واصلت القضية الفلسطينية والحرب الدائرة في غزة تصدرها لاهتمام الرأي العام الموريتاني بشتى أطيافه، حيث كان لها حضورها القوي في جلسات دورة البرلمان الموريتاني التي اختتمت للتو، فقد استهل مختلف نواب الكتل البرلمانية نقاشاتهم ومداخلاتهم بالحديث عنها وعما يشهده قطاع غزة من تدمير وقتل وتشريد للأهالي من سكان الأرض وملاكها.
ونظم حزب تكتل القوى الديموقراطية، أحد أعرق الأحزاب الموريتانية، الأحد بمدينة نواذيبو العاصمة الاقتصادية الموريتانية، مهرجاناً تضامنياً مع غزة، رُفعت خلالها لافتات الدعم والمؤازرة إلى جانب رفرفة الأعلام الفلسطينية وعرض صور الشهداء ولقطات مؤثرة من الدمار الكبير الذي شهده قطاع غزة.
وأكدت النانه بنت شيخنا، رئيسة اللجنة السياسية في الحزب، “أن هذا المهرجان الحاشد منظم تضامناً مع الشعب الفلسطيني في معركته المصيرية التي يخوضها باسم الأمة الاسلامية والعربية وكافة قوى التحرر في العالم، ضد حرب الإبادة والتهجير المتواصلة ضد سكان غزة الأبية”. ودعت بنت شيخنا “الشعب الموريتاني إلى مزيد من الحراك والتظاهر السلمي والتبرع بالمال دعماً لإخواننا في فلسطين”.
وأكدت “أن الحضور المتميز لساكنة المدينة لهذه التظاهرة ينم عن تعلقهم بالقضية الفلسطينية”.
وعبر المتظاهرون عن رفضهم للعدوان الصهيوني المستمر على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، مطالبين بضغط شعبي لوقف تجويع سكان القطاع المحاصر.
وخلال وقفات احتجاج نظمت خلال عطلة الأسبوع، أمام سفارات الدول الغربية في نواكشوط، وأمام مقر الأمم المتحدة، ركز المتظاهرون على لفت الأنظار لخطورة برنامج الإبادة الذي تنفذه إسرائيل، حيث رفعت لافتات كتب عليها: “أوقفوا حرب الإبادة على غزة”.
وعبر المتظاهرون عن إدانتهم لتواطؤ دول غربية مع فلول المحتلين الصهاينة، ومشاركتهم لهم في جرائمهم المستمرة على القطاع المحاصر.
وأكد أحمدو ولد امباله، نائب رئيس الجمعية الوطنية الموريتانية في كلمة خلال مسيرة السبت “أن عملية طوفان الأقصى كشفت هشاشة الاحتلال الإسرائيلي”، مضيفاً أن “تحرير فلسطين كلها قد بدأ، ولا بد أن نبذل جهداً لننصر إخواننا في غزة، ويجب أن نواصل المسير”.
وأكدت كتلة نواب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (الإسلاميون) في ندوة صحافية مخصصة لعرض نشاطها خلال الدورة البرلمانية المختتمة “أن الدورة النيابية انعقدت في ظل ما تعرفه فلسطين من جرائم حرب بشعة وعدوان آثم على فلسطين كلها، وقطاع غزة بشكل خاص، وبدعم تام ورعاية كاملة من دول غربية على رأسها الولايات المتحدة وأمريكا”.
وأوضحت الكتلة في بيان لها “أن الفريق النيابي للتجمع الوطني للإصلاح، حرص خلال الدورة على أن تظل القضية الكبرى حاضرة في كل مداخلاته، تضامناً ودعوة للحكومة لقيادة جهد دولي لوقف هذا العدوان، ووقوفاً وإعجاباً بصمود وبطولة وإباء الشعب الفلسطيني، وإصراراً منه على مواصلة مشوار الكفاح ضد المحتل رغم ارتقاء عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمصابين، فضلاً عن الظروف الإنسانية التي تجاوزت كل حد”.
وفي مقال بعنوان “الصهيونية الدولة المستحيلة”، أكد الكاتب الموريتاني الشهير الدكتور السيد عبد الله الأستاذ بجامعة نواكشوط “أنه عندما اندلعت أحداث 7 أكتوبر وما تلاها من حرب عدوانية على غزة، انتشرت على نطاق واسع في الصحافة الإسرائيلية نغمة التشاؤم من مصير “الدولة التي قامت من أجل حماية اليهود”، فغدت اليوم عاجزة عن أداء هذا الدور التاريخي”.
“والواقع، يضيف الكاتب، أن تجربة “الدولة” في علاقتها بالمجتمعات اليهودية ومعايير المواطنة الحديثة، لم تفتأ تطرح إشكالات كبرى في الفكر اليهودي المعاصر، رغم ضعف الاهتمام العربي بهذه الجوانب التي لا سبيل لفهم طبيعة المعادلة الإسرائيلية الراهنة بدونها”. وعرض الكاتب في سياق مقاله، جوانب من الأفكار الواردة في كتاب عالم الاجتماع اليهودي الفرنسي “داني تروم” الذي صدر مؤخراً بعنوان “دولة اللجوء: إسرائيل، اليهود وأوروبا”، مؤكداً “أنه يشكل حسب اعتقاده، أحدث وأهم دراسة شاملة حول ظرفية نشوء “الدولة اليهودية” وما تولد عن هذا النشوء من إشكاليات جوهرية يعاني منها حاليًا المجتمع الإسرائيلي”.
وقال: “واجه الوجود اليهودي تحديات صعبة جديدة مع الحداثة السياسية، بالانتقال من نظرية الحق الإلهي المطلق إلى مبدأ السيادة الشعبية، بما يعني اندماج اليهود من حيث هم أفراد في النسق السياسي للشعب الذين هم أعضاء فيه، تكريساً لنهاية الحلف الملكي المقدس الذي ضمن تاريخياً الحماية لليهود من “نقمة الجمهور”.
وزاد: “ما يخلص إليه تروم هو استحالة بناء دولة قومية يهودية كما حاول الكنيست الإسرائيلي في قانون الهوية لسنة 2008، بل إن الشكل السياسي الوحيد الملائم للمجتمعات اليهودية والمتناسق مع المتخيل اليهودي هو “دولة اللجوء” التي لا يتجاوز دورها حماية المجموعات اليهودية من مخاطر التصفية والإبادة”. “ما نضيفه إلى أطروحة تروم، يقول الدكتور السيد اباه، هو أن سياسات اليمين المتطرف الحاكم في إسرائيل ستقود في نهاية المطاف إلى تقويض هذا المشروع السياسي الذي قامت عليه النظرية الصهيونية الأصلية بأن تتحول إسرائيل إلى الخطر الأكبر على الشعوب اليهودية بدل أن تكون ملجأها”.
عبد الله مولود