يبدو أن عادة "تسمين" الفتيات، التي ميزت المجتمع الموريتاني أو الصحراوي بشكل عام لقرون، باتت إلى زوال بعد تخلي فئات من المجتمع عنها تحت تأثير الحداثة والوعي بخطورة السمنة على الصحة وتأثيرها على دور المرأة في المجتمع.
ومن السهل ملاحظة الفرق الكبير بين أحجام أجساد النساء الآن وقبل عشر سنوات وأيضاً قبل 15 عاماً خاصةً بين الشباب والجيل الجديد، فبعد كل فترة زمنية تختفي الأجساد الممتلئة وترتفع نسبة الأجساد الرشيقة أو المتوسطة.
وكل متابع للموضة و"الصرعات" في موريتانيا يلاحظ بشكل جلي دخول قطع من الملابس والأحذية لم تكن سابقاً ترتديها النساء بسبب ثقافة المجتمع وأيضاً بسبب الوزن الزائد الذي لا يسمح لهن بارتدائها.
حيث أصبحت البناطيل والأحذية الرياضية وغيرها من القطع من أساسيات ملابس الفتيات، يمزجن بينها وبين "الملحفة" وهو الزي التقليدي الذي ترتديه أغلب النساء بالبلاد. أما النساء الأكبر سناً، واحتراماً لمكانتهن وما يفرضه "البريستيج" الاجتماعي عليهن، فإن التأثر بالموضة التي تناسب الأجساد الرشيقة ظل محصوراً لديهن في السترات والمعاطف التي مزجن بينها وبين ارتداء الملاحف، كما دخلت البناطيل الواسعة والأحذية الرياضية على استحياء خزائن ملابسهن.
إعداد الفتاة للزواج
كانت العادات في المجتمع الموريتاني تقتضي بأن تكتسب الفتاة المقبلة على الزواج وزناً يظهر ملامح الجمال بها وهي ترتدي الملحفة، الزي الفضفاض الذي يسترها لكنه لا يسمح بظهور جمال جسدها إن بقيت رشيقة.
ففي الموروث الشعبي، حين تبلغ الفتاة سن المراهقة وترتدي "الملحفة" تبدأ مرحلة جديدة في حياتها بتعلم العادات الأصلية وقواعد إكرام الضيف والتعامل مع الغير، وأيضاً اكتساب مهارات الحديث في "مجالس الشاي" لتصبح قادرة على تكوين أسرة، وفي الشكل الخارجي تكتسب الفتاة وزناً بشكل تدريجي لتبدو جميلة وممتلئة وهي ترتدي زيها التقليدي.
وإلى وقت قريب، كانت الفتيات يتزوجن بعمر ما بين 14 و17 عاماً، خاصةً في الأرياف، لكن بفعل تطورات العصر وتأثيره على تركيبة المجتمع وخروج المرأة لسوق العمل أصبحت سنوات الدراسة والعمل "تأكل من عمر" الفتاة وبالتالي تأجل قرار الزواج إلى ما بعد التخرج والعمل، وهذا ما أثّر كثيراً على مجموعة من التقاليد المرتبطة بإعداد الفتاة للزواج، ومنها اكتساب الوزن.
ورغم أن الحصول على الجسم الممتلئ كان قديماً يتم بوسائل تقليدية بسيطة وعلى مراحل، فقد تحوّل لاحقاً إلى ما يشبه الهوس لدى الكثير من الفتيات وحتى النساء المتزوجات اللواتي يستخدمن وصفات غير آمنة كالأقراص الطبية والخلطات الخطيرة من أجل إبراز مناطق الأنوثة لديهن في وقت قصير.
الرياضة بدل وصفات السمنة
أصبحت المنتزهات والشوارع الخالية ومحيط الملاعب الرياضية وغيرها من المساحات الخضراء مقصداً للنساء من مختلف الأعمار لممارسة الرياضة خاصة المشي والركض، في وقت ما زالت الصالات الرياضية المخصصة للنساء قليلة وبعيدة عن الأحياء الأكثر اكتظاظاً بالسكان.
في المقابل انحصر الترويج لوصفات السمنة بشكل كبير بفعل تأثير الوعي المتزايد حول أهمية الحصول على الجسم السليم الخالي من الأمراض مهما كان حجمه، واستبدلت الكثير من المحال التجارية التي كانت تبيع هذه الوصفات تجارتها بعد ما تسببت به بعض هذه الوصفات والمواد من أمراض خطيرة.
حتى اللواتي ما زلن يبحثن عن السمنة أصبحن يستعملن مواد طبيعية وآمنة لاكتساب الوزن على مراحل ودون أضرار صحية.