وصلتني الآن رسالة نصية من حملة المترشح محمد ولد عبد العزيز تدعوني إلى الحضور إلى المهرجان الذي سينظم هذا المساء في حي الترحيل، وهو المهرجان الذي سينظم تحت شعار "تجديد الطبقة السياسية"، وهذا هو ردي على هذه الدعوة الكريمة التي وصلتني عبر الهاتف مثلما وصلت لغيري.
بدءا أشكر أصحاب الدعوة على دعوتهم الكريمة، والتي لن يكون بإمكاني أن أستجيب لها، وذلك لأني كنتُ قد قررت أن أقاطع انتخابات 21 يونيو، باعتبارها انتخابات غير توافقية، وباعتبارها ستشكل انتكاسة جديدة لديمقراطيتنا المتعثرة.
وما دام الاعتذار قد تم تقديمه، فأرجو من أصحاب الدعوة الكريمة أن يسمحوا لي بأن أعلق قليلا على مهرجانهم، وعلى شعاره " تجديد الطبقة السياسية"، وأن أوجه على هامش التعليق رسالة مختصرة إلى الشباب الموريتاني.
إن هناك فرقا كبيرا بين "تشبيب" الطبقة السياسية وتجديدها، فتشبيب الطبقة السياسية يكتفي بضخ بعض الشباب على الواجهة، لا أكثر ولا أقل، أما تجديدها فيتعدى قضية الأعمار ليشمل تجديد الأفكار وتجديد أساليب العمل السياسي.
ورُبَّ شيخ طاعن في السن يفكر بشكل غير تقليدي هو أنفع لتجديد الطبقة السياسية من حفنة من الشباب تتصارع وتتخاصم في قصر المؤتمرات لأن كل شاب كان يريد أن تمجد قبيلته في مؤتمر "شبابي" مثلما مجدت قبائل آخرين.
إن ما نشاهده اليوم في حملة المترشح ولد عبد العزيز لا يمكن أن نسميه إطلاقا بتجديد الطبقة السياسية، وإنما هو "تشبيب" للطبقة السياسية لغايات انتخابية عابرة، فالأمر كله لا يتعدى دفع بعض الشباب إلى الواجهة دون تغيير للأفكار والأساليب، واستخدامهم كوقود للحملة الانتخابية، تماما كما تم استخدام الفقراء ذات حملة انتخابية سابقة.
قصة وعبرة
إنها قصة تتعلق بسيدة فقيرة تقطن في مقاطعة عرفات، آمنت ذات حملة انتخابية سابقة بشعار الحرب على الفساد، وبالتغيير البناء، وبموريتانيا الجديدة. هذه السيدة قررت أن تناصر رئيس الفقراء وأن تدعمه بكل ما تملك، حتى يفوز على كل منافسيه.
ضربت السيدة خيمة من أجل الدعاية لمرشح الفقراء، وأنفقت من قوت عيالها على الخيمة، ولم تتصل بها حملة رئيس الفقراء لتعوض لها ما أنفقت من مال، ولم تهتم هي بالتعويض، وذلك لأنها كانت مقتنعة بما تقوم به، فكانت تنفق ـ عن طيب خاطر ـ من قوت عيالها على حملة مرشح الفقراء.
كانت تلك السيدة تقول بأنه على الفقراء في موريتانيا أن ينفقوا من جهدهم ووقتهم ومالهم من أجل نجاح مرشحهم، والذي سيشكل نجاحه نصرا مبينا لكل فقراء موريتانيا.
نجح مرشح الفقراء في الشوط الأول من الانتخابات، وانتظرت السيدة حتى مرت تسعة أشهر كاملة على تنصيب رئيس الفقراء، لتعلن عن خيبتها الكبيرة من تصرفات رئيس الفقراء، ولتقول بأنها لم تعد لديها إلا أمنية واحدة، وهي أن تقابل رئيس الفقراء، وأن تطلب منه طلبا واحدا، وهو أن يعيد لها "صوتها" الذي منحته له في انتخابات 18 يوليو 2009.
هذه السيدة كنتُ قد كتبتُ باسمها رسالة مفتوحة موجهة إلى الرئيس، وهي رسالة لم تطلب فيها من الرئيس إلا أن يعيد لها صوتها، لم تعد هذه السيدة تطلب نصيبها من العدالة، ولم تعد تحلم بسجن رموز الفساد، ولم تعد تؤمن بالتغيير البناء، ولم تعد تنتظر ميلاد موريتانيا الجديدة، لم تعد تريد شيئا من رئيس الفقراء إلا أن يعيد لها "صوتها" الذي منحته له في انتخابات 18 يوليو 2009.
سيتكرر الأمر نفسه، وسيطل علينا بعد غد شباب يعملون الآن ـ وبحماس ـ في حملة الرئيس، ليقولوا لنا بأنه لم يعد لديهم من الأماني إلا أمنية واحدة، وهي أن يقابلوا رئيس الشباب، ويطلبوا منه أن يعيد لهم أصواتهم التي منحوها له في انتخابات 21 يونيو 2014، وذلك بعد أن أيقنوا بأن الرئيس لم يفكر يوما ـ وبشكل جاد ـ في تجديد الطبقة السياسية، وإنما كان تجديد الطبقة السياسية بالنسبة له، هو مجرد شعار عابر، استخدمه بشكل عابر، في حملة انتخابية عابرة، لكي يستقطب من خلاله بعض الشباب المتحمس لتجديد الطبقة السياسية، تماما كما فعل ذات حملة سابقة مع الفقراء.
إن تجديد الطبقة السياسية ما هو إلا شعار حملة، وإليكم بعض الأدلة:
1 ـ هل يعقل لمن يرفع شعار تجديد الطبقة السياسية أن يعمل على تهميش الأحزاب السياسية، ولا أقصد هنا أحزاب المعارضة فقط، وإنما أقصد الأربعين حزبا التي تدعم المترشح عزيز في حملته الانتخابية، وعلى رأسها حزب الاتحاد من أجل الجمهورية. لقد تم تغييب كل تلك الأحزاب وتهميشها وتعويضها بسيل عارم من المبادرات القبلية والعائلية، والتي أعادتنا سنينا عددا إلى الوراء.
فهل يعقل ـ يا شباب ـ لمن يهمش الأحزاب السياسية ويخنقها، وينفخ في المبادرات القبلية ويضخمها أن يكون صاحب مشروع لتجديد الطبقة السياسية؟
2 ـ وهل يعقل لمن يريد أن يخنق الديمقراطية وأن يميتها، ولمن يريد أن يهمش أصحاب الرؤى السياسية وأن يستبدلهم بمنافسين لا يملكون أي برامج سياسية، اللهم إلا إذا كان استبدال شريحة كانت تحكم بشريحة أخرى لم تحكم يوما (هذا ما يصرح به مترشحان للرئاسة في كل مهرجاناتهم الانتخابية)، فهل يعقل لمن يفعل ذلك بأن يكون صاحب مشروع لتجديد الطبقة السياسية.
3 ـ ألم يرفع الرئيس شعار تجديد الطبقة السياسية منذ مدة؟ ألم يطلب بتأسيس أحزاب شبابية؟ فلماذا تخلى الآن عن تلك الأحزاب الشبابية التي كان هو من طالب بتأسيسها؟ ولماذا تركها تتشقق و تتفكك ؟ ولماذا شجعها على أن تعمل بنفس الأساليب التقليدية التي تعمل بها الأحزاب التقليدية؟
لقد كانت لتلك الأحزاب مهام محددة، ومدة صلاحية محددة، ولما انتهت مهامها وصلاحيتها تخلى عنها. لقد تم تأسيس تلك الأحزاب من أجل الوقوف أمام الربيع العربي، ولإفشال حراك الشباب الموريتاني، ولما تم الأمر، تم التخلي عن تلك الأحزاب الشبابية.
4 ـ قد يقول قائل منكم بأن هذا الرئيس هو من نظم لقاء الشباب، وبأنه هو من وعد بتشكيل مجلس للشباب، ولؤلئك أقول بأن كل ذلك ما كان إلا من أجل استخدام الشباب كوقود لحملته في العام 2014 تماما كما استخدم الفقراء كوقود لحملته في العام 2009 . ألم ينظم رئيس الفقراء زيارات للحي الساكن في العام 2008، ألم يَعد الفقراء ويمنيهم في تلك الزيارات؟
فلماذا نسي الرئيس زيارة أحياء الفقراء بعد فوزه في انتخابات 18 يوليو 2009؟ وأين هي الأماني والوعود؟ نفس الشيء سيتكرر مع الشباب، والدليل على ذلك هو تأجيل تشكيل مجلس الشباب إلى ما بعد الحملة، وذلك لاستنزاف طاقات وقدرات كل شاب يحلم بأن يكتتب في المجلس الموعود. وفي الأخير، فأي أهمية لأي لقاء شبابي، لا يناقش فيه مشكل البطالة، قضية الشباب الأولى. ألم يرفض رئيس الشباب أن يسمح للشاب الوحيد الذي قرر أن يطرح سؤالا عن البطالة في لقاء الشباب بأن يطرح سؤاله عن البطالة؟
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل