كما تابعنا في الأسبوعين الماضيين، شهدت أفريقيا وآسيا سلسلة من المفاجآت المدوية، تجلت في ثورة البسطاء التي ساهمت في تغيير خريطة المنافسة في كأسي أمم أفريقيا وآسيا، وفي رواية أخرى، تسببت في انقلاب موازين القوى، خاصة في الماما أفريكا، بصعود أقل ما يُقال عنه نيزكي لما كانت تُعرف في الأمس القريب بالمنتخبات المجهولة في قارة المواهب الخام السمراء، مقابل تهاوي شبه جماعي للمنتخبات الكبرى، التي كانت دائما ما تتقدم صفوف المرشحين لنيل لقب الأميرة السمراء أو على أقل تقدير الذهاب إلى أبعد ما كان في البطولة، قبل أن تتبدل الأوضاع في النسخة الحالية المجنونة، بذاك الزلزال الكروي العنيف الذي أسفر عن سقوط ضحايا من الوزن الثقيل، فضلا عن توابعه التي عجلت بإنهاء مشوار عدد لا بأس به من كبار مشاهير المدربين، في مقدمتهم مدرب المنتخب الجزائري جمال بلماضي، لإخفاقه في إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح في فرصته الثالثة بعد خيبة الأمل المزدوجة في العام 2022.
لعنة الفراعنة
بإلقاء نظرة عابرة على أسباب نحس المنتخب الجزائري في البطولة الأفريقية، منذ العودة من القاهرة في 19 يوليو / تموز 2019، بالكان الثانية في تاريخ محاربي الصحراء، سنجد أن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق المدرب بلماضي، صحيح أن الحديث عن وزير السعادة الذي قاد الخضر لأول لقب خارج الوطن، والرجل صاحب الكاريزما والحضور والخبرة وقل ما تشاء من هذا القبيل، لكن هذا لا يتعارض أو ينفي حقيقة أنه بصم على بطولة للنسيان، رغم ارتفاع سقف طموح وتوقعات المشجعين والرأي العام في البلاد، أملا في تعويض ما حدث في بطولة أفريقيا الأخيرة، بالتجرع من مرارة الخروج المبكر من المونديال الأفريقي للمرة الرابعة في التاريخ، وأيضا الثقة في وعود المدرب، بإحداث ثورة تغيير شاملة في صفوف المنتخب، في ما عُرف في وسائل الإعلام المحلية و«السوشيال ميديا»، بمشروع بلماضي الجديد، الذي من المفترض أنه كان سيرتكز على فكرة النزول بأعمار جيل 2019، خاصة بعد ظهور مؤشرات الشيخوخة على رجاله المخلصين الذين اقتربوا أو لامسوا منتصف عقد الثلاثينات، بيد أنه على أرض الواقع، سرعان ما صُدم الجمهور الجزائري بوقوف بلماضي على أطلال الماضي، معتمدا على تشكيلة لا تختلف كثيرا عن تلك التي توجت بلقب 2019، وحدث ذلك في أول مباراتين أمام أنغولا وبوركينا فاسو، وبعد سقوط المدرب في المحظور، أو بعبارة أكثر صراحة، بعد فوات الأوان، حاول جمال أن يستنجد بالدماء الجديدة في المباراة الفاصلة أمام منتخب موريتانيا، بالدفع بحسام عوار وهشام بوداوي وآدم وناس، وهذا في عالم كرة القدم، يندرج تحت مسمى «انتحار كروي» أو «مقامرة» غير مضمونة، كون هذا النوع من التجارب يأتي عادة في المباريات الودية وما توصف بالنزهات الكروية السهلة، وليست في مباراة فاصلة ومصيرية لمشوار المنتخب في بطولة بحجم الكان، فكانت الضريبة حالة عدم الانسجام التي بدا عليها المنتخب الجزائري أمام منتخب «المرابطون»، بالأخص في آخر ربع ساعة، التي غلب عليها الطابع الفردي، مقارنة بمنتخب المليون شاعر، الذي كان على موعد مع مباراة العمر، ولولا المبالغة في الاستعراض في اللمسة الأخيرة، والتي وصلت لمرحلة الرعونة أمام مرمى الحارس المغلوب على أمره أنتوني ماندريا، لانتهى الدربي العربي بنتيجة تاريخية. لكن في كل الأحوال، نجح المنتخب الموريتاني في تفجير واحدة من كبرى مفاجآت الكان، بالإطاحة ببطل نسخة 2019 عن جدارة واستحقاق، إلى جانب كتابة الفصل الأخير في رحلة بلماضي مع منتخب بلاده، كضريبة باهظة الثمن للأخطاء المتراكمة، التي بلغت ذروتها في هذه البطولة، وتحديدا في مباراة الفرصة الأخيرة، التي لم يُحسن إدارتها، تارة بعدم التوفيق في اختيار العناصر الأساسية، وتارة أخرى بالتغييرات التي تسببت في التراجع المخيف في الشوط الثاني، في ما كانت أشبه بالظاهرة الواضحة في أداء المنتخب الجزائري في الكان، وتكمن في التفاوت الكبير في مستوى المنظومة الجماعية والأفراد في كل شوط، ببداية عادة ما تكون عنترية، كما حدث في الشوط الأول أمام منتخب «الفهود» ونفس الأمر أمام منتخب «الخيول»، حتى لحظة استقبال الهدف الذي جاء على عكس أحداث وسير المباراة في آخر لحظات الشوط الأول، وما زاد الطين بلة وكان واضحا وضوح الشمس في ظهيرة أغسطس / آب، ذاك التفاوت الصادم في المستوى في الشوط الأول مقارنة بالانهيار البدني المفزع في الشوط الثاني أمام موريتانيا، ناهيك عن تجسيد مقولة «كل حلفائك خانوك يا ريتشارد»، في بلماضي، والإشارة إلى الحالة الفنية والبدنية المتواضعة التي كان عليها جُل الأسماء التي كان يعول عليها، في مقدمتهم الأيقونة رياض محرز، الذي تحول فجأة من الأسطورة والمُلهم إلى واحد من الأعباء الزائدة على المنتخب والفائضة عن حاجة بلماضي، ولعلنا تابعنا ردود الأفعال الغاضبة على مستوى القائد سواء في البطولة بوجه عام، أو بعد إشراكه كبديل في اللقاء الفاصل أمام موريتانيا، كأنه لاعب قريب الشبه من نسخة «حطها في الجول يا رياض»، شأنه شأن المدرب وباقي زملائه الذين جانبهم التوفيق في هذه البطولة، وغيرها من التفاصيل البسيطة التي مهدت لكارثة خروج المنتخب الجزائري من الدور الأول لكأس أفريقيا للمرة الثانية على التوالي، لعل أبرزها تكرار نفس أخطاء كان الكاميرون وفاصلة مونديال قطر 2022 أمام «الأسود»، ويكمن في غياب الفاعلية الهجومية وحالة التسرع في اللمسة الأخيرة أمام المرمى. هذا ولم نتحدث عن توقف سلاح بلماضي أو رهانه القديم على العامل النفسي والتحفيزي للاعبين، وذلك لو نلاحظ منذ انتهاء حافز سلسلة اللا هزيمة في 35 مباراة على التوالي، في ليلة السقوط أمام غينيا الاستوائية في الكاميرون، والدليل على ذلك مقارنة أرقام وعروض المنتخب قبل هذه المباراة وبعدها، خصوصا في المواجهات المرتقبة، بعيدا عن التصفيات المؤهلة لكان كوت ديفوار وضربة بداية إقصائيات مونديال أمريكا الشمالية 2026، بالإخفاق في تحقيق ولو انتصار يتيم في 6 مباريات منذ التتويج بالبطولة في القاهرة، بإجمالي 3 هزائم ومثلها تعادلات، في رقم قياسي سلبي غير مسبوق في تاريخ الخضر، وُضع في جمل مفيدة بالجملة مع لعنة الفراعنة، فكان طبيعيا أن يبادر بلماضي بتقديم استقالته قبل أن يُعلن رئيس اتحاد الكرة وليد صادي، بشكل رسمي انتهاء مشوار «وزير السعادة» سابقا مع «محاربي الصحراء»، على غرار ما حدث مع باقي ضحايا الخروج المبكر من البطولة، في مقدمتهم جاره التونسي جلال قادري، بعد صدمة نسور قرطاج من الدور الأول، جنبا إلى جنب مع كريس هيوتون، مدرب المنتخب الغاني، وأيضا بعد وداع الكان للمرة الثانية على التوالي بلا أي انتصار، ومعهما مدرب كوت ديفور جان لوي جاسكيه، لتدهور نتائج منتخب البلد المنظم، والتي وصلت لحد الانحناء أمام غينيا الاستوائية برباعية كاسحة، وسبقها هزيمة محبطة أمام «النسور الخضراء» النيجيرية، بالإضافة إلى توم سينتفينت، الذي بادر الى تقديم استقالته من تدريب منتخب غامبيا، بعد التفريط في نقاط التأهل لدور الـ16، في ما تُعرف بليلة ريمونتادا «الأسود» الكاميرونية، وكذا الجزائري عادل عمروش، الذي خسر منصبه في سُدّة حكم المنتخب التنزاني، على خلفية العقوبة التي فُرضت عليه من قبل الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف)، بإيقافه لمدة ثماني مباريات، بسبب ما وُصفت إعلاميا بالتصريحات غير الموفقة ضد المنتخب المغربي.
خذلان صلاح
كما شعر المشجع الجزائري بشيء من الخذلان تجاه بلماضي وعروض المنتخب السيئة في البطولة، تجرع الشارع الكروي والرأي العام في مصر من نفس المرارة، لكن ليس بسبب سلسلة التعادلات ولا تذبذب المستوى من مباراة الى أخرى، بل من الموقف الصادم للبطل الشعبي محمد صلاح، بالتساهل مع تصريحات مدربه في ليفربول يورغن كلوب، أو كما يتردد على المقاهي وبين البسطاء قبل الأثرياء من الاسكندرية إلى أسوان، بتنصل القائد عن مسؤوليته ومهمته الرئيسية مع المنتخب وتجاه بلاده بوجه عام، بعد موافقته بهذه السهولة على ترك معسكر المنتخب والعودة إلى إنكلترا، لاستكمال علاجه وبرنامج إعادة تأهيله تحت إشراف الطاقم الطبي لليفربول، وهذا الأمر في حد ذاته، فُسر على نطاق واسع، باعتباره إهانة وتقليل متعمد من الطاقم الطبي للمنتخب، وأسوأ من هذا وذاك، حالة الغموض والضبابية حول طبيعة الإصابة التي ألمت بالمو في ملحمة غانا في الجولة الثانية، بدأت برسائل مطمئنة للمشجعين، بأنها مجرد إصابة عضلية من النوع الطفيف، على إثرها سيغيب عن مباراتي الجولة الثالثة للدور الأول ودور الـ16، على أن يستعيد مكانه في القوام الرئيسي في حال تمكنت مصر من التأهل الى الدور ربع النهائي، بعدها تضاربت الأقاويل والقيل والقال حول تشخيص الإصابة وفترة غيابه المتوقعة، التي تضاعفت فجأة من أسبوع الى 10 أيام، إلى ما يلامس الشهر، أو كما نقل الإعلام المصري عن المصادر الموثوقة داخل «الأنفيلد»، لمدة لن تقل بأي حال من الأحوال عن ثلاثة أسابيع، ما يعني بالتبعية أنه في أفضل الأحوال، لن يظهر صلاح مرة أخرى بقميص منتخب بلاده في البطولة، حتى لو حجز تذكرة اللعب في المباراة النهائية المقررة يوم 11 من فبراير / شباط المقبل، كونه نفس الموعد المحدد من قبل الطاقم الطبي الإنكليزي لعودته من الإصابة. وقبل هذا وذاك، لم تتقبل الأغلبية الكاسحة أو تهضم، فكرة انسحاب القائد من المنتخب تحت أي مسمى أو ظرف في هكذا ظروف، وبعيدا عن كونه القائد، يصنف كواحد من أفضل وألمع نجوم اللعبة في البريميرليغ والعالم، ما يعني أن خروجه أو بالأحرى انسحابه، سيكون أشبه بالضربة الموجعة لمعنويات رفاقه في غرفة خلع الملابس، أو بالنسبة لأكثر المتفائلين، سيكون سلاحا ذا حدين لمحمود تريزيغيه وعمر مرموش وأبو جبل وباقي المجموعة، إما باستغلال الفرصة والاستفادة منها بشكل إيجابي، للرد على حملات التشكيك وما يُشاع عن ارتباط نجاحات مصر بأقدام صلاح وأهدافه الحاسمة، وإما يحدث تشقق في الصفوف بعد فقدان القائد ونصائحه من الآن فصاعدا، والشيء المبشر للمشجعين في وطن ملوك البطولة، أن الأمور سارت على ما يرام في أول اختبار حقيقي بدون صلاح، والإشارة إلى العرض الراقي الذي قدمه الفريق أمام متصدر المجموعة والحصان الأسود للبطولة منتخب الرأس الأخضر (كاب فيردي)، تلك المباراة التي شهدت ومضات من الشخصية التقليدية المحفورة في الأذهان عن منتخب الفراعنة في هذه البطولة، أو كما يرى بعض النقاد والمتابعين، التدرج التقليدي للمنتخب المصري في مسابقته المفضلة، تلك العادة القديمة التي نادرا ما تفارق هذا الفريق في كل العصور، وتكمن في صعود مستوى الأفراد والمنظومة الجماعية من مباراة الى أخرى، إلى أن يبدأ في مرحلة التكشير عن الأنياب واستعراض الخبرة والثقافة والتاريخ أمام خصومه في مراحل خروج المغلوب، ويبقى سؤال المليون دولار هنا: هل سينجح المدرب البرتغالي روي فيتوريا في البناء على ما قدمه الفريق أمام منتخب جزر الرأس الأخضر بدون صلاح؟ أم ستكون العواقب وخيمة بعد عودة القائد إلى إنكلترا؟ هذا ما سنعرفه بداية من اختبار اليوم الأحد أمام منتخب الكونغو الديموقراطية في مستهل الإقصائيات وتجدد محاولة فك عقدة الأميرة السمراء العصية على المصريين منذ 14 عاما.
أم المعارك
صحيح المنتخب المغربي، أقل ما يُقال عنه أنه أبلى بلاء حسنا في البطولة حتى هذه اللحظة، بعد حصوله على صدارة المجموعة، بحصد ما مجموعه 7 نقاط من انتصارين على تنزانيا وزامبيا وتعادل وحيد أمام منتخب جمهورية الكونغو، والأهم من ذلك، عبر عن نفسه كما ينبغي في هذه المباريات، كمرشح فوق العادة للمنافسة بشكل حقيقي على اللقب الغائب عن أسود أطلس منذ 5 عقود، لكنه لم يكن محظوظا بما فيه الكفاية في نهاية مشوار المجموعات، بداية بالنبأ التعيس بتلك العقوبة الرادعة على مدرب المنتخب وليد الركراكي، بإيقافه لمدة 4 مباريات، جراء ما حدث في لقطة اشتباكه مع لاعب منتخب الكونغو عقب نهاية مباراة الجولة الثانية، إلى جانب القرعة الصعبة نوعا ما، التي أوقعت رابع مونديال قطر أمام منتخب البافانا بافانا الجنوب أفريقي في دور الـ16، وذلك بعد استفاقة منتخب «الأولاد» من البداية التعيسة، التي كانت قد أسفرت عن السقوط المؤلم أمام مالي بثنائية نظيفة في المباراة الافتتاحية، قبل أن يأتي موعد الصحوة أو الاستيقاظ من النوم العميق، بذاك العريض الهوليوودي والانتصار الساحق الذي تحقق على حساب ناميبيا برباعية بلا هوادة، وتبعها التعادل الذي جاء بطعم الانتصار أمام المنتخب التونسي في ختام الدور الأول، ما يعني بلغة كرة القدم، أن المنتخب المغربي سيكون على موعد مع ملحمة خارج التوقعات وقابلة لكل الاحتمالات عندما يلتقي ببيرسي تاو ورفاقه بعد غد الثلاثاء، حتى لغة الأرقام والإحصائيات ترجح هذا الرأي، والدليل على ذلك أنه خلال 5 مواجهات مباشرة سابقة، خسر المنتخب المغربي في مناسبتين وتعادل في مثلهما، في المقابل تذوق طعم الفوز على الأولاد مرة واحدة في اللقاء الأخير بينهما في نسخة مصر 2019، ونفس الأمر ينطبق على الملحمة الأفريقية الخالصة التي ستجمع المنتخب المالي بنظيره منتخب بوركينا فاسو، في رحلة بحث الأول عن العودة إلى أمجاد الماضي، حين كان عضوا دائما في المربع الذهبي في أول 6 مرات شهدت عبوره من دور المجموعات، وأيضا خصمه منتخب «الخيول»، هو الآخر يطمح في ممارسة عادته القديمة، بحجز مكان في المربع الذهبي كلما تخطى الدور الأول في نسخ 1998 و2013 و2017 و2021، حتى مواجهة الحالمين بالمجد الرأس الأخضر وموريتانيا، سيكون من الصعب التكهن بنتيجتها، بعد المفاجآت المدوية التي فجرها كل منتخب في الدور الأول، بوصول ممثلنا العربي إلى مراحل خروج المغلوب للمرة الأولى من خلال مشاركته الثالثة في البطولة، والآخر يبحث عن الانفراد بلقب الحصان الأسود في مشاركته الرابعة في البطولة، بعد إنجاز 2013 بالوصول إلى الدور ربع النهائي وثمن النهائي في النسخة الأخيرة. وعلى سيرة الطامحين في المجد في قارة المواهب، سيكون من الصعب استبعاد حدوث مفاجأة أخرى من قبل منتخب ناميبيا، بعد معجزة الوصول الى دور الـ16 من نفس المجموعة التي خرج منها المنتخب التونسي، خاصة وأن منافسه المنتخب الأنغولي، ليست لديه خبرات كبيرة في اختبارات خروج المغلوب، وكذلك الأمر لموقعة الثنائي غينيا وغينيا الاستوائية، وأيضا الكلاسيكو الغرب أفريقي المرتقب بين البلد المنظم كوت ديفوار، الباحث عن استعادة هيبته وكبريائه بعد فضائح الدور الأول على يد مدربه الفرنسي المقال، أمام حامل اللقب والمرشح رقم 1 للاحتفاظ بلقبه المنتخب السنغالي.
معجزة المعجزات
عزيزي القارئ، كن على ثقة وقناعة تامة، بأن كل ما سبق في كفة، وما حققه منتخب وطن الأبطال الفلسطيني في كفة، بما يمكن وصفه بمعجزة المعجزات من حيث المنطق والعقل، بافتكاك بطاقة الترشح للدور ثمن النهائي، رغم ما يحدث في وطنهم، من إبادة جماعية ومذابح غير مسبوقة في الألفية الجديدة، وما يقابلها من خزي وعار وتواطؤ عالمي، لترك قوات الاحتلال الصهيونية تمارس جرائمها المروعة في حق أهالينا في القطاع المدمر والضفة الغربية، شاملة عمليات التدمير الهمجية للمؤسسات والمنشآت الرياضية والكروية سواء في الأراضي المحتلة أو المحاصرة منذ سنوات، والأسوأ عمليات التضييق والاستهداف المباشر للرياضيين ولاعبي كرة القدم، كنوع الحقد والغل الصهيوني، لمنع أي نجاح رياضي تحت مظلة العلم الفلسطيني، وفي العالم الافتراضي، تتسابق منصات التواصل الاجتماعي لتقليل ومنع انتشار أي محتوى داعم لقضية القضايا، مع ذلك شاء القدر أن تضطر هذه المنصات ومن ورائها وسائل الإعلام العالمية الصفراء، لترديد وكتابة اسم فلسطين رغما عنها، كجزء من التغطية الإعلامية لبطولة آسيا، ولو أنه بعيدا عن العاطفة، يمكن القول إن أغلب المتابعين لتطور منتخب الفدائي منذ تمرسه على المشاركة في هذه البطولة قبل ثماني سنوات، كانوا على ثقة بأن رجال المدرب التونسي مكرم دبدوب، سينجحون في مرافقة إيران إلى دور الـ16، سواء في المركز الثاني أو ضمن أصحاب أفضل مركز ثالث في باقي المجموعات، وقد ظهرت هذه الومضة المبشرة للمرة الأولى، في البروفة الأخيرة قبل خوض غمار كأس آسيا، التي انتهت بالتعادل أمام المرشح القوي للفوز بالبطولة المنتخب السعودي، ثم في العودة القوية بعد الهزيمة أمام إيران بنتيجة 4-1، من خلال فرض التعادل الإيجابي بهدف لمثله على المنتخب الإماراتي، ثم باكتساح هونغ كونغ بثلاثية تاريخية كانت قابلة للضعفين. وبدرجة أقل، حقق منتخبنا العربي الآخر السوري واحدة من المعجزات الكروية، بتخطي مرحلة المجموعات للمرة الأولى في كأس آسيا، بجمع نفس نقاط الفدائي، بدأت بتعادل سلبي مع أوزبكستان، ثم بهزيمة بشق الأنفس أمام المنتخب الأسترالي بهدف نظيف، وفي الأخير تخطى المنتخب الهندي بهدف عمر خريبين التاريخي، الذي جلب بطاقة الترشح. وكما أشرنا أعلاه، سبقهما المنتخب الموريتاني العربي، بحدث غير مسبوق في تاريخه، بضرب عصفورين بحجر واحد في ليلة إقصاء الجزائر، الأول بكسر عقدة المنتخب مع الانتصارات في مشاركاته في الكان، والثاني بالترشح للمرة الأولى للمراحل الإقصائية.. كل التوفيق لممثلينا العرب في كأسي أفريقيا في معارك خروج المغلوب.