بعد إلغاء الأنظمة العسكرية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو التعاون العسكري مع الدول الغربية، وعلى رأسها فرنسا والولايات المتحدة، زادت المخاوف من استفادة روسيا من الوضع وملء الفراغ. ويعول الغرب ودول حلف الناتو على موريتانيا للحفاظ على مصالحهم في دول الساحل ومواجهة التحدي الروسي عبر مجموعة فاغنر في المنطقة.
تنافس روسي غربي على موريتانيا
في يونيو/حزيران 2021 وقعت موريتانيا وروسيا اتفاقية تعاون عسكري حاولت من خلالها روسيا بناء قاعدة بحرية في شمال موريتانيا. لكن موريتانيا لم تبد حماسة كبيرة لأمر. وبعد مرور ثلاث سنوات وتحديدا في الثامن من شهر أبريل/ أيار الماضي، قامت مجموعة من الجنود الماليين بمساندة مقاتلين من "فتح الله" وهو تنظيم إرهابي، بالاعتداء على قريتي "دار النعيم" و"مد الله" شرقي موريتانيا، حيث قاموا بإطلاق النار عشوائيًا مما أدى إلى إصابة عدد من المدنيين. على الرغم من اعتذار الرئيس المالي إسماعيل ولد الشيخ سيديا لنظيره الموريتاني محمد ولد الغزواني، فإن الخطر لا يزال ماثلاً، خاصةً مع الحدود المشتركة التي تمتد على طول أكثر من ألفي كيلومتر.
الناتو يعول على موريتانيا لمواجهة روسيا
في تصريح إعلامي، قال ريتشارد ويتزر، مدير مركز التحليل السياسي بمعهد هودسون في فرجينيا، أن التقارب بين حلف الناتو وموريتانيا يعكس الاهتمام المتزايد بالوضع في منطقة الساحل وتحديد محاولات روسيا بسط سيطرتها في المنطقة عبر مجموعة فاغنر. فالناتو يخشى تكرار سيناريو مالي والنيجر وبوركينا فاسو في موريتانيا بآن يتولى سياسي قريب من روسيا السلطة أو يحاول دفع القيادة الموريتانية إلى الاقتراب أكثر من موسكو على حساب الغرب. فآخر فصول الانقلابات العسكرية في موريتانيا تعود إلى شهر أغسطس/ أب 2008، ما قاد حينها محمد ولد عبد العزيز الى السلطة، ما دفع الولايات المتحدة وفرنسا إلى قطع جميع المساعدات غير الإنسانية عن موريتانيا.
وفي أحدث تطورات التعاون بين الناتو وموريتانا، قام الأميرال بوب بوور، رئيس اللجنة العسكرية للحلف الدفاعي الغربي، بزيارة عمل إلى موريتانيا. وأكد المسؤول العسكري في الناتو، نقلاً عن وسائل إعلام موريتانية، أن الحلف "يعتبر العديد من القضايا مثل الإرهاب والفقر والجفاف كمشاكل تهدد الأمن في المنطقة، وأنهم يعملون الآن مع القوات الخاصة الموريتانية في تدريب ما بين 80 إلى 100 فرد، ويقومون بإنشاء وحدة جديدة من القوات الخاصة".
الصين تدخل على خط التنافس
لكن روسيا ليست البلد الوحيد الذي يقلق الناتو والغرب في بلدان الساحل، بل الصين أيضا. وبدورها تسعى الصين إلى كسب موريتانيا إلى صفها لتعزيز حضورها في المنطقة وسحب البساط من تحت أرجل الغرب هناك. في 28 يوليو /تموز، التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ بنظيره الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني في مدينة تشنغدو الصينية، وكان هذا اللقاء الثاني بينهما خلال ثمانية أشهر فقط. سبق للزعيمين أن التقيا في قمة الصين والدول العربية في السعودية في 9 ديسمبر/ كانون الأول 2022. ووقع الجانبان اتفاقية تعاون تشمل عدة مجالات مثل الزراعة وصيد الأسماك والطاقة الخضراء. وقدمت الصين مساعدة مالية بقيمة 21 مليون دولار لتخفيف الديون عن موريتانيا.
شراكة عريقة بين الناتو وموريتانيا
وفقًا للموقع الرسمي لحلف الناتو، انضمت موريتانيا إلى منتدى الشراكة للحوار المتوسطي التابع للحلف في عام 1995، ومنذ ذلك الحين، شهدت العلاقة بين حلف شمال الأطلسي وموريتانيا تطورًا ملحوظًا. وفي عام 2013، انضمت موريتانيا إلى برنامج تعزيز التعليم الدفاعي التابع لحلف شمال الأطلسي، الذي يوفر دعمًا مخصصًا لتطوير وتعزيز مؤسسات التعليم العسكري المهني.
في قمة الناتو لعام 2022 في مدريد، وافق رؤساء الدول والحكومات الأعضاء على حزمة بناء القدرات الأمنية والدفاعية لموريتانيا، بهدف دعم جهودها في جعل قدراتها الدفاعية والأمنية أكثر مرونة لمواجهة التحديات الأمنية المتنوعة في المنطقة، ورفع مستوى معايير التدريب للقوات الموريتانية في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
في 26 يونيو/ حزيران 2023، قام الجنرال الداه سيدي محمد الغايب، قائد الأكاديمية العسكرية المشتركة الموريتانية، بزيارة إلى مقر حلف شمال الأطلسي، حيث التقى بعدد من ممثلي الحلف وأعضاء هيئة الأركان الدولية والعسكرية لحلف الناتو، وتبادل معهم الآراء حول آخر التطورات الأمنية في منطقة الساحل وفرص تعزيز التعاون بين الناتو وموريتانيا.
تعزيز التعاون في مجال الطاقة
بالإضافة إلى التعاون الأمني، تسعى دول حلف الناتو إلى تعزيز شراكاتها مع موريتانيا في مجال الطاقة المتجددة، خاصة فيما يتعلق بالهيدروجين الأخضر، مع العلم بأن موريتانيا ستبدأ في تصدير الغاز الطبيعي من الحقل المشترك بينها وبين السنغال خلال السنة الحالية. ففي في 24 أكتوبر / تشرين الأول 2023 وقع الاتحاد الأوروبي وبنك الاستثمار الأوروبي (EIB)، بالإضافة إلى فرنسا وإسبانيا وألمانيا، اتفاقية مع موريتانيا لدعم تحول قطاع الطاقة وتطوير اقتصاد الهيدروجين الأخضر، بهدف تصديره إلى أوروبا مستقبلا.