تبدأ موريتانيا تنفيذ المرحلة الأولى لاستخراج الغاز لأول مرة في تاريخها منتصف العام الجاري، بعد عدة تأجيلات وصعوبات رافقت عملية الإنتاج والشراكة والاستغلال والمفاوضات، للتوافق بين الشركات العاملة حول الحقل الغازي "السلحفاة أحميم" البحري المشترك مع السنغال.
وسيصل الإنتاج السنوي من حقل أحميم الكبير إلى 2.5 مليون طن من الغاز المسال سنويا، وسط توقعات متفائلة بأن يشكل إنتاج الغاز الموريتاني فرصة كبيرة للإقلاع الاقتصادي في بلد يعاني من ارتفاع مستويات الفقر والبطالة والأمية، وتداعيات أخرى لعقود من الفساد الإداري والمالي.
وبفضل حقل "السلحفاة أحميم" الكبير، انضمت موريتانيا الشهر الماضي إلى نادي مصدري الغاز. وحسب توقعات اقتصادية، فإن الحقل المذكور سيدر مداخيل مهمة على خزينة موريتانيا تقدر بـ100 مليون دولار سنويا في المرحلة الأولى من الإنتاج، على أن يصل في المرحلتين الثانية والثالثة إلى مليار دولار سنويا.
وإضافة إلى حقل السلحفاة أحميم البحري المشترك بين موريتانيا والسنغال والذي يبلغ احتياطاته 25 تريليون قدم مكعب، تملك موريتانيا حقل "بئر الله" الذي تقارب احتياطياته 80 تريليون قدم مكعب.
مصير النفط والذهب
رغم كل المؤشرات الإيجابية لبدء دخول الحقل الموريتاني السنغالي حيز الإنتاج، إلا أن الموريتانيين يتخوفون من طريقة تسيير عائدات الغاز ويتذكرون بكثير من الحسرة آمالهم التي بنوها على عائدات النفط والذهب، والتي لم تساهم في تحسين ظروف المعيشة وتوفير فرص العمل بسبب الفساد الاداري وضعف الحكامة.
في هذا الصدد، قال الباحث الاقتصادي المختار ولد سيدي إن الموريتانيين يتطلعون إلى أن تساهم عائدات الثروة الغازية في تغيير حقيقي لظروفهم الاقتصادية، وألا تتبخر آمالهم كما حدث في استغلال ثروتَي النفط والذهب.
وأضاف: "رغم أن الاكتشافات واعدة والأرقام مغرية، لكن ما يهم المواطنين هو تأثير هذه الثروة على ظروفهم الاقتصادية وهم يعانون من نسبة بطالة تقارب 30%".
وأوضح في حديثه لـ"العربي الجديد" أن تصدير أول شحنة من الغاز المستخرج من المياه الموريتانية حدث مهم ينتظره جميع الموريتانيين، لكن تأثيره قد يتطلب بعض الوقت من أجل أن يتحقق جزء من الآمال الكبيرة المعلقة عليه.
وأضاف أن التحدي الذي تواجهه الحكومة هو التقيد بمبادئ الحوكمة الرشيدة من أجل الاستغلال الأمثل لهذه الثروة بشفافية ونزاهة، حتى لا تضيع كغيرها، وحتى يعود الاستغلال بعائد إيجابي ينعش الاقتصاد ويحقق النمو المرجو.
واستبقت الحكومة الحديث عن مصير المداخيل المهمة التي سيعود بها استغلال الغاز على خزينة البلاد، بالتأكيد على أن إنتاج الغاز لن يكون له تأثير قوي على الاقتصاد في المرحلة الأولى، مشيرة إلى أن الشركات المنتجة ستقوم بتسديد الديون التي تم اقتراضها من أجل الاستثمارات، وبعد ذلك سيبدأ البلد المنتج يجني أرباحه.
ورغم كل المخاوف يأمل الموريتانيون أن تنجح الحكومة في توفير ظروف مناسبة لاستغلال أمثل للثروة الغازية بتشجيع الشركات المحلية وتوفير اليد العاملة الوطنية، حتى لا تبقى الشركات الأجنبية المستفيد الأكبر من هذه الثروة.
إنتاج واعد
تقدّر احتياطيات الحقل المشترك بين موريتانيا والسنغال بـ25 تريليون متر مكعب، بينما تقدر احتياطيات حقل "بئر الله" المكتشف في المياه الإقليمية الموريتانية بـ80 تريليون متر مكعب، وهو ما يرجح أن يكون له تأثير كبير على الاقتصاد.
غير أن موريتانيا لم تتخذ بعد قرارها بخصوص بدء استغلال حقل الغاز "بئر الله"، ويرجح المراقبون أن تعلن الحكومة عن القرار النهائي بشأن الاستثمار في حقل "بئر الله" العام المقبل، بعد أن تطمئن إلى إنتاج حقل أحميم الكبير، مما سيتيح لها المفاضلة بين عروض الاستغلال المقدمة من طرف الشركات الأجنبية.
ويعوّل الموريتانيون كثيرا على حقل "بئر الله" في تحقيق إيرادات عالية من إنتاج الغاز، حيث تظهر البيانات أن احتياطات الحقل هائلة جدا وتقدر بما بين 80 و110 تريليونات قدم مكعب، ما سيجعل موريتانيا تحتل المرتبة الرابعة كصاحبة أكبر احتياطي للغاز في أفريقيا.
ويقع حقل "بئر الله" بالكامل في المياه الإقليمية الموريتانية ويبعد حوالي 60 كيلومترا شمال حقل السلحفاة أحميم الكبير المشترك مع السنغال، وعلى بعد 100 كيلومتر قبالة السواحل الموريتانية.
وعن تأثير بدء إنتاج الغاز على الاقتصاد الموريتاني قال الخبير الاقتصادي محمد ولد الخليفة: "البداية تبشر بمستقبل مشرق لموريتانيا في مجال إنتاج الغاز، فما تم اكتشافه حتى الآن يؤكد أنها احتياطيات هائلة، سواء في الحقل المشترك مع السنغال أو الحقل الموريتاني، فإذا تم الجمع بين هذين المخزونين المهمين من الغاز، ستجد موريتانيا أن لديها احتياطيات تقدر بأكثر من 110 تريليونات قدم مكعب من الغاز، وهو ما يجعلها في مرتبة متقدمة أفريقيا.
وأكد الخبير الاقتصادي في حديثه لـ"العربي الجديد" أن من شأن هذه الاحتياطيات أن تسمح لموريتانيا بالتقدم بفارق كبير على دول مثل مصر وليبيا.
وقال: "هذا الحجم الهائل من الاحتياطات من شأنه أن يجعل موريتانيا منتجا رئيسيا للغاز في المستقبل مع إمكانية الانضمام إلى العشرة الأوائل في العالم، مقارنة بعدد السكان الذي لا يتجاوز 5 ملايين نسمة".
وعن التحديات الرئيسية التي تواجهها الحكومة في الاستغلال الأمثل للثروة الغازية يرى الخبير الموريتاني أن الحكومة تحتاج إلى إدارة عائدات الغاز بطريقة حكيمة تحافظ بها على مبدأ الشفافية في التسيير وتجد حلولا لمشاكل الفقر والأمية والبطالة وتجذب الاستثمار في البنية التحتية وتنوّع الاقتصاد الوطني.
وأشار إلى أنه بفضل الغاز يمكن لموريتانيا أن تصبح أيضًا شريكًا رئيسيًا في مجال الطاقة لأوروبا التي تسعى إلى التخلص من اعتمادها على الغاز الروسي.
وقال: نظرا للموقع الاستراتيجي للحقل الموريتاني وقربه من بلدان الاتحاد الأوروبي والقارة الأميركية، فإنه من المتوقع أن تصبح موريتانيا قطبا اقتصاديا مهما في المنطقة ووجهة مفضلة للمستثمرين، مما سيسهم في انتعاش الاقتصاد المحلي، والدفع بعجلة التنمية.