محمد الأمين ولد الفاضل
يكاد الكل يُجمع على أن مداخلة النائب محمد بوي كانت مداخلة غير موفقة، وأقل ما يمكن أن يُقال عنها أنها روجت لإساءة ظل الاطلاع عليها في حدود ضيقة جدا، وذلك من قبل أن يقرر النائب أن يسمعها لعدد كبير من الموريتانيين، وذلك من خلال إعادة قراءة أسوأ فقرة فيها في جلسة برلمانية علنية تنقلها قناة البرلمانية بشكل مباشر.
تكفل النائب بما عجزت عنه المسيئة، فأسمع إساءتها لعرض الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام لجمهور واسع، كما أسمع لذلك الجمهور، ومن تحت قبة البرلمان، عبارات خادشة للحياء لا يليق بنائب أن يتلفظ بها في مداخلة يتابعها الموريتانيون من مختلف الأعمار والأجناس والمستويات.
نعم كانت المداخلة خاطئة، ولكن ردود الأفعال التي تبعتها كانت خاطئة هي الأخرى، وبدأت تلك الأخطاء بمداخلة لنائب شاب أراد أن يسجل نقطة سياسية في أول إطلالة برلمانيه له، فطالب - وبكثير من الحماسة - بالانتصار لعرض فخامة رئيس الجمهورية، متاجهلا في الوقت نفسه ما تضمنته المداخلة من إساءة لعرض الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام.
نعم أساءت المداخلة لعرض فخامة رئيس الجمهورية، وهو أمر يستحق الإدانة والتنديد إلا الآن المقام كان يتطلب تجاهل الإساءة إلى عرض فخامة رئيس الجمهورية، والتركيز على الخطأ الأكثر فداحة، وهو الإساءة لعرض الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام في بث مباشر يتابعه عدد كبير من الموريتانيين، ولو أن رئيس الجمهورية تمت استشارته لما تردد في المطالبة بتجاهل الإساءة لعرضه في مقام أسيء فيه لعرض سيد الخلق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن عدم النضج السياسي، وغياب الحكمة والاحترافية، أوقعا النائب الشاب في ارتكاب خطإ جسيم، بتجاهله للإساءة على عرض الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، وتركيزه على الإساءة لعرض فخامة رئيس الجمهورية، وإذا كانت الإساءة لعرض فخامة رئيس الجمهورية خطأ يجب التنديد به بشدة وحزم، ومحاسبة من يرتكب ذلك الخطأ، فإن هذا الخطأ يجب أن يُتجاهل تماما عندما يرتكب في مقام أسيء فيه إلى عرض الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام.
لقد منحت المداخلة غير الموفقة للنائب الشاب، وما أعقبها من ردود أفعال غير موفقة أيضا، فرصا ثمينة للنائب محمد بوي فأخرجته من مأزق سياسي وأخلاقي أدخل فيه نفسه بمداخلته غير الموفقة.
إن ردود الأفعال الخاطئة التي أعقبت مداخلة النائب محمد بوي أخرجت هذا النائب من مأزق حقيقي، ومنحت له ثلاث فرص ثمينة:
أولها : أنها ستظهره للرأي العام على أنه ضحية لدفاعه عن عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، على الرغم من أن مداخلته كانت مسيئة لعرض الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، وسيكسب بذلك الظهور تعاطف شعبية كبيرة لدى البسطاء من الناس، وهي شعبية كان يبحث عنها؛
ثانيها : أنها ستظهره على أنه ضحية لسياسة النظام في تكميم أفواه المعارضة، وسيمنحه ذلك تعاطف الكثير من المعارضين، والكثير ممن يرفعون شعار الدفاع عن حرية الرأي؛
ثالثها : أنها ستمنحه حجة لما أراد أن يسوق من خلال مداخلته، وهي أن النظام يدافع عن عرض رئيس الجمهورية أكثر من دفاعه عن عرض الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام.
هذه الفرص الثلاث كانت ستغيب تماما لو أن مداخلة النائب الشاب، وما أعقبها من ردود أفعال داخل الأغلبية ركزت على جانب الإساءة لعرض الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام في مداخلة النائب، وتجاهلت الجانب المتعلق بالأساءة لعرض فخامة رئيس الجمهورية، فلو أن ذلك حدث لما استطاع النائب محمد بوي أن يقدم نفسه على أنه ضحية للدفاع عن عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أنه ضحية لسياسة تكميم الأفواه التي يقوم بها النظام ضد معارضيه.
كسب النائب محمد بوي سياسيا، رغم ارتكابه لخطإ جسيم، وأخفق النائب الشاب وبعض المدافعين عن النظام رغم أنهم على حق في هذه الجزئية على الأقل، أخطؤوا لإنه في السياسة لا يكفي أن تكون على حق، بل يجب عليك أن تقنع الناس بأنك على حق، وهذا هو ما أخفق فيه المدافعون عن النظام بخصوص المداخلة المسيئة، وذلك بسبب غياب الحكمة والاحترافية لدى النائب الشاب الذي كان صاحب أول ردة فعل على مداخلة النائب محمد بوي، وبسبب ردود الأفعال الخاطئة التي جاءت من بعض الداعمين، والتي سارت كلها في نفس الاتجاه الخاطئ الذي سارت فيه مداخلة النائب الشاب.
يبقى أن أقول في الختام بأنه علينا جميعا أن نبعد الدفاع عن مقدساتنا الدينية عن الصراعات السياسية، وعن المصالح الضيقة الآنية.
ولن يتحقق ذلك إلا إذا كانت ردود الحكومة حاسمة وقوية اتجاه أي إساءة، وماضي الحكومة هنا غير مطمئن، فمسار قضية ولد أمخيطير بعث برسائل غير مطمئنة إلى الشعب الموريتاني، والذي هو شعب مناصر بطبعه للرسول عليه أفضل الصلاة والسلام.
ولن يتحقق ذلك إلا إذا حرمنا المتاجرين بعرض الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام من استغلال النصرة لأغراض شخصية ضيقة، ولنا تجارب مؤلمة في استغلال البعض لنصرة النبي عليه أفضل الصلاة والسلام لتحقيق مكاسب ضيقة ..يمكنكم أن تعودوا بذاكرتم إلى حراك النصرة منذ انطلاقه في العام 2014 وحتى اليوم، ويمكن لمن أراد الدليل القاطع أن يطالع ما كتبتُ عن حراك النصرة في العام 2017 تحت عنوان : " ما لم يقل عن حراك النصرة" ، " النصرة من زعيم الأحباب إلى محامي الجناب".
دعونا نتابع مسار ملف المسيئة، ونبتعد عن التشكيك في النيات، ففي حالة اتخذت الحكومة الإجراءات المناسبة وقفنا معها، وفي حالة حصل العكس جاز لنا حينها أن نقف ضدها، أما اتهام الحكومة حاليا بالتساهل في الدفاع عن عرض الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، ومحاولة المتاجرة بذلك سياسيا، فمثل ذلك لا يقل خطورة عن الإساءة لعرض النبي عليه أفضل الصلاة والسلام.
حفظ الله موريتانيا..