محمد الأمين سيدي مولود - نائب برلماني
لا يكابر أي مهتم بالشأن العام بخصوص صعوبة التغيير خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة، لعدة أسباب منها تورط الدولة كجهاز رسمي في العملية الانتخابية، واستغلال المال العام خاصة مع انتشار الفساد بشكل رهيب خلال المأمورية المنصرمة، ومنها ضعف المعارضة وتفككها واختفاء قواها التقليدية من المشهد الفاعل ومن الحصاد الانتخابي وحصرها في صور مع الرئيس، ومساعي لحوارات هنا وهناك، ومن هذه الأسباب عدم قدرة الناخب عموما على ترجمة سخطه من الواقع في التصويت العقابي ضد حاكميه خلال مأمورية كثيرة الموارد قليلة الإنجاز.
ورغم كل ما سبق فإن التغيير السلمي والقانوني بات مطلبا ملحا أكثر من أي وقت مضى، ومظنة التغيير الجاد ستبقى محصورة في المعارضة وخاصة من وقفوا ضد الأنظمة الفاسدة طيلة العقود الماضية، وواصلوا نضالهم خلال المأمورية الأولى للرئيس الحالي والتي شملت فتنتها ركون الكثير من المعارضين إلى النظام إن لم يكن الالتحاق به وتأييده علنا. ويمكن القول إن هذا المطلب الضروري ليس مستحيلا رغم صعوبته، لكنه يحتاج قرارات أصعب وجهودا أكبر من أي وقت مضى، ثم إن من يفكرون استراتيجيا في التحول الإجباري دستوريا من رئيس إلى رئيس 2029 عليهم أن يجدوا موطئ قدم خلال موسم 2024 مهما كانت الظروف، فما هي خيارات المعارضة؟
خيار المقاطعة:
وهو ما يدفع له النظام بسلوكه، حيث لم يبذل إلى الآن (خمسة أشهر تفصلنا عن الاقتراع) أي جهد في سبيل الذهاب إلى انتخابات توافقية، خاصة بعد ما اقترفه في الانتخابات الماضية من تجاوزات، وعدم التزامه بما اتفق عليه في الحوار الخاص بالانتخابات، وهذا ما يجعل النظام وحده يتحمل مسؤولية عواقب أي أمور تحصل إبان هذه الانتخابات أو بعدها، وكأنه يجهل أو يتجاهل واقع البلد وهشاشته وتزايد السخط جراء الظروف الصعبة التي يعيشها المواطن المطحون بالبطالة والأسعار، علاوة على ظروف المنطقة عموما التي تعيش على بحر رمال متحرك من الاضطرابات السياسية والاجتماعية والأمنية، وتتجاذبها قوى دولية متشاكسة. ولهذا سيكون النظام والبلد عموما في خطر بسبب هذا الخيار، وقد لا يكون خيارا مناسبا أيضا للمعارضة إذ تقول التجارب السابقة إن غياب خطابها وأنشطتها خلال المواسم الانتخابية الهامة من أبرز أسباب ضعفها، رغم أن الرئاسيات تختلف عن النيابيات والبلديات والجهويات لأن الرئاسيات تخضع "للكل أو اللا شيء" أي أنها إما النجاح وإما الخسارة، عكس غيرها الذي يكسب جزئيا ولا يخسر كليا.
خيار مرشح من خارج المعارضة:
وهذا الخيار قد جُرّب مرات من قبلُ وقد يكون أكثر سلبية من خيار المقاطعة بل من أي خيار، وذلك لأنه إهدار لجهود المعارضين وخطاباتهم في تلميع شخص من النظام الحالي أو من الأنظمة السابقة من الصعب وصوله إلى السلطة، ومن المستحيل استمراره في المعارضة، وهو ما يجعل هذا الخيار عبثيا إلى حد كبير، إذ لا هو سعي للوصول الجدي إلى السلطة حالا ولا هو استثمار استراتيجي في الخطاب المعارض، وفي تلميع قيادات المعارضة التي كانت في الميدان وستستمر في السعي إلى التغيير، مما يكسبها ويكسب المعارضة عموما المزيد من تراكم الخبرة والشعبية ويكرس خطابها أكثر وينشره بشكل أوسع إلى أن تصل إلى السلطة ولو في إطار ائتلاف.
خيار المرشح المعارض الموحد:
وفي هذا الخيار إيجابية جمع جهود المعارضة في مصب واحد، ويعطيه جدية أكبر، لكنه يسهل خسارتها بفارق كبير جدا بسبب نمط ولاءات الناخب، ولغياب شخصية محورية ضامنة لولاء كل أو جل الجمهور المعارضة والساخط والمتردد، كما أن هذا الخيار يصعبه أكثر التباين الكبير في خطاب القوى والشخصيات والتيارات المعارِضة، وكذلك الاختلاف في ترتيب أولويات هذه المعارضة، هذا مع وجود عدة شخصيات طامحة للترشح.
خيار تعدد المرشحين:
هذا الخيار يظهر المعارضة كما لو كانت مشتتة متفرقة، وقد يُحدث ذلك تشويشا في ذهن الناخب، خاصة إن عامل بعض المعارضة بعضا معاملة المنافس أو الخصم أثناء أو قبيل الانتخابات، لكنه قد يكون الخيار الأفضل لكسب أكبر عدد ممكن من الأصوات لصالح كفة المعارضة عموما مقابل مرشح السلطة، وذلك بسبب ولاء الناخب الذي قد يخضع لتأثير الولاءات القبلية والجهوية وحتى العرقية الخ بعض الأحيان أكثر من تأثير الخطاب السياسي ومن تمحيص مسارات المرشحين وموافقهم من قضايا الشعب والوطن.
كما أن هذا الخيار قد يقود للشوط الثاني ويصعب الحسم في الشوط الأول، خاصة إذا تعدد المرشحون الجادون، وتباينوا في انتماءاتهم الجهوية والعرقية والقبلية وحتى الفكرية، فكل ذلك يساعد في كسب المزيد من الناخبين من موارد مختلفة متعددة وينقص فرص الحسم في الشوط الأول أو يصعبها.
ولكن هذا الخيار يحتاج جهودا منها توقيع اتفاق بين المعارضة لدعم أي مرشح منها يصعد إلى الشوط الثاني مع مرشح السلطة حال حصول ذلك، ويتضمن هذا الاتفاق التعهد بعدم المشاركة في الانتخابات ما لم تهيأ أرضية مناسبة لذلك من خلال تغيير اللجنة المستقلة للانتخابات، والالتزام بإبعاد الإدارة من التأثير على الناخب، ومنع استغلال إمكانات الدولة ورمزيتها لصالح مرشح السلطة الحالية، ومنها تسهيل الاجراءات المتعلقة بالترشح وتحسين الشراكة في الإعلام وخاصة الرسمي قبل الانتخابات، وتغيير النظام الداخلي للجمعية الوطنية وهو نظام ضيق كثيرا على النواب وخاصة المعارضة وقلص مجال الرقابة لدى البرلمان.. إلخ
وختاما،
يمكن القول إن خيارات المعارضة في هذه الانتخابات ليست سهلة، بسبب قتل النظام الحالي للعمل السياسي عموما ولتخلي المعارضة التقليدية تدريجيا عن الفعل المعارض، وتأخر المعارضات الصاعدة في ملء الفراغ بسبب نقص الانتظام وبعض الفوضوية، ولكن كل ذلك أقل سلبية من سلوك النظام الذي انتشر الفساد في عهده وخيب الآمال رغم تضاعف الميزانيات، وحارب الحريات، وأضعف المؤسسات وأحيى النعرات القبلية وقوى المرجعيات التقليدية، وعاني في ظله الضعاف بسبب الارتفاع الصاروخي للأسعار، وتحدى مشاعر المواطنين بتدوير كثير من المفسدين الفاسدين في مناصب هامة وكثيرة رغم كثرة الكفاءات النظيفة.
إن المعارضة لن تقوى إلا بمدد شعبي واع ومنتظم، وخاصة من القوى الحية التي تجمع بين الوعي والمعاناة مثل الموظفين ذوي الدخل الضعيف كالمعلمين والأساتذة وموظفي قطاع الصحة والقطاعات الأمنية والعسكرية - مع مراعاة القوانين - وموظفي الإدارة، وكذلك من يعانون في القطاعات الانتاجية مثل المنقبين والمزارعين والصيادين التقليديين والمنمين، بالإضافة إلى كتل الوعي والاستقلالية الأخرى مثل طلاب الجامعات والثانويات والمعاهد، والجاليات في الخارج، وسكان المدن الكبيرة حيث يفترض الوعي وتوجد المعاناة بما في فيها معاناة العيش كمثال على فشل النظام تنمويا.
إن تغيير البلدان والمجتمعات لا يمكن أن يحصل بجهد أفراد معدودين، بل بحركة جماهيرية كبيرة يعتبر كل فرد نفسه لبنة منها ويدرك أن غيابه أو تقصيره يعرقل اكتمال بناء التغيير المنشود. وإن هذا التغيير هو المنجاة لبلدنا ولشعبنا من منزلقات عاشتها دول مشابهة في منطقتنا، ومن السخف انتظار ذلك من لوبيات حكمت خلال السنوات الفارطة وجربت مرات ولم تنجز غير واقعنا المأساوي اليوم.