، ذلك أن تحالف "أمل موريتانيا" ستكرسه هذه الانتخابات كأحد أبرز أقطاب المعارضة وأن المعارضة ستحتل مكانة داخل المسرح السياسي أقوى بكثير مما كانت عليه في السابق، لتستأنف مهمتها المتمثلة في تحجيم النظام التسلطي ودفعه شيئا فشيئا إلى الانسحاب من نفس النافذة التي تسلل منها ذات غفلة من التاريخ.
س3: هل تعنون بذلك أنكم تتوقعون بأن تحمل نتائج الانتخابات الحالية تغييرا ملحوظا في الخارطة السياسية؟
عبد الرحمن ولد حمودي: وهل يمكن للاقتراع المقبل أن يحمل غير ذلك بعد أن أصبح التغيير الديمقراطي مطلبا جماهيريا؟ فالأحزاب لم تعد لوحدها تحمل هم التغيير، بعد تكاثر الفاعلين الساعين لتحسين ظروفهم والمدركين بأن النظام القائم يمثل السبب الرئيسي للوضع المأساوي الذي تتردى فيه البلاد. فطبقة العمال والحركات الاجتماعية المتنامية والشباب العاطلون عن العمل والطلاب المحرومون من ظروف دراسة ملائمة والنساء معيلات الأسر وصغار التجار وبسطاء الموظفين والمياومون والباعة المتجولون ... وغيرهم من المسجلين على لائحة الحرمان والاضطهاد في البلاد، لن يقبلوا إلى ما لا نهاية بالرضوخ لطبقة حاكمة أثبتت ممارساتها السابقة قصر نظرها وسوء تدبيرها ونواياها، وأثبتت الانتخابات بشكل خاص زيف وعودها وطبيعتها الاحتيالية حتى لا نقول الإجرامية.
س4: ضمن هذا الأفق، ما الذي تقترحونه على سكان جهة نواكشوط؟
عبد الرحمن ولد حمودي: كما قلت في برنامجي الانتخابي، فلا شيء يمنعنا من النظر إلى التنظيم الجهوي باعتباره مكسبا مؤسسيا مهما لترقية الديمقراطية المحلية، وللإصلاح المعمق للهياكل والمصالح الموجهة لخدمة المواطنين بهدف بناء علاقة تنموية متوازنة فيما بين المركز والجهات والمناطق اللاممركزة، غير أنه لا شيء يمنعنا أيضا من الخشية على هذا المشروع من السقوط في براثن بيروقراطية الفساد المنتشرة داخل نخب السلطة، مما دفعنا إلى التقدم للناخبين بلائحة تجمع بين الكفاءة والنزاهة والرغبة في خدمة الشعب، وذلك من أجل توفير البديل القادر على إبقاء هذه الهيئات المنتخبة بمنأى عن قبضة قوى الفساد.
تقدمنا أيضا إلى الناخبين ببرنامج متكامل، يتضمن رؤية تحالف أمل موريتانيا، للعمل الذي يتعين القيام به في حالة فوز لائحتنا للمجلس الجهوي. وهو برنامج يتوزع بين العديد من المحاور التي تشمل رؤيتنا لمكانة الجهة وضرورة استقلاليتها والطرق الأمثل لتسييرها وللقضايا المرتبطة بالمصادر البشرية والتشغيل والبنى التحتية وإعادة الدمج الاجتماعي، إضافة إلى مقترحاتنا في المجالات الثقافية والبيئية وتلك الخاصة بالشباب وبالعمل على تشجيع ميلاد فضاء عام ملائم للعيش الكريم وللتعايش السلمي بين مختلف مكونات المجتمع. ويمكن اختصار مقاربتنا في هذا الإطار بأنها محاولة لإنقاذ تجربة الجهات من المصير الذي آلت إليه البلديات التي لم تستطع بعد أكثر من ثلاثة عقود من إنشائها بلوغ سن الرشد والخروج من تحت عباءة سلطة الوصاية القاتلة.
س5: على ذكر تحالف أمل موريتانيا، كيف ترون مستقبل الشراكة بين أطراف هذا التحالف؟
عبد الرحمن ولد حمودي: ننظر إلى تحالف أمل موريتانيا على أنه من أروع المبادرات السياسية التي شهدتها الساحة منذ سنوات إن لم نقل منذ عقود، ذلك أنه فضاء للمواطنة والوطنية يحتضن قوى سياسية وشخصيات وطنية لا شيء يجمعها سوى الإيمان بضرورة التضحية من أجل بناء موريتانيا موحدة وحرة ومزدهرة وقناعة بإمكانية النجاح في تحقيق ذلك الهدف، يعززها شعور عارم بوحدة المصير تنمحي في ظله الاختلافات الجانبية أو على الأصح تبدو في ظله وكأنها مكونات طبيعية لبنية واحدة هي الشعب الواحد الموحد أو هي دولة المواطنين المتساوين القادرين على تجاوز المحن والتغلب على العقبات التي تعترض سبيل بناء دولة العدالة الاجتماعية والاقتصادية.
قد ينظر البعض إلى تحالف أمل موريتانيا على أنه تحالف انتخابي ظرفي، لكننا نعتبره تحالفا استراتيجيا، يمثل نواة الكتلة التاريخية أو القطب الديمقراطي العريض الذي نسعى لبنائه كتجسيد لنضج مختلف القوى الوطنية والديمقراطية ذات المصلحة في التغيير، ولمدى جاهزيتها لفرض هزيمة النظام واستبداله بنظام ديمقراطي فعلا لا ادعاء؛ ذلك أن تجارب الانتقال الديمقراطي الناجحة تعتبر ميلاد هذا القطب الديمقراطي شرطا ضروريا لإمكانية إنجاح أي عملية انتقال وحمايتها وترسيخها. ومن هذا المنطلق ستظل أيادينا ممدودة للجميع من أجل تجاوز حالة التشرذم الراهنة والتعجيل بتأسيس تلك القوة التي يرتبط بها مصير الأمة والتي باتت في متناولنا أكثر من أي وقت مضى.