ربما لن تقف قوانين الزواج التي أصدرتها السلطات السعودية لتقنين زواج السعوديين من أجنبيات في وجه الموريتانيات، اللواتي يهاجرن إلى دول الخليج بهدف كسب المال، فيلجأن إلى الزواج العرفي.
ورغم أن البعض يرفض الحديث عن هذه الظاهرة خشية الإساءة إلى سمعة الموريتانيات، إلا أن الكثيرات يحلمن بالسفر إلى دول الخليج.
سماسرة الجمال
تعملُ شبكات متخصّصة على إغراء الأسر بالمال للموافقة على تزويج بناتهن من أثرياء في دول الخليج. حتى أن بعض الفتيات يقبلن بزواج المسيار أو العرفي. ويقول الناشط الحقوقي يحيى ولد الداه لـ "العربي الجديد" إنه "يتم استغلال القاصرات تحت غطاء الزواج السري، ولحساب سماسرة يتاجرون بهن ويستغلون جهلهن وفقرهن لتحقيق أرباح كبيرة". ويُشير إلى أن "ارتفاع حالات ترحيل الفتيات إلى موريتانيا، إضافة إلى سجن أخريات في السعودية، يؤكد حجم المأساة وانتشار الظاهرة على نطاق واسع".
وعن الطريقة التي يتم بها استدراج الضحايا، يقول ولد الداه: "تُقنع الشبكات المتخصصة الأسر المحتاجة بالزواج العرفي في الخليج كحل لأزمتها المعيشية، فيتمّ تهجير الفتيات إلى دول الخليج، وخصوصاً السعودية". يُضيف: "تُقبل الكثيرات على وكالات السفر لتسهيل السفر إلى السعودية بحجة أداء العمرة، ثم تتولى وسيطات استقبالهن وإيواءهن إلى أن تحصل كل واحدة على زوج، بحسب حظها ونسبة جمالها وعمرها. وتتقاضى الوسيطات نسبة من مهور الفتيات إضافة إلى هدية من الزوج. وفي حال حصل الطلاق، يتم تزويج الفتاة مرة أخرى عن طريق وسطاء". ويطالب الناشط المجتمع والسلطات بمواجهة هذه الظاهرة بحزم، وبعدم التهاون.
صغيرات
نورا هي إحدى هؤلاء الضحايا. تقول لـ "العربي الجديد" إن "أسرتها تعرضت لضغوط وإغراءات كثيرة. ونتيجة لظروفها المعيشية، اقتنعت بالعرض وسافرت مع والدتها إلى السعودية. هناك استقبلتهما وسيطة في منزلها، وأخذت بعض الصور الخاصة بها. وبعد أيام، تم تزويجها عرفياً برجل ميسور، وحصلت على مهر قدره 20 ألف ريال". تضيف أن "زوجها أحسن معاملتها لكن الوسيطة كانت تتحكم في كل شيء، وتأخذ نسبة من المال والهدايا المقدمة من الزوج. وبعد شهر ونيف، طلبت الوسيطة منها الرحيل إلى مدينة أخرى للزواج بآخر. استغربت نورا ووالدتها الأمر، وخصوصاً أنها متزوجة. فغضبت الوسيطة، قائلة إن الزيجات المتكررة هي الأكثر ربحاً".
تُتابع نورا: "حين علم الزوج، تدخّل ومنح الوسيطة مبلغاً مالياً واشترى منزلاً بعيداً عن مراقبة الوسيطة. لكن تهديداتها لم تتوقف، وبعد عامين حصلت على الطلاق، وعدت ووالدتي إلى موريتانيا". تؤكد أن "معظم الفتيات والنساء اللواتي سافرن إلى الخليج استفدن مادياً، لكنهن عانين عواقب هذه الزيجات السرية وسيطرة الوسطاء".
في السياق، ترى الباحثة الاجتماعية فاطمة بنت زين الدين أن "ارتفاع نسبة الطلاق في المجتمع الموريتاني، وتقاعس الآباء عن مسؤولياتهم، أوقع بعض الفتيات ضحية الشبكات المتخصصة التي تغري الأسر بالمال من أجل السماح لبناتها بالسفر والزواج من ثري". وتشير لـ "العربي الجديد" إلى أن "هناك قناعة راسخة لدى الأسر التي تقع ضحية هؤلاء السماسرة، بأن ما يتم لا يخرج عن نطاق الحلال، وهو الحل الأفضل للخروج من دائرة الفقر وإنقاذ مستقبل باقي الأطفال".
وتضيف: "تبرير الظاهرة وتجاهل عواقبها هو الأخطر، وقد تسبب في استفحالها وتحويل الفتيات الصغيرات الجميلات إلى بضاعة تباع وتشترى تحت غطاء الزواج الشرعي".
وتؤكد زين الدين أن "هناك حالات عدة لفتيات تم التغرير بهن وتزويجهن مرات عدة، من دون أن يحصلن على الطلاق من زواجهن الأول. فيما أنجبت أخريات أطفالاً غير معترف بهم".
المتاجرة بالقاصرات
تُحذّر الجمعيات النسائية من تفاقم ظاهرة تهجير الفتيات إلى الخليج واستغلالهن في أعمال تُسيء إلى سمعة البلاد، وتخلف مشاكل اجتماعية كثيرة. وتؤكد منظمة "النساء معيلات الأسر"، التي تعمل على مكافحة هذه الظاهرة، أنه "تم ترحيل فتيات قاصرات إلى دول خارج موريتانيا. ولما بلغن سن الإنجاب، تم تطليقهن وإبعادهن. فيما عادت أخريات وقد أنجبن أطفالاً رفض آباؤهم الاعتراف بهم".
ويطالب الحقوقيون بفتح تحقيق حول الظاهرة، ومساءلة الأشخاص المتورطين ووكالات السفر، التي ترعى هذه الممارسات، وتشديد القوانين على سفر القاصرات إلى الخارج، ودعم ضحايا هذه الظاهرة معنوياً ومادياً.
" تقدم "