كثيرا ما يُطرح عليًّ السؤال : هل تعتقد أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني سيحارب الفساد في مأموريته الثانية؟
فإن أجبتُ بنعم طُرِح عليَّ سؤال آخر : ولماذا لم يُحاربه بشكل واسع وصارم في مأموريته الأولى؟
الفساد، وكما قلتُ في أكثر من مقال، ليس خصما ضعيفا، ومحاربته ليست نزهة، والقضاء عليه أو على الأصح الحد منه، لا يمكن أن يتم في طرفة عين، ولا حتى في مأمورية واحدة.
في المأمورية المنتهية تمت إعادة هيكلة المؤسسات الرقابية، فأصبحت محكمة الحسابات تنشر تقاريرها بانتظام، وألحقت المفتشية العامة للدولة برئاسة الجمهورية، واستعيدت بعض الأموال المنهوبة.
هل هذا يكفي؟ بالتأكيد لا، ولكن دعونا نقارن بين حملة رئاسيات 2019 وحملة رئاسيات 2024، فتلك المقارنة ستجعلنا نتوقع أن محاربة الفساد في المأمورية الثانية ستختلف كثيرا عن محاربته في المأمورية الأولى.
في حملة 2019 لم يتعهد المرشح محمد ولد الشيخ الغزواني للشعب الموريتاني بمحاربة الفساد، بل أكثر من ذلك، فإن كلمة "فساد" لم تأت على لسانه ـ ولو لمرة واحدة ـ في كل خطاباته في كل المدن التي زارها في حملة 2019 ، وكان ذلك متفهما لمن كانت له القدرة على فهم تعقيدات تلك اللحظة، وقراءة أحداثها قراءة معمقة.
كان المرشح غزواني يدرك في تلك الفترة أن الأولوية يجب أن تُعطى لتأمين التناوب السلمي على السلطة، وهو تناوب كان في خطر كبير، فبدون تأمين التناوب السلمي على السلطة وتحصينه تحصينا كاملا، فلا مجال لمحاربة الفساد، ولا لأي جهد إصلاحي في أي مجال آخر، فالاستقرار السياسي هو شرط أساسي يجب أن يتحقق أولا من قبل أي حديث عن أي إصلاح.
وعلى العكس من خطابات المرشح غزواني في حملة 2019، والتي لم يأت فيها أي ذكر للفساد، ولا أي وعد حتى ولو كان خجولا بمحاربته، فسنجد أن محاربة الفساد كانت حاضرة وبقوة في كل خطابات المرشح في حملة 2024، ففي كل ولاية من ولايات الوطن أكد المرشح وبلغة فصيحة وصريحة بأنه لن يقبل بأي فساد في مأموريته القادمة، لذا فلا يمكن أن نتوقع أبدا من المرشح محمد ولد الشيخ الغزواني أن لا يحارب الفساد ـ وبصرامة ـ في مأموريته الثانية.
لنكتفي الآن بهذا القدر من الإجابة على السؤال الأول، ولنطرح أسئلة أخرى لا تقل أهمية حول محاربة الفساد.
في أي خندق أو قطب سياسي يوجد المفسدون؟
إن المفسدين يوجدون حصرا في أغلبية الرئيس الداعمة له، فهم لا يوجدون في المعارضة بكل تأكيد، وهذا أمرٌ طبيعي جدا، فالمعارضة لا تمارس تسيير شؤون البلاد، ولذا فإن الحرب على الفساد ستكون حربا داخل الأغلبية، وضحاياها سيكونون في الأغلب من داعمي الرئيس.
والآن، لنطرح السؤال الأهم : ماذا سيحدث إن بدأ الرئيس حربه على الفساد بإقالة مفسد ما، وليكن المفسد (س)، وسجنه بعد ذلك طبقا لأحكام القضاء؟
في فسطاط الأغلبية سيحدث الآتي :
1 ـ هناك طائفة كبيرة من الأغلبية الداعمة للرئيس ستحاول بكل ما تملك من نفوذ أن تُربك تلك الخطوة وتفشلها في مهدها، وذلك لأنها تُدرك بأنها ستتضرر كثيرا من أي حرب جدية على الفساد؛
2 ـ هناك طائفة ثانية من الأغلبية الداعمة للرئيس، وليست بالقليلة، لن تتحمس لإقالة أي مفسد وسجنه، وذلك لأن دعمها كان في الأصل من أجل أن تنال نصيبها من الفساد، ولذا فهي لن تتحمس لأي حرب جدية على الفساد؛
3 ـ هناك طائفة ثالثة من الأغلبية الداعمة، وهي الأقل، ستدعم الرئيس في أي خطوة يتخذها ضد الفساد والمفسدين.
هذا عن الأغلبية، فماذا سيحدث في فسطاط المعارضة عندما يُحاسب الرئيس المفسد (س) على فساده؟
صحيح أن المعارضة لا تمارس الفساد لبعدها عن تسيير شؤون البلد، ولكن الصحيح أيضا هو أن ردود أفعال المعارضة تكون سلبية دائما عند فتح أي ملف فساد، ومن الراجح أن المعارضة ستعتبر ـ كما اعتبرت سابقا ـ أن محاسبة المفسد (س) تدخل في إطار تصفية الحسابات، وأنه لا صلة لها بالحرب على الفساد، فالمعارضة إذا كانت تنتقد بقوة في خطاباتها فساد الأنظمة، إلا أنها في الغالب الأعم لا ترغب في أن تُحارب تلك الأنظمة الفساد، فمحاربة الفساد من طرف تلك الأنظمة تعني فقدان المعارضة لواحد من أهم شعاراتها التي تقتات عليها سياسيا وإعلاميا وشعبيا.
هذا عن المعارضة والأغلبية، فماذا عن المجتمع التقليدي؟
عندما يُحاسب المفسد (س) فإن قبيلته ستسارع إلى التضامن معه، وستطرح السؤال المعهود لماذا ابننا دون غيره من المفسدين؟
إن محاربة الفساد لابد أن تبدأ بمفسد أو بمجموعة من المفسدين، ولكل مفسد قبيلة أو شريحة أو جهة لن تتردد في الدفاع عنه، عندما يعاقب على فساده.
مما سبق يمكننا أن نقول بأنه عندما يبدأ الرئيس في محاسبة مفسد أو مجموعة من المفسدين على فسادهم وسوء تسييرهم، فإن الذي سيحدث بعد ذلك، هو أن الجزء الأكبر من أغلبيته الداعمة سيقف بشكل غير معلن في صف المفسد، والجزء الأكبر من المعارضة سيقف هو الآخر في صف ذلك المفسد بحجة أن ما يتعرض له يدخل في إطار تصفية الحسابات، ولا علاقة له بمحاربة الفساد، هذا فضلا عن وقوف طائفة من المجتمع التقليدي (القبيلة أو الشريحة أو الجهة) في صف المفسد دفاعا عن ابنها، وهو ما يعني في المحصلة النهائية أن الرئيس لن يجد أي سند شعبي فاعل ومنظم في أي خطوة يتخذها في مجال محاربة الفساد.
ومن هنا ـ وبهذا أختم ـ تبرز أهمية تأسيس حلف وطني داعم لمحاربة الفساد، يقف مع الرئيس في أي خطوة يتخذها في محاربة الفساد، والحاجة لتأسيس مثل هذا الحلف، هي واحدة من أهم الأسباب التي جعلتنا نؤسس "منتدى 24 ـ 29 لدعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية".
#منتدى24_29
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين الفاضل
[email protected]