حبر على ورق

أربعاء, 2014-10-15 20:43

كان الشاعر والكاتب الصحافي الزميل فرج العشة، الذي كتب أيضا الرواية، جالسا في مقهى الفندق الذي يقع قريبا من وسط العاصمة الليبية طرابلس، فندق الصفوة، يراجع مخطوطا لكتاب ينوي ان يدفع به إلى النشر، وكما قالت زوجته الشاعرة فاطمة محمود، ان انقطاع الكهرباء في البيت، حال بينه وبين اتمام عمله في المخطوط، فقرر ان ينتقل إلى الفندق الذي يتوفر على مولد، يجعل النور موجودا طوال الوقت. وبينما هو جالس في ركن مقهى الفندق المطل على الشارع رأى أربع سيارات دفع رباعي، تقف أمام الفندق، ويهبط منها عدد من المسلحين في شبه محاصرة للمكان، ويدخل أربعة منهم، شاهرين بنادقهم الرشاشة، ويتجهون إلى حيث كان يجلس الأستاذ فرج العشة يطلبون منه الذهاب معهم. ويبدو ان عددا من زبائن المقهى نهضوا يستفسرون عن سبب هذا الاقتحام، وهذا الاجبار للرجل ان يذهب معهم، فأمروهم ان يلزموا أماكنهم، وألا يتدخلوا فيما لا يعنهم. وقال أحدهم ان الامر لن يأخذ سوى بعض الوقت يعود بعده السيد العشة إلى مجلسه بالفندق، ولكن الرجل ظل غائبا لا يعرف عنه أحد شيئا، بما في ذلك زوجته وبقية أفراد أسرته، الذين راجعوا كل الهيئات الأمنية، والجهات ذات الصلة، فلم يعطهم أحد أية معلومة، ولم تعلن الجهة التي اختطفته عن نفسها، ولا إلى أية مجموعة تنتمي، ولا لماذا اختطفت الرجل، وماذا تريد منه، وكم مدة الاحتفاظ به وأين. فهو اختطاف غامض قامت به إحدى الميليشيات الكثيرة التي تتواجد في العاصمة طرابلس، والتي لا وجود لمرجعية واحدة لها، فهي متعددة، متنوعة، تجتمع في شكل تحالفات مؤقتة، ثم تفترق، وتمارس مثل هذه الأعمال، التي تتصل بالخطف والنهب والقتل والانتقام، دون حسيب ولا رقيب، ولا وجود لدولة، تستطيع ان تبسط فوقها سلطانها، وتمنعها من ممارسة مثل هذه الأعمال الخارجة على القانون.
الأستاذ فرج العشة مثقف وكاتب معروف عاش في المنفى ما يقرب من ربع قرن، هاربا من حكم القذافي الاستبدادي، معارضا له، وناشطا في الحراك السياسي والحقوقي. وعندما قامت ثورة 17 فبراير/شباط، التحم بها، وأعارها صوته وقلمه، باذلا أقصى جهده لحشد التأييد والمناصرة والدعم العربي والدولي للثورة. ولم يعد إلى أرض الوطن إلا بعد ان انتصرت الثورة وتقوض نظام الطغيان ودخلت ليبيا هذه المرحلة الانتقالية التي شابتها أصناف من الفوضى وتسيدت على مشهدها السياسي والأمني والعسكري الميليشيات المسلحة التي قامت بعض عناصرها بخطف هذا الشاعر الذي جاء إلى الفندق بحثا عن النور فهاجمته هذه الموجة من أهل الظلام.
وظل السبب وراء هذا الاختطاف غامضا، لأن السيد فرج العشة، التزم الصمت منذ أمد طويل ولم يظهر موقفا منحازا لطرف من أطراف الصراع في ليبيا، فقد اعتكف على تأليف كتابه الذي لم ير النور، ولم أر له شخصيا أي ظهور إعلامي في الفترة الأخيرة، ولم أجد له صفحة في مواقع التواصل الاجتماعي يعبر فيها عن موقف من الصراع. وأعرف انه مثقف وطني منحاز للثورة ضد الطاغية وأهدافها ومبادئها، مؤيد للدولة المدنية الدستورية، اللهم إلا إذا كان في الأمر استهداف لأهل الفكر والثقافة، وأهل الأدب والإبداع، وهو أمر ليس غريبا، لأنه قبل اختطاف السيد فرج العشة، تعرض بيت الشاعر والكاتب الدكتور عاشور الطويبي، إلى الهدم والحرق من قبل إحدى هذه الميليشيات في مدينة الزاوية التي تقع غرب طرابلس بمسافة قصيرة . 
ويبدو ان الاستهداف الذي طال الناشطين الحقوقيين والسياسيين وبعض أهل القضاء والجيش في بنغازي قد انتقل إلى العاصمة طرابلس، واختار ضحاياه من بين الكتاب والمثققين من ذوي الاتجاه المدني، مما يستدعي ان نرى استنفارا في أوساط المثقفين العرب لإدانة هذا المخطط، ودعوة المؤسسات الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة المجرمين وإصدار أوامر القبض عليهم ومثولهم أمام القضاء.

٭ روائي ليبي

د. أحمد إبراهيم الفقيه