ترقد الطفلة الفلسطينية الرضيعة سبيل حمدان (9 أشهر) على سرير داخل مستشفى شهداء الأقصى شرقي مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، تصارع الألم والمرض بانتظار إعادة فتح معبر رفح الحدودي، المغلق منذ بدء العملية العسكرية البرية في مدينة رفح أقصى جنوب القطاع، للسفر إلى الخارج لاستكمال العلاج.
تعاني الرضيعة حمدان من تضخم وتليف في الكبد، وتضخم في الطحال، وانسداد في القناة المرارية، مما يتسبب في تكون مياه في جسدها وتجمعها في منطقة البطن، والضغط على الرئتين والقلب، ما يتطلب ذلك إجراء عمليات شفط للمياه أولًا بأول خشية تدهور حالتها الصحية.
نزوح ومأساة المرض
وخلال شهور الحرب، عاشت الأم مع طفلتها المريضة أوضاعًا مأساوية من نقص للعلاج والحفاضات ومن نزوح مستمر، حيث كانت تقيم في مدينة غزة ونزحت لأكثر من مرة حتى وصلت لمنطقة المواصي بمدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة التي تفتقر لسبل الحياة.
وللعام الـ18، تحاصر إسرائيل قطاع غزة، وأجبرت حربها نحو مليونين من سكانه، البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون فلسطيني، على النزوح في أوضاع كارثية، مع شح شديد أيضا في الغذاء والماء.
والمواصي مناطق رملية على امتداد الخط الساحلي، تمتد بشكل عام من جنوب غرب دير البلح (وسط القطاع) مرورا بغرب خان يونس حتى غرب رفح (جنوب).
صارع من أجل البقاء
وتقول ريم والدة الطفلة حمدان لمراسل الأناضول: “ابنتي تعاني جراء هذا المرض، وتصارع من أجل البقاء على قيد الحياة، لكن حياتها مهددة في حال توقف عمل مستشفى شهداء الأقصى بفعل نفاد الوقود اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية الاحتياطية”.
وتعتمد الطفلة الرضيعة، التي تبلغ من العمر بضعة أشهر، على الأكسجين للبقاء على قيد الحياة بسبب الصعوبة الكبيرة في التنفس والرضاعة، بفعل الضغط الذي تتسبب به المياه المتجمعة في البطن على قلبها الصغير ورئتيها المُتعبتين.
وتخشى الوالدة، التي يعتصر قلبها ألمًا على طفلتها، من فقدانها في حال تفاقم أزمة نقص الوقود التي يعاني منها مستشفى شهداء الأقصى، وتوقف الأكسجين عن الأطفال المرضى، لاسيما أن الأطباء أخبروها أن حالة ابنتها صعبة للغاية وقد تفارق الحياة في أي وقت.
وفي 27 مايو/ آيار الماضي انقطع التيار الكهربائي عن عدد من أقسام مستشفى شهداء الأقصى لساعات، جراء نقص الوقود اللازم لتشغيل مولدات الكهرباء، قبل أن تعود إلى العمل بعد تزويدها من قبل منظمات دولية بـ 15 ألف لتر من الوقود.
وتحتاج المستشفى الوحيد وسط قطاع غزة، في اليوم الواحد إلى ما بين أربعة آلاف وخمسة آلاف لتر من الوقود لضمان استمرارية العمل.
معاناة مستمرة
وعلى سرير المستشفى، تحمل الأم الفلسطينية رضيعتها بين يديها ودموعها تنهمر على وجهها، تشير بيدها إلى الانتفاخ الكبير في بطن طفلتها الناجم عن تجمع المياه، وعدم توفر العلاجات اللازمة لحالتها داخل قطاع غزة، بسبب النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية.
وتضيف: “قبل 3 أيام أجرينا لها عملية شفط للمياه المتجمعة، لكن المياه تتشكل مجددًا في جسدها، ومعاناتها لا تنتهي، ويتسبب ذلك بضيق في التنفس جراء الضغط على القلب والرئتين، وتتأثر رضاعتها بشكل كبير”.
وتتشكل المياه داخل جسد الرضيعة حمدان بشكل دائم وتتجمع في البطن، وتقوم الطواقم الطبية بإجراء عمليات جراحية مستمرة لشفط المياه المتجمعة، لكن دون جدوى، فالعمليات تتكرر بصورة دائمة، ولم يسجل أي تحسن في حالتها الصحية منذ دخول المستشفى في الثاني من مارس/ آذار الماضي.
وتشتكي الأم من عدم قدرتها على توفير الملابس المناسبة لطفلتها الرضيعة مع جسدها النحيل ووجود تضخم كبير في البطن، خاصة أنها في المرحلة الثالثة والأخيرة من مرض تليف الكبد.
وبينما تجلس في المستشفى منذ بضعة أشهر، تشتاق الوالدة لأفراد عائلتها وللأوقات السعيدة التي كانوا يقضونها سويًا، وتحنّ الأمّ إلى لمس يديهم وسماع أصواتهم وتبادل الضحكات معهم، لكنها محاطة بصمت قاطع ووحدة مؤلمة.
وتقول: “قلبي يعتصر ألمًا، أصبحنا نتمنى الموت في ظل المعاناة التي نعيشها والأزمات القاسية”.
وتتساءل باستغراب واستهجان: “ما ذنب هذه الطفلة بأن لا تتلقى العلاج اللازم والرعاية الصحية المناسبة كباقي الأطفال المرضى حول العالم؟! ما ذنب أطفالي المتواجدين داخل البيت أن يحرموا من والدتهم وشقيقتهم؟! وأن أحرم من معانقتهم؟! أليس من حق المرضى أن يتلقوا حقهم في العلاج؟”
وتأمل أن تنتهي الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة وإعادة فتح معبر رفح الحدودي مرة أخرى، حتى تتمكن طفلتها من السفر إلى الخارج لتلقي العلاج اللازم.
وفي 7 مايو الجاري، استولت إسرائيل على الجانب الفلسطيني من معبر رفح البري مع مصر؛ ما أغلقه أمام خروج جرحى لتلقي العلاج ودخول مساعدات إنسانية شحيحة أساسا، بينها أدوية.
ووفقًا للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، يواجه آلاف المرضى في القطاع الموت، حيث يحتاجون إلى العلاج والسفر خارج القطاع، ولكن إغلاق معبر رفح يحول دون خروجهم لتلقي العلاج في مستشفيات الخارج.
ومنذ بدء الحرب، عمد الجيش الإسرائيلي إلى استهداف مستشفيات غزة ومنظومتها الصحية، وأخرج مستشفيات كثيرة عن الخدمة؛ ما عرض حياة المرضى والجرحى للخطر، حسب بيانات فلسطينية وأممية.
وتواصل إسرائيل الحرب على غزة رغم أوامر من محكمة العدل الدولية بوقف الهجوم البري على مدينة رفح (جنوب) فورا، واتخاذ تدابير مؤقتة لمنع وقوع أعمال “إبادة جماعية”، وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بالقطاع.
كما تتجاهل إسرائيل اعتزام المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال دولية بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعها يوآف غالانت؛ لمسؤوليتهما عن “جرائم حرب” و”جرائم ضد الإنسانية” في غزة.